يتزامن 2024 مع مرور 35 عامًا وذكرى التصديق على اتفاقية حقوق الطفل، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، ما حدا بـ"اليونيسيف" مؤخرًا، وهي منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأطفال ومناصرة حقوقهم، إصدار كتيبًا شعريًا ضم 15 قصيدة لأطفال البلد الأكثر معاناة، جنوبي غرب شبه الجزيرة العربية.
عُنون هذا الديوان الصغير، الواقع في 32 صفحة فقط، بـ"قصائد السلام من أطفال اليمن"، وحوى عشرات الرسوم المرافقة للقصائد التي كتبها خمسة عشر طفلًا ويافعًا، أصغرهم سوسن الشميري، 10 سنوات، وأكبرهم تجاوز سن اليفاعة بقليل؛ عمار الشامي، في مستهل العشرينيات من عمره.
يبدعون.. يُلهِموننا أكثر
عن سبب إصدار هذا الكتيّب، وفي هذه المناسب بالذات، تقول مسؤولة المناصرة في منظمة اليونيسيف ملاك شاهر "قصائد السلام، مبادرة عالمية لليونيسف تعمل مع الأطفال والشباب من جميع أنحاء العالم منذ 2020. وفي اليمن، نشارك في هذه المبادرة وندعو الأطفال والشباب من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا لمشاركة قصائدهم التي تركز على حياتهم، وأحلامهم بالسلام ومستقبلهم وتطلعاتهم".
تضيف لـ "يمن فيوتشر" وصحيفة "الأيام": "أردنا أن نعطي للأطفال والشباب المجال للتعبير عما يدور بداخلهم تجاه ما يعاصرون وما يتمنون. كلهم يتوقون إلى السلام وأظهروا اهتمامًا لافتًا بهذا الموضوع"، وهو أمر كما تقول شاهر "مثير للإعجاب"؛ إذ أحب هؤلاء الأطفال "أن تُعطى لهم فرصة التعبير عن أنفسهم"، موضحة "قمنا بتجميع هذه القصائد في كتيب وأعطينا الفرصة لفنانة شابة لإضافة رسومات".
وبشيء من مسحة أدبية، أكدت ملاك "أن الشيء المذهل في العمل مع الأطفال والشباب هو أنهم يلهمون الكبار أيضًا للعمل الإبداعي"، متطرقة إلى عديد أنشطة مدرسية قامت اليونيسف بدعمها "في عدة مدارس بعدن وصنعاء، بما في ذلك زراعة الأشجار للترويج لحماية البيئة والمساعدة على وقف تغير المناخ"، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعيد نشاط مماثل في مارس/أذار 2023.
"قمت أنا وزملائي بزيارة عديد مدارس ورأينا كيف يستمتع التلاميذ بالمشاركة في زراعة الأشجار التي تحمي بيئتهم وتجملها. قال لنا كثيرون إنهم متحفزون أكثر للدراسة عند رؤية مدارسهم وهي نظيفة وخضراء،"، قالت.
الدعوة إلى السلام وحقوق الطفل
وتقوم منظمة اليونيسف بتوفير برامج دعم المهارات الحياتية والأشغال اليدوية لطلاب المدارس، مما يساعدهم على عمل أشياء من صنع أيديهم، "شعرت بالسرور عندما رأيت كيف تغير هذه البرامج من حياة الطلاب وأسرهم"، وفقًا لـ ملاك التي أوضحت أن منظمة اليونيسيف بصفتها "مكلفة بالعمل على رعاية الأطفال ومناصرة حقوقهم"، تعمل على توفير الدعم للقطاعات التي تقدم لهم التعليم والصحة والمياه.
وتقول اليونيسف إن ملايين الأطفال والشباب تلقوا الدعم من خلال برامج الصحة والتغذية والتعليم والمياه والصرف الصحي والنظافة العامة وحماية الطفل، فيما تهدف أيضًا إلى إعطاء فرصة أكبر للأطفال والشباب للمشاركة معها في الدعوة إلى السلام وحقوق الطفل.
وتعمل المنظمة الأممية مع مناصري حقوق الطفل لتعزيز عملها وإعطاء الأطفال الفرصة للتعبير عن حقوقهم، بالإضافة إلى تمكين هؤلاء الأطفال واليافعين ليصبحوا عوامل تغيير في تعزيز مستقبل أفضل.
مساعدة الأطفال على النماء وبلوغ طاقاتهم
وتأتي اليمن في الوقت الراهن في عداد أسوأ البلدان التي يمكن أن يعيش فيها الطفل؛ نظرًا لما تواجهه من نزاع مستمر منذ أكثر من تسعة أعوام، وفق ما يشير إليه موقع اليونيسيف على الانترنت، فيما "تعرض الآلاف من الأطفال إما للقتل أو الإصابة في حرب ليست من صنع أيديهم وفي ظل خطر مشترك ناجم عن النزاع المسلح والمرض وسوء التغذية والذي يعد واقعًا يوميًا يعيشه هؤلاء الأطفال"، الذين يعيش من بقي منهم على قيد الحياة "مع ما خلفه النزاع من ندوب وآثار".
وحسبما تؤكده أدبياتها، تعمل اليونيسف بالتعاون مع السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية وشركاء من المجتمع للاستجابة للاحتياجات الملحّة للأطفال في كافة أنحاء البلاد من خلال تقديم خدمات مستدامة تهدف إلى مساعدة الأطفال على البقاء على قيد الحياة والنماء لبلوغ كامل طاقاتهم.
وفيما يخص دعم الأطفال والشباب الذين يواجهون التحديات للمشاركة في مثل هذه الأعمال الإبداعية، "نحاول الاستفادة من الفرص مثل مبادرة قصائد السلام والأيام الدولية، بما في ذلك اليوم العالمي للطفل ويوم البيئة العالمي، كما تتيح البرامج الميدانية للأطفال فرصة التعبير عن أنفسهم من خلال الرسم والقصائد والكتابة"، بحسب ملاك شاهر.
اضطرب بلدي والعالم من حولي اضطرب
مريم خالد، من عدن، وهي حاليًا شابة جامعية في الـ20 من عمرها تدرس في كلية اللغات جامعة عدن، حين كتبت القصيدة قبل سنوات كانت لا تزال في سن الطفولة. وهي ممتنة للغاية لمنظمة اليونسيف، التي باتت تراها منذ ذلك الحين، على أنها منبر الإنسانية الأول لأجل الأطفال، وأن رسالتها لأجل الطفولة ستغدو أفضل وتصل إلى مساحة واسعة حيث يجب أن يُسمع بمطالب الأطفال وأمنياتهم الجميلة.
قالت لـ"يمن فيوتشر" وصحيفة "الأيام"، عندما تلقت الطلب من اليونيسيف بكتابة قصيدة بمناسبة اليوم العالمي للطفل، قبل سنوات، طرقتِ البال قليلًا لاستدعاء قريحة شعرية قد لا تواتي اللحظة، "لكن السؤال الأهم كان: ماذا أريد أن أكتب كطفلة؟ وما الذي يشغل هاجس الأطفال الآن في بلد كـ اليمن؟"
"عانيت وغيري من الأطفال أهوال الحرب والأوضاع الصعبة التي عاشتها بلدنا، وتبعاتها. كبرنا قبل أن نكبر، وبشكل خاص وجدنا أنفسنا في مرمى التفكير عن معاني تفوق قدرتنا على الفهم. اضطرب بلدي والعالم من حولي اضطرب، ما الذي يمكنني أن أكتب؟ ما هو الحلم إذن؟ ما هو الأمل؟"، وفقًا لـ مريم.
فوضى الشارع.. فوضى حديقة خضراء!
أضافت: "كان السؤال في بالي منذ أن كنت طفلة هل للسلام حقيقة ووجود؟"، وهو شطرٌ وظفته في قصيدتها التي نشرتها اليونيسف في ديوان "قصائد السلام".
"كان يشغلني جدًا ودائمًا هذا السؤال"، متسائلة أكثر: "هل سيكون السلام موجودًا ذات يوم ونغدو أفضل؟ وهل كان موجودًا أساسًا من قبل؟"، وهو سؤال يوحي بما تفتحت عليه أعين عديد الأطفال اليمنيين في هذه الحياة على وقع الحروب والاضطرابات وانهيار مؤسسة الدولة، ما جعلهم يفتقدون معنى السلام والاستقرار منذ البدء.
وبالمثل، تعددت تساؤلات الأطفال في قصائدهم "هل للحرب والصراع نهاية؟"، كما كتبت "نوف"، أو كما يكتب "عاصم" في قصيدته، مناديًا: "يا أبتِ اخرجني من فوضى الشارع، صوب فوضى حديقة خضراء". فيما يرفع "محمد اليزيدي" صوتًا حزينًا في الغناء "أما آن للحرب أن تنتهي؟ أم آن للطفل أن يحتفي، وفي بيته بارتياح ينام؟"، وتبتهل نور الشيباني "يكفي صراع، ألا تروا أن الحياة تختنق تحت الركام؟"، وتشدو شاكية "غابت مدرستي وانطفأت الحروف"، لتدون أمنيتها العزيزة، الأغلى لكل طفل: "أشتاق صباح عاطر الضوء، ويسود في أوطاني النظام".
أحلام السلام!
تقول مريم خالد "لن يوجد سلام إن لم نحب بعضنا بعضًا"، وإذ تعلي من قيمة المحبة كما تفعل كل مرة، ضمّخت قصيدتها هذه الخاتمة:
"إن الوجود سلام والسلام وجود
إن الحياة محبة،
وإن الوجود بدونها هو لا وجود"
تضيف: "حلمتُ وما زالت بالسلام، بمكان آمن. كل الأطفال يشاركونني هذا الحلم الأبدي".
تتوسع مريم خالد، وقد أصبحت الآن أحد مناصري حقوق الأطفال مع اليونيسيف، بالحديث عما استفادته من المنظمة الأممية منذ الدورة التدريبية الأولى، 2028، التي كانت حول الكتابة الإبداعية للأطفال بعدن، "كان لتلك الدورة دور كبير في حياتي. للمرة الأولى أتعرف على اليونيسيف وكنت ما زلت طفلة، وفهمت أهدافها السامية وما تقدمه للأطفال. وجدت أن هناك من يهتم بالأطفال، ومؤمن بحقوق كل طفل في الحياة"، مشيرة إلى المنظمة الأممية "شعرت أنها جزء مني، وأن الكل سيسمع صوتي من خلالها، وما زلت أتعلم منها، وأريد أن أوصل رسالتي دومًا لأجل كل الأطفال ومنهم أيضًا إلى كل العالم. أمنيتي أن أتكرس للعمل والخدمة لأجل الطفولة في بلدي اليمن".
نماذج من القصائد المنشورة في ديوان "قصائد السلام من أطفال اليمن":
(أنا طفلة أحب السلام
كنت دومًا أؤمن بالسلام
حتى رأيت في التلفاز شيئًا
لم يكن في الحسبان
رأيت في الشاشة حروبًا ودمار
رأيت أطفالًا ينامون في الخيام
فقدوا حضن وأمان الوالدين
رأيت مدارس وحدائق خالية من الأطفال
بكيت مما رأيت وذهبت إلى أبي
وقلت: يا نبع الحنان، أين ذهب السلام؟
أين المدارس والحدائق؟
أين الدواء أين الطعام؟
من أحرق غصن الزيتون ومن قتل الحمام؟
اعيدوا للطفولة ضحكتها
واعيدوا لي آمالي بالسلام)
- سوسن الشميري
××××××××
(هل للسلام حقيقة ووجود؟
أخبرونا قديمًا أنه موجود
لكنه في أرضنا مفقود
أحلام طفولتنا التي ذهبت
لن تألوا جهدًا أن لا تحيد وأن تقود..
ليس وعدًا واحدًا نمنحه قادمًا يأتي
بل وعود..
نظل هنا لأجل أن يأتي السلام
وأن تشرق البسمات أن نذود
إن الوجود سلام والسلام وجود
إن الحياة محبةٌ
وإن الوجود بدونها هو لا وجود)
- مريم خالد
××××××××
(أما آن للحرب أن تنتهي؟
أما آن للطفل أن يحتفي
وفي بيته بارتياح ينام؟
ضاع بالحرب مستقبلي
وحلمي تناثر بين الحطام..
متى كل آلامنا تنتهي؟
متى ينجلي هذا الظلام؟
متى يبدل اليأس بالأمل؟
فليس السلام علينا حرام..
ألا يا زوايا البلاد اهتفي
نريد السلام.. نريد السلام)
- محمد اليزيدي
××××××××
ريثما تجهز الأغاني،
تعالوا نخطف الأمنيات
نهذي كلامًا
في الحواري،
كأننا ما كبرنا
أيقظوا الليل واستفزوا النيامَ
يا رفاقي،
لمّا نَنْم منذ قالوا:
عندنا الصبح ليس صبحًا تمامًا
علِّقوا للسلام كل هوانا
نجمةً نجمةً.. حمامًا حماما
نحن في سيرة الخراب دخلنا
- كالنهايات والحواشي - ركاما
البيوتُ.. الأزقةُ.. الأرضُ، تحكي
للمساكين كيف صارت حطاما
والمُنى موسميةٌ
هل تمنى واحدٌ في البلاد إلا السّلاما؟
غير أنّا خلال غيبوبة الذكرى
نطيل البقاء عامًا فعاما
كم من الموت يلزم الحرب،
حتى تخلُدَ الحربُ في عيون اليتامى؟)
- عمار الشامي