تقرير: هكذا نطرد الأرواح الشريرة... عن طقوس "المشاقر" في اليمن
يمن فيوتشر - رصيف22: الثلاثاء, 18 أكتوبر, 2022 - 03:19 مساءً
تقرير: هكذا نطرد الأرواح الشريرة... عن طقوس

خدود مثل الورد ضوء الفجر أرواها وأعطاها المشاقر حرس
محـوطات الوجـوه البيض بالكاذي  المُسـقى في برود الغلس

كلمات عذبة، تغنى بها فنان اليمن الكبير أيوب طارش عبسي وهو يصف جمال المرأة اليمنية التي تضع المشاقر وتتزين بها، إذ تحتل المشاقر، وهي نباتات عطرية زكية الرائحة، مكانة خاصة لدى اليمنيين كموروث شعبي قديم، يضعها الرجال على رؤوسهم كطقس تقليدي متوارث، وتضعها النساء بجانب خدودهن، ودائماً ما تحضر في الأفراح والأحزان على حد سواء، للاعتقاد السائد بأنها تطرد الأرواح الشريرة.


تحضُر في الأفراح وفي الأحزان

في إحدى قرى ريف محافظة تعز وسط اليمن اعتاد الحاج صالح (60 عاماً) أن يضع المشاقر فوق عمامته التي يرتديها على رأسه، يقول لـرصيف22 إن هندامه يظل ناقصاً إذا لم يضع المشقر على رأسه، مؤكداً أنها ليست مجرد نبتة تفوح منها رائحة طيبة بل هي إرث شعبي مهم وجزء لا يتجزأ من مشهد الرجل اليمني.

أما صفية (51 عاماً) فتؤمن أنها تطرد الأرواح الشريرة وتحمي من العين والسحر والشعوذة، تقول لرصيف22: "حتى في الوفاة توضع المشاقر في كفن الميت وتدخل معه إلى القبر".

وتضيف: "أما في الفرح والأيام السعيدة فتضع النساء المشاقر على رؤوسهن طوال الوقت، نضعها في ملابس الرضع حديثي الولادة، وتلازم المرأة في نفاسها، كما تتزين بها العروس يوم زفافها، فتمسك الفتاة بيدها حزمة من المشاقر ذات الرائحة الجميلة ، وتلصق أغضانها على الحقائب التي تحمل كسوة العروس وأغراضها".

في واحدة من أغاني الزفة يذكر الفنان أيوب طارش أنواع من المشاقر المخصصة للعروس يوم زواجها فيقول:

واصبايا واملاح هيا اقطفين لي مشاقر

وارصفين لي الورود الحمر وسط المزاهر

واطرحين الكواذي البيض بين المباخر

لحبيبي هو حبيب القلب أول وآخر

 

•لكل بلد مشاقرها

هند فؤاد، امرأة أجبرتها ظروف الحرب على النزوح من مدينة تعز، قبل سنوات، واستقر بها الحال في  منطقة صبر المشهورة بزراعة المشاقر، ويعرف أهلها هذه النباتات جيداً، استطاعت هند تأسيس مشروعها الخاص وهو عبارة عن حديقة "جرين لاند" تُزرع فيها النباتات المختلفة لتتمكن هند من بيعها، بما فيها بالطبع نبتة المشاقر.

تقول هند لرصيف22 بأن هناك أنواعاً كثيرة من المشاقر، إذ تشتهر بعض المناطق بنوع دون سواه، إلى جانب الأصناف المعروفة لدى جميع اليمنيين مثل الشذاب والأوزاب، وإلى النوع الواحد الذي يتغير  إسمه بتغير القرية أو المنطقة، مثل الريحان الذي يسميه البعض بـالمخملية أو الحبق أو المطابق.

وحول أوقات الزراعة تقول هند إن فصل الصيف مناسب جدا لزراعة المشاقر بمجهود أقل بسبب توفر مياه الأمطار ، وبالتالي يكون الإنتاج أكبر ، أما في الشتاء فتختفي بعض الأنواع إما لأنها موسمية أو بسبب شح المياه. عدد محدود جداً من الرجال والنساء من يعملون في بيعها وغالباً ما نجدهم في الأسواق الشعبية، حيث يتفاوت سعرها بحسب توفرها، فيتفاوت ثمن حزمة المشاقر  من 300 إلى 500 ريا يمني (1.2 إلى دولارين).
تدخل المشاقر في كثير من الوصفات الشعبية المتوارثة للتعطر والتداوي، تقول هند: "تصنع العطور من أغصان المشاقر، التي يتم قطفها بعناية من نباتات عِطرية متنوعة ومتفاوتة الشّكل والرائحة، أبرزها الريحان، والشذاب، والأُزّاب، والخَوعة، والنّرجس، والحمحم، والكَاذِي، والورود بألوانها الوردي والأحمر القاتم والأصفر، فضلاً عن البيَاض، والفيجل، والتور، والرند،  والعطرية، والداجية، وطبعاً الفل والياسمين".

 

في كتب التاريخ

ذُكر أول تعريف للمشاقر في كتاب المعجم اليمني لمطهر الإرياني، قال فيه: "إن المشاقر هي النباتات التي يتخذها الناس لتزيين رؤوسهم، وهي أضاميم الورد والريحان وغيره مما يتشقرون به طلباً للزينة والرائحة الطيبة، ويقوم الرجال المتشقرون بغرز تلك الأغصان في طيات ما يتعممون به من شالات وسمايط ودساميل وحتى يغرزون الزهور والنباتات في فتحات كوافي الخيزران، وقوافع سعف النخل، وقد تجد شاباً تهامياً غرز المشقر في شعره وثبته بذلك الطوق الفضي المسمى عكاوة، وقد يتشقر البعض بطوق يظهره من أغصان بعض النباتات الطيبة ويتوج بذلك الطوق رأسه مثل إكليل الغار، ولشدة ميل الناس إلى هذا التزين فقد تجد البائس حاسر الرأس الذي لا عمامة له ولا عكاوة! فيغرز المشقر في شعره ويثبته بخيط، ويسير متخايلاً به".

أما النسوة فكن يتشقرن بوضع تلك الأضاميم من الزهر والأغصان من الريحان بجانب خدودهن، بحيث تبدو ظاهرة من خلال ما يضعنه على رؤوسهن من خمُر. ذكرت المشاقر في النقوش اليمنية الأثرية القديمة، وتغنى بها الشعراء والفنانون، حتى قيل أن المشاقر كانت سببا في اختيار الملكة أروى بن احمد الصليحي، عاصمة دولتها (الدولة الصليحية).

والرواية المتداولة عند اليمنيين تقول أن الملكة أروى التي حكمت اليمن أكثر من 50 عاماً خلال الفترة (1085-1138) ميلادي عندما أرادت اختيار عاصمة لدولتها قارنت بين صنعاء وذي جبلة والتي تتبع إدارياً اليوم لمحافظة إب، وطلبت من زوجها الملك المكرم أن يذهب إلى صنعاء، ويطلب سكانها، فطلبهم فجاؤوا بعصيِّهم، وتأخّر عليهم الملك بطلب من الملكة، فانتظر السكان، وتزاحموا، لكن الملك لم يخرج إليهم، فقاموا بالصراخ، ورمي الحجارة، فقالت الملكة للملك إحفظ هذا المنظر.

بعدها، ذهبت الملكة أروى إلى جبلة، وطلبت من الملك أن يستدعي سكانها، فجاؤوا وعليهم المشاقر، والملابس الجميلة، واصطحبوا معهم الهدايا، ولم يخرج الملك إليهم سريعاً بطلبٍ من الملكة، التي طلبت منه أن يتأخر عن مقابلتهم، ثم خرج عليهم وقالت له أُنظر... في إشارة الى أن المشاقر تعبر عن روح المحبة والسلام وترتبط بالناس الوديعين، واللّطفاء، والمسالمين.

في يوم التاسع من أيلول/ سبتمبر من كل عام تحتفل نعز بعيد المشاقر، إذ تصدح الأغنيات وتوزع المشاقر على الحاضرين ويتذكر الناس ولو لدقائق أن اليمن إسمه "اليمن السعيد".


التعليقات