جنيف: من هو سفير إيران الذي عشق الأضواء ومات بعيداً عنها في سويسرا؟
يمن فيوتشر - سويس انفو- اولفييه غريفا: الثلاثاء, 21 ديسمبر, 2021 - 03:06 مساءً
جنيف: من هو سفير إيران الذي عشق الأضواء ومات بعيداً عنها في سويسرا؟

[ إليزابيث تايلور مع أردشير زاهدي. ]

لقد مات في المنفى مثل والد زوجته، الشاه الإيراني الذي لجأ إلى القاهرة هرباً من غضب الملالي. وكان مصير أردشير زاهدي مشابهاً لمصير الرجل الذي كان مُقرَّباً منه. حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في 18 نوفمبر في منزله «فيلا الورود»، الواقع على مشارف مونترو، بعد إقامته في المشفى للعلاج نتيجة سقوطه وإصابته بالتهاب رئوي حاد. وكان صهر شاه إيران قد لجأ إلى ضفاف بحيرة جنيف في عام 1979 بعد انتهاء النظام الإمبريالي. وكان يسكن في بيت والده، الجنرال زاهدي، الذي شغل منصب رئيس وزراء إيران من 1953 إلى 1955، ثم سفير لدى الأمم المتحدة في جنيف قبل وفاته عام 1963. في فيتو (كانتون فو)، كان يعيش محاطاً بصور عظماء هذا العالم الذين اجتمع بهم: العديد من الباباوات والملوك والملكات والعديد من رؤساء الدول. بعد وجبة الطعام، كان يفتح متحفه للزيارة حيث كانت اللعبة تقتضي التعرف على الشخصيات التي صنعت التاريخ.

 

•العناوين الرئيسية في الولايات المتحدة
بينما مرَّ خبر وفاة أردشير زاهدي دون أن يعلم به أحد تقريباً في سويسرا، فإنه تصدَّرَ العناوين الرئيسية في الصحافة الأمريكية، فتحدثت عن «سفير لامع» وذكّرت بالحفلات الضخمة التي كان يقيمها في واشنطن حيث كانت الشمبانيا تتدفق بكثرة وكان كافيار "بيلوجا" يُقدَّم بكميات كبيرة.
ووصفته الصحف اليومية الشهيرة بالرجل «شديد الجاذبية» الذي نجح بدخول قلب ليز تايلور بعد انفصالها عن ريتشارد بورتون.
وكان قد تمَّ الحديث عن زواج بينهما لكن الشاه لم يكن راضياً عن زواج صهره السابق بممثلة اعتنقت الديانة اليهودية. وكان مَن يوصف بـ «العازب الأكثر طلباً في واشنطن» يُنظم حفلات تستطيع فيها رؤية صديقاته الأخريات مثل جاكي كينيدي وليزا مينيلي وباربارا ستريزاند وبالتأكيد إليزابيت تايلور، حسبما ذكرت الصحافة الأمريكية. وبصفته رجل محترم، يتحدث في سيرته الذاتية عن «علاقة صداقة» كانت تربطه بليز تايلور حتى وفاتها في عام 2011. مع أنَّ الصور تُظهر أنَّ العلاقة التي كانت تربطهما كانت بوضوح أكثر رومانسية.
وكان من بين أصدقائه الرجال، غاري كوبر ودافيد نيفن وروجيه مور وجون واين وفرانك سيناترا وهمفري بوغارت وآندي وارهول وروستروبوفيتش وكاراجان وكان بعضهم ضيوفاً عنده في إيران. وأشارت صحيفة الواشنطن بوست إلى أنه كان آخر من أقام في السفارة الإيرانية في واشنطن التي ظلت فارغة لمدة 40 عاماً. ولم ينج قبو السفارة من الثورة: حيث أراق ممثلو الجمهورية الإسلامية، الذين شغلوا السفارة لمدة قصيرة، على مدى ساعات 4 آلاف زجاجة سكوتش وشمبانيا ومشروبات روحية أخرى في المجاري.
خلف صورته كـ "زير نساء"، لعب السفير زاهدي دوراً مركزياً في السبعينيات في تعزيز سلطة الشاه.
وبحكم ارتباطه ارتباطاً وثيقاً برجال أعمال وسياسيين من ذوي النفوذ، فقد ساهم خلال فترات ولاياته المختلفة كسفير في توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية. وبذلك، باعت إيران كميات كبيرة من النفط بمليارات الدولارات مقابل شراء أسلحة وتقنيات أمريكية، ما سمح للولايات المتحدة ببسط نفوذها في كافة أرجاء الشرق الأوسط. لدرجة أنَّ هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، قال في وصف الشاه أنه «قطعة نادرة جداً في العلاقات الدولية، حليف دون شروط».
كان أردشير زاهدي، صهر الشاه السابق والشخص المقرب منه، موجوداً إلى جانبه عندما لفظ هذا الأخير أنفاسه الأخيرة في 27 يوليو 1980، بعد معاناته من مرض السرطان. وقد كتب عنه أنه «درس في سويسرا دراسة غنية بمبادئ الديمقراطية، وكان يتمتع بعقلية الناطق باللغة الفرنسية المُحب للثقافة الفرنسية. كان يحب سويسرا، البلد الذي ترعرع به. كان صديقي وملكي ورئيسي في العمل». وأدى مع الرئيس السادات مراسم الجنازة قبل دفنه مباشرة.
ارتبط مصير أردشير زاهدي ارتباطاً وثيقاً بكل من سويسرا وإيران ومصر. ففي عام 1957، تزوج ابنة الشاه البكر، الأميرة شهيناز، المولودة من زواجه الأول مع الأميرة فوزية، وهي إحدى أخوات ملك مصر فاروق الأربعة. وقد أنجب الزوجان ابنة وحيدة هي الأميرة مهناز، التي تعيش في نيويورك. وانفصلا بعد سبع سنوات زواج، بسبب الاختلاف الكبير بين الثقافتين المصرية والإيرانية.
عاصر سفير إيران الذي عُيَّنَ مرتين في واشنطن ثمانية رؤساء، من ترومان إلى بوش، مروراً بجيمي كارتر الذي تخلت إدارته عن الشاه، بل وفكرت في تسليمه للخميني مقابل الرهائن الأمريكيين. وهو لا يُحب الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان ولا محطة بي بي سي، اللذين كانا «أكثر حليفين داعمين لآية الله خميني». ولقد تعرَّضَ أردشير زاهدي للتعذيب في ظل نظام محمد مصدق، الذي نال الدكتوراه في القانون من جامعة نوشاتيل، وكان والد أردشير نفسه هو من أطاح به في عام 1953، وحُكِمَ على أردشير بالإعدام غيابياً بعد الثورة الإيرانية. ولم يتمكن من رؤية وطنه منذ مغادرته له.

 

•الأمل بثورة مضادة 
وعلى الرغم من وصول الملالي إلى الحكم، فقد استمر المقيم في الريفييرا (كانتون فو) بدعم الشعب الإيراني في مواجهة أخطاء السياسة الأمريكية. كما أنه انتقد تغيير توجهات دونالد ترامب الذي اتبع نهجاً معاكساً لأوباما فيما يخص السعودية، قبل أن يغير موقفه مقابل صفقات أسلحة مربحة. وانتقد إقصاء النظام في طهران، الذي اتسم حينها بفساد الرئيس الراحل رفسنجاني: «إدراك الفساد شيء، ومعاقبته شيء آخر: يجب أن تكون هناك وثائق».
ومن مقر مرصده على شواطئ بحيرة جنيف، دعم أردشير زاهدي الآمال بثورة مضادة في طهران: «الشعب الإيراني فخور بتقاليده التي تعود إلى آلاف السنين وبشبابه المتعلمين. يبلغ عدد السكان حوالي 84 مليون نسمة مقابل 20 مليون في الستينيات. وتتسم إيران بصغر سن سكانها: حيث تقل أعمار 28% منهم عن 15 سنة. ويحلم رجال إيران ونسائها بالغرب والحرية والانفتاح على العالم. ويوجد في إيران نحو 50 جامعة تستقبل حوالي 4,5 مليون طالب. ومن بين أهم اختصاصاتها، التقنيات العالية».
كان فخوراً بإطلاق قمر صناعي إيراني إلى الفضاء. هل كانت سويسرا ناكرة للجميل بعدم سماحها للشاه بالمجيئ إلى منزله في سان موريتز بعد سقوطه؟ أكَّد الدبلوماسي السابق، الذي كانت بحوزته ثلاث جوازات سفر دبلوماسية عربية (أردني ومغربي ومصري)، قائلاً: «الشاه لم يطلب قط اللجوء إليها بشكل رسمي».

 

•كرم أسطوري
تروي سيرته الذاتية أيضاً كيف توسَّطَ من أجل إيجاد زوجة جديدة للشاه ـ بعد انفصاله عن ثريا ـ من خلال جمعه بفرح ديبا، بعد فشل زواجه المُدبَّر من الأميرة ماري غابريال دي سافوا، ابنة آخر ملك لإيطاليا، وهي كاثوليكية مقيمة في جنيف.
كما يروي كيف نجا من عملية اغتيال بقنبلة موقوتة (لم تنفجر) على متن طائرة بانام في طريق عودته إلى طهران. ونجاته من قنابل أخرى تمَّ اكتشافها في الوقت المناسب خلال احتفالات برسبوليس، حيث اعترف بالترف الذي تجاوز الحدود.
في عام 2010، قام رئيس بلدية مونترو، بيار سالفي، بمنحه ميدالية لمساهمته في تلميع صورة الريفييرا. وفي عام 2019، منحه خليفته لوران ويرلي لقب سفير مونترو الفخري. كان يحضر دون تردد الاحتفالات الخيرية، وهناك كان كرمه أسطورياً. وفي المطاعم التي كان يتردد إليها، بسيارته الرولز رويس الزرقاء التي كان يقودها بنفسه، كان من عادته أن يصرف 200 فرنك ويعطي لدى خروجه قطعة نقدية لجميع الندل، حتى أولئك الذين لم يكن رآهم طوال السهرة، وتعليقاً على ذلك كان يقول: «يجب إعطاء القليل مما حصلنا عليه».


التعليقات