تتزايد الشكوك على ما يبدو بشأن مصير التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بعد خلاف سياسي مرير حول قرارات قاضي التحقيقات أفضى إلى إطلاق شرارة أدمى أحداث عنف في شوارع لبنان منذ أكثر من عشرة أعوام.
قتلت الأعيرة النارية سبعة من الشيعة بعدما بدأ محتجون في التجمع بدعوة من جماعة حزب الله للمطالبة بعزل القاضي طارق بيطار، وأعادت الاشتباكات التي استمرت لساعات للأذهان ذكريات الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها البلاد من عام 1975 حتى عام 1990.
وعزز العنف، الذي اندلع عند خط التماس بين حدود الأحياء المسيحية والشيعية في بيروت، مخاوف من انعدام الاستقرار في بلد تكثر فيه الأسلحة ويعاني من أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم.
واتهمت جماعة حزب الله المسلحة حزب القوات اللبنانية المسيحي بإطلاق النار، ونفى حزب القوات اللبنانية ذلك وندد بالعنف الذي ألقى بمسؤوليته على حزب الله "للتحريض" ضد بيطار.
وقال الجيش اللبناني في البداية إن إطلاق النار استهدف محتجين أثناء مرورهم عبر ساحة الطيونة الواقعة في منطقة فاصلة بين الأحياء المسيحية والشيعية. وقال لاحقا إنه وقعت "مشاجرة وتبادل لإطلاق النار" بينما كان المحتجون في طريقهم إلى المظاهرة.
وأُطلقت أعيرة نارية في الهواء خلال جنازتين منفصلتين لاثنين من القتلى، إحداهما في بيروت والأخرى في قرية وادي البقاع الشيعية. وحمل المشيعون النعشين الملفوفين براية حركة أمل الشيعية الخضراء عبر الشوارع.
وقادت جماعة حزب الله، أقوى الجماعات في لبنان، دعوات تنادي بعزل بيطار من التحقيق في انفجار المرفأ والذي نتج عن كمية ضخمة من نترات الأمونيوم كانت مخزنة دون مراعاة إجراءات السلامة وشعر به سكان قبرص على مبعدة نحو 260 كيلومترا.
وتتهم الجماعة المدعومة من إيران بيطار بقيادة تحقيق مُسيّس ينتقي شخصيات بعينها، في إشارة إلى حلفاء حزب الله الذين سعى بيطار لاستجوابهم للاشتباه في إهمال أودى بحياة أكثر من 200 شخص.
وفي مقابلة مع رويترز ألمح رئيس الوزراء السني نجيب ميقاتي إلى قلق بشأن بيطار قائلا إن "خللا دستوريا" ربما وقع، في رأي يتفق مع وجهة نظر ترى أنه تجاوز صلاحياته بملاحقة مسؤولين كبار.
ويشعر أقارب الضحايا وكثير من اللبنانيين بالغضب، ويخشون أن يوثر سياسيون في الحكم على سير التحقيق في واحد من أقوى التفجيرات غير النووية على الإطلاق.
وقالت لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شاتام هاوس، إن "المؤسسة الحاكمة في لبنان ستستغل عدم الاستقرار الذي حدث أمس لتُصور أن ضرر التحقيق أكبر من نفعه".
وتابعت "الإفلات من العقاب الذي تتمتع به الطبقة الحاكمة سيدفع تحقيق المرفأ لمواجهة نفس المصير الذي واجهته المحاولات السابقة لمحاسبة من هم في السلطة عن تجاوزات جسيمة.. تأخير إلى أجل غير مسمى وأمل ضعيف في الخروج بنتائج ملموسة".
ورفض نادي قضاة لبنان الدعوات لرد بيطار ودافع عن القضاء ودعا إلى الكف عن العبث "في آخر حصن في فكرة الدولة".
وأصابت أزمة التحقيق الحكومة بالشلل في وقت تسعى فيه لانتشال البلاد من الانهيار المالي، كما تجازف بتعقيد العلاقات مع الحكومات الغربية التي تأمل بيروت في الحصول على مساعدات منها.
وتريد الولايات المتحدة وفرنسا تحقيقا يتسم بالشفافية.
* تراكم الضغوط
كان تحقيق بيطار يواجه صعوبات بالفعل، حيث رفض سياسيون كبار الحضور للاستجواب، مما دفعه لإصدار مذكرات اعتقال تم تجاهلها. وقال مصدر قضائي لرويترز إن بيطار ليست لديه أي نية للاستقالة حتى مع إلقاء خصومه مسؤولية إراقة الدماء على عاتقه.
وقال المحامي نزار صاغية المدير التنفيذي لمجموعة (المفكرة القانونية) للأبحاث والمناصرة غير الهادفة للربح "الطريقة الوحيدة لإيقاف (بيطار) هي أنه يستقيل...إذا مارسوا عليه ضغوطا شخصية أكبر مثلما حدث بالأمس".
ونفى جميع من سعى بيطار لاستجوابهم ارتكاب أي مخالفات.
وتعرض التحقيق لانتقادات من جانب شخصيات سنية بارزة منها رؤساء وزراء سابقون اعترضوا على تحركات لاستجواب حسان دياب الذي كان يتولى رئاسة الوزراء وقت الانفجار، باعتباره مشتبها به.
ووصفوا ذلك بأنه تعد على منصب رئيس الوزراء الذي يشغله حصرا الساسة السنة.
وقال ميقاتي في مقابلة يوم الخميس إن تصحيح الخطأ الدستوري الذي قال إنه ربما يكون قد حدث أمر يقع على عاتق القضاء وليس السياسيين. وتعكس هذه التصريحات وجهة نظر منتقدي بيطار الذين يقولون إنه تجاوز سلطته بملاحقة شخصيات سياسية بارزة وإن أي قضية ضد هؤلاء يجب أن تمر عبر عملية برلمانية خاصة ومن خلال المحكمة.
وأيدت الأحزاب المسيحية الرئيسية في لبنان التحقيق. والقضية لها حساسيتها الخاصة بالنسبة للأحزاب المسيحية لأسباب ترجع في جانب منها أن الجزء الأكبر من الضرر المادي الناجم عن الانفجار وقع في مناطق ذات أغلبية مسيحية.