أثار الظهور الإعلاميّ الأخير لسيف الإسلام القذافي ومن ثَمّ الإعلان عن إطلاق سراح شقيقه الساعدي في الأسابيع الماضية والحديث عن انتقاله إلى تركيا، شائعات وتكهّنات على مواقع التواصل عن دور سياسي مُقبل لأبناء العقيد معمّر القذافي، ولا سيّما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرّرة في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
بعد عشر سنوات على الإطاحة بالعقيد القذافي وغياب عائلته عن المشهد السياسيّ، من بقي من أبنائه وما هي الشائعات التي تحوم حولهم على مواقع التواصل؟
•من القصر إلى السجن والمنفى
بعد 42 عاماً من الإمساك بمقاليد ليبيا بيد من حديد، أدى سقوط نظام معمّر القذافي في العام 2011 إلى استهداف أقاربه الذين كانوا من أركان حكمه، وقُتل في هذا السياق ثلاثة من أبنائه، المعتصم بالله وسيف العرب وخميس، خلال الانتفاضة. وقد أدى خميس دوراً كبيراً في قمع الاحتجاجات في بنغازي، مهد الثورة في الشرق الليبيّ.
أما أبناؤه الباقون فقد توزّعوا بين السجن والمنفى، إذ سُجن في ليبيا كلّ من سيف الإسلام والساعدي، وفي لبنان ما زال هنيبعل موقوفاً لدى السلطات منذ العام 2015، فيما تُقيم عائشة في عُمان، وكذلك أخوها محمّد الذي لطالما كان الأبعد عن الظهور الإعلاميّ والدور السياسيّ.
•مقابلة سيف الإسلام
في مطلع آب/أغسطس الماضي أثار الظهور الإعلامي لسيف الإسلام القذافي لأوّل مرّة منذ أربع سنوات عاصفة من التكهّنات حول إمكانية ترشّحه للانتخابات الرئاسيّة، ولا سيّما بعد حديثه عن إمكان عودته للمشهد السياسيّ الذي أُخرج منه قبل عشر سنوات.
وبعد أيام على هذه المقابلة التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، تداولت صفحات ليبيّة على موقع فيسبوك تسجيلاً صوتياً يُسمع فيه صوت سيف الإسلام يقول بنبرة متأهّبة "نحن اليوم أمام اختبار تاريخيّ.. نحن اليوم كلّنا مسلّحون"، بما يوحي بأنّه يستعدّ لتحرّك سياسيّ أو ميدانيّ واسع النطاق.
وأرفق التسجيل الصوتي بواحدة من الصور التي نشرتها الصحيفة والتي شكّكت بعض المصادر في أن تكون عائدة بالفعل لسيف الإسلام.
يأتي ذلك في ظلّ غموض يلفّ سيف الإسلام الذي اعتقل عام 2011 وحُكم عليه بالإعدام عام 2015، ثمّ قالت المجموعة المسلّحة التي كانت تعتقله إنها أطلقت سراحه عام 2017 من دون وجود معلومات مؤكّدة في هذا الشأن سوى ما أعلنته المحكمة الجنائيّة الدولية، التي تلاحقه بتهم ارتكاب جرائم حرب، بأنها حدّدت مكانه في مدينة الزنتان نهاية العام 2019.
لكن صحافيي خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس سرعان ما تعرّفوا على مصدر التسجيل الصوتي، فهو مجتزأ من كلمة متلفزة توجّه بها سيف الإسلام إلى الليبيين في العام 2011 على إثر اندلاع الانتفاضة التي أسقطت نظام والده، ولا علاقة لها بالتالي بالسياق الحاليّ في ليبيا.
•ترشح للانتخابات
وسبق نشر مقابلة "نيويورك تايمز"، التي ألمح فيها سيف الإسلام إلى إمكان ترشّحه للرئاسة، ظهور منشورات على صفحات ليبيّة ادّعت الإعلان رسمياً عن ترشيحه على لسان محاميه.
لكن المحامي خالد الزايدي، وفي كلمته التي بثّتها "قناة الجماهيريّة العظمى" المؤيّدة للقذافي في العشرين من تموز/يوليو، لم يأت على ذكر ترشّح سيف الإسلام، بل دعا الليبيين إلى تسجيل أسمائهم للمشاركة في الانتخابات من أجل "إنقاذ البلاد من التدمير والتقسيم".
وسيكون أمام ترشّح سيف الإسلام إلى الانتخابات عوائق كثيرة، فهو مدان في محكمة ليبيّة ومطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. لكنّه قال في المقابلة مع "نيويورك تايمز" إن هذه العوائق القانونية "يُمكن التفاوض بشأنها" في حال اختاره الليبيون زعيماً، من دون أن يعلن ترشّحه صراحة.
•إطلاق سراح الساعدي القذافي
في السادس من أيلول/ٍسبتمبر، وفي إجراء يندرج على ما يبدو في مساعي المصالحة، أعلنت السلطات الليبية الإفراج عن الساعدي القذافي بعد سجن استمرّ سبع سنوات، إلى جانب مسؤولين آخرين في نظام والده.
وقالت السلطات إن إطلاق سراحه جاء "تنفيذاً لأحكام القضاء النافذة"، من دون تقديم معلومات عن وجهته.
بعد أربعة أيام، أعلن وزير الإعلام في نظام القذافي موسى إبراهيم أن الساعدي موجود مع عائلته في تركيا.
لكن وزارة الخارجية التركيّة قالت لوكالة فرانس برس يومها أن لا علم لها بهذا الأمر.
في هذا السياق، ظهرت على مواقع التواصل في ليبيا صورة قيل إنها تُظهر الساعدي في تركيا مع صديق له. ومع أن هذه الصورة مركّبة تركيباً واضحاً، إلا أن ذلك لم يمنع من انتشارها على نطاق واسع، ومن تعامل كثيرين معها على محمل الجدّ.
وبعد إعلان السلطات الليبية الإفراج عن الساعدي، تداولت صفحات وحسابات ليبيّة خبراً عن طلبه تعويضات بقيمة مئة مليون دولار "لتقييد حريّته من دون وجه حقّ".
لكن هذا المنشور، الذي لا يُعرف ما إن كان ظهر أول الأمر على سبيل السخرية أم على محمل الجدّ، ليس صحيحاً، إذ أكّد مصدر في النيابة العامّة الليبية لوكالة فرانس برس عدم تلقّي أي طلب بهذا الخصوص.
•ترشّح عائشة القذافي للانتخابات؟
وفي هذا السياق، وقبل ثلاثة أشهر على الموعد المقرر للانتخابات، ظهرت في أيلول/ سبتمبر منشورات على صفحات ليبيّة تدّعي أن عائشة القذافي، وهي محامية في الخامسة والأربعين من العمر، أعلنت ترشّحها للانتخابات.
ويأتي ظهور هذه الشائعة بعد بضعة أشهر على رفع اسم عائشة القذافي في أيار/مايو عن قائمة سوداء للاتحاد الأوروبي وضعت عليها عام 2011.
وكانت عائشة من الوجوه البارزة إعلامياً بين أبناء القذافي، وهي عرفت أيضاً باشتراكها في الدفاع عن الرئيس العراقي السابق صدّام حسين أثناء محاكمته.
لكن المنشور المتداول عن إعلان ترشّحها للانتخابات لا أصل له من الصحّة حتى تاريخ صدور هذا التقرير.