قرّرت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب "الأعمال العدائية" للمملكة، في خطوة أسفت لها الرباط، معتبرة إياها "غير مبرّرة" بتاتاً وتستند إلى "مبرّرات زائفة".
وجاءت الخطوة الجزائرية بعد أقلّ من أسبوع من إعلان الجزائر إعادة النظر في صلاتها المتوترة منذ عقود مع جارتها الغربية.
وخلال مؤتمر صحافي تلا وزير الخارجية رمطان لعمامرة بياناً رسمياً "باسم السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، وباسم الحكومة الجزائرية"، أعلن فيه قرار قطع العلاقات.
وقال لعمامرة "قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية ابتداء من اليوم (الثلاثاء)" لكنّ "قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني ان يتضرّر المواطنون الجزائريون والمغاربة. القنصليات تباشر عملها بصفة طبيعية".
وأضاف "نطمئن المواطنين الجزائريين في المغرب والمغاربة في الجزائر أنّ الوضع لن يؤثّر عليهم. قطع العلاقات يعني أنّ هناك خلافات عميقة بين البلدين لكنّها لا تمسّ الشعوب".
وما هي إلا ساعات حتى أعرب المغرب عن "أسفه لهذا القرار غير المبرّر تماماً".
وقالت الخارجية المغربية في بيان إنّ هذا القرار كان "متوقّعاً بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة، وكذا تأثيره على الشعب الجزائري، فإنه يرفض بشكل قاطع المبررات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها".
وأضاف البيان المقتضب "ستظلّ المملكة المغربية شريكاً موثوقاً ومخلصاً للشعب الجزائري وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبنّاءة".
وكان العاهعل المغربي الملك محمد السادس دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطاب نهاية تموز/يوليو إلى "تغليب منطق الحكمة" و"العمل سوياً، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك"، مجددا أيضا الدعوة إلى فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994.
وبعد ذلك بأيام عرض المغرب مساعدة الجزائر لإطفاء الحرائق التي أتت على عدة غابات في البلد مخلّفة عشرات القتلى"، لكنّ العرض المغربي ظلّ دون أي ردّ من الجانب الجزائري.
وفي معرض تقديمه الأسباب التي أدّت الى هذا قرار قطع العلاقات قال وزير الخارجية الجزائري "لقد ثبت تاريخياً، وبكل موضوعية، أنّ المملكة المغربية لم تتوقف يوماً عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر" في 1962، سارداً الأحداث منذ حرب 1963 إلى عملية التجسّس الأخيرة باستخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي.
وذكر أنّ هذا "العداء الموثّق بطبيعته الممنهجة والمبيتة، تعود بداياته إلى الحرب العدوانية المفتوحة عام 1963 التي شنّتها القوات المسلحة الملكية المغربية ضد الجزائر الحديثة الاستقلال. هذه الحرب التي عرفت استعمال المغرب لأسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة وفتّاكة خلّفت ما لا يقل عن 850 شهيداً جزائريا".
الصحراء الغربية
وسبق للمغرب أن قطع علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية. ولم تُستأنف العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية.
وكان من بين التزامات المغرب في هذا الصدد إيجاد "حلّ عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية عبر تنظيم استفتاء حرّ ونزيه يسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره"، كما ذكر لعمامرة.
والنزاع في الصحراء الغربية سبب رئيسي في توتر علاقات الجارين منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الاقليم الذي يعتبره المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه ويعرض منحه حكماً ذاتياً تحت سيادته.
كما حمّل لعمامرة "قادة المملكة مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها (...)"، معتبراً أنّ "هذا التصرّف المغربي يجرّ إلى الخلاف والمواجهة بدل التكامل في المنطقة" المغاربية.
واتّهم لعمامرة "أجهزة الأمن والدعاية المغربية" بشنّ "حرب إعلامية دنيئة وواسعة النطاق ضد الجزائر وشعبها وقادتها، دون تردّد في نسج سيناريوهات خيالية وخلق إشاعات ونشر معلومات مغرضة".
وأشار خصوصا إلى "قيام أحد المفوضين للمملكة بانحراف خطير جدا وغير مسؤول من خلال التطرق إلى ما سماه +حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع+" في دعم لحركة استقلال منطقة القبائل التي صنفتها الجزائر كمنظمة إرهابية.
وتبعاً لذلك استدعت الجزائر في 16 تموز/يوليو سفيرها في الرباط للتشاور. وجاء التصريح المغربي ردّاً على إثارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قضية الصحراء الغربية في اجتماع لحركة عدم الانحياز.
إسرائيل
ورغم ذلك "أبانت الجزائر عن ضبط النفس من خلال المطالبة علناً بتوضيح من سلطة مغربية مختصة ومؤهلة. إلا أنّ صمت الجانب المغربي (...) يعكس بوضوح الدعم السياسي من أعلى سلطة مغربية لهذا الفعل"، وفق الوزير.
واذ اشار لعمامرة إلى أنّ المغرب تخلّى عن قواعد ومبادئ "تطبيع العلاقات بين البلدين "، اعتبر أنّ "المملكة المغربية جعلت من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر".
وأوضح أنّ "آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب، بحضور نظيره المغربي، الذي من الواضح أنّه كان المحرّض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبرّرة".
بيد أن وزير الخارجية المغربي لم يكن حاضراً خلال الندوة الصحافية التي تحدث فيها نظيره الإسرائيلي بالدار البيضاء في 12 آب/أغسطس.
وكان لعمامرة يشير إلى تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، حول قلق بلاده من التقارب بين إيران والجزائر، ورفضها قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.
وكانت الجزائر قرّرت الأربعاء "إعادة النظر" في علاقاتها مع المغرب الذي اتّهمته بالتورّط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت شمال البلاد، وهو ما أعاد لعمامرة التذكير به.
كما قرّر مجلس الأمن الجزائري الذي ترأّسه الرئيس عبد المجيد تبّون "تكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية".
وترك لعمامرة الباب مفتوحاً لإعادة العلاقات مجدّداً، بقوله "نأمل أن تستيقظ العقول والقلوب أيضاً وأن تعود الأمور إلى ما يجب أن تكون عليه بين دول شقيقة"