كشفت صحيفة إكسبريسن السويدية عن واحدة من أكبر قضايا الفساد التي ضربت قطاع التعليم خلال السنوات الأخيرة، بعد تتبُّع شبكة تعليمية معقدة يديرها أئمة وشخصيات محسوبة على تيارات إسلامية متشددة استغلت نظام المدارس المستقلة لامتصاص التمويل الحكومي وتحويله إلى مصالح خاصة وحسابات خارج البلاد.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التمويل الذي حصلت عليه هذه المؤسسات تجاوز مليار كرون سويدي، وهو مبلغ يتجاوز مئة مليون دولار.
ويظهر التحقيق أن المؤسسات التي أغلقتها السلطات في فترات متفرقة كانت في الواقع امتدادًا لبعضها، وأن الصورة التي ظهرت كحالات معزولة لم تكن إلا فصولًا ضمن شبكة واحدة تتحرك داخل النظام التعليمي بهياكل متداخلة.
ويتضح هذا التداخل عبر انتقال الأسماء والأموال والمحاسبين بين مدرسة وأخرى، وفي بقاء البنية الإدارية والمالية نفسها رغم تغيّر الواجهات القانونية.
وبحسب توصيف الصحيفة، فإن ما بدا مدارس دينية تعاني اختلالات كان في جوهره منظومة تعمل داخل بنية التعليم العام وتستغل قوانينه لنهب المال العام بصورة ممنهجة.
وتبرز مدينة يوتبوري، وهي ثاني أكبر مدن السويد وتقع جنوبي المملكة الإسكندنافية، باعتبارها مركز الفضيحة الأكبر، حيث تعمل "مدارس روموسه" (Römosseskolorna) التي حصلت وحدها أكثر من 462 مليون كرون، ما يعادل 49 مليون دولار تقريبًا.
وخلال مراجعة السجلات المحاسبية، تبيّن أن مديرها عبدالرزاق فابيري - وهو نائب سابق في البرلمان السويدي - أدرج فواتير لا علاقة لها بعمل المدارس، ما أتاح تحويل 12 مليون كرون (ما يزيد على مليون دولار) إلى حزب سياسي يديره في الصومال، إضافة إلى نفقات فاخرة على رحلات خاصة إلى تايلند وكينيا وجنوب شرق آسيا.
ويقضي فابيري اليوم حكمًا بالسجن، بينما لا تزال بعض الشركات المرتبطة به مدينة للدولة بمبالغ كبيرة.
وتتكرر البنية ذاتها في مؤسسات أُغلقت بتحذيرات من جهاز الأمن السويدي (سابو) أو بقرارات من مفتشية المدارس، خصوصًا في يافله الواقعة شمال العاصمة ستوكهولم، وفي مقاطعة أوميو، شمالي البلاد.
وفي الملفات ظهرت تعيينات أثارت جدلًا واسعًا، بينها أشخاص عادوا من القتال في صفوف تنظيم داعش، إلى جانب تحويلات مالية كبيرة إلى حسابات خاصة لمدير روضات أوميو الذي اعتبره الأمن السويدي تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.
وفي خلفية البناء الإداري والمالي يظهر اسم يتكرر باستمرار هو محمد القطراني، الذي صدر بحقه حكم يمنعه من مزاولة الأعمال التجارية، لكنه استمر في إدارة الحسابات المالية لعديد المدارس عبر شركات مسجلة بأسماء مختلفة، مستفيدًا من ثغرات قانونية مكنته من البقاء داخل المنظومة حتى بعد صدور الأحكام.
واختفى القطراني خلال الأسابيع الماضية بعد إغلاق مكتبه في يوتبوري، بينما تشير سجلات الضرائب إلى أنه غادر إلى تركيا، دون تأكيد رسمي على مكان وجوده.
وغادرت شخصيات رئيسية في الشبكة السويد قبل تنفيذ الأحكام، بينهم ربيع كرم الذي ذهب إلى مصر، وعبدالناصر النَّدي الذي حول ملايين الكرونات إلى حساب في مالطا قبل مغادرة البلاد، إضافة إلى الإمام أبو رعد الذي اعتبرته الحكومة تهديدًا للأمن القومي.
وتقدّر السلطات حجم الديون الضريبية غير المسددة بنحو 33 مليون كرون.
ويكشف التحقيق أيضًا أن نشاط الشبكة لم يقتصر على قطاع التعليم، إذ حاول بعض أفرادها التوسع نحو مجالات أخرى تمولها الدولة مثل خدمات المساعدات الشخصية ومساكن اللاجئين القاصرين، وهي مجالات شهدت خلال الأعوام الأخيرة محاولات اختراق مشابهة من شبكات الجريمة المنظمة.
ولم تسلم رياض الأطفال من هذا المسار؛ بعدما أظهرت التحقيقات تحويل مئات الآلاف من الكرونات من ميزانية روضة "تعلم والعب" (Lär och lek) في يوتبوري إلى منظمة مرتبطة بتيار سلفي متشدد، في امتداد واضح للنمط المالي الذي يجمع بين المؤسسات التابعة للشبكة.
ويختصر رئيس الادعاء في هيئة مكافحة الجرائم الاقتصادية في يوتبوري، هنريك فاغر، القضية بقوله إن الأموال التي خُصصت للأطفال والتعليم لم تصل إليهم، بل انتهت في جيوب أفراد فروا من البلاد بعد أن بنوا ثروات شخصية من أموال الرفاه السويدي.