شنت إسرائيل، يوم الثلاثاء، غارة جوية استهدفت عدداً من كبار قادة حركة حماس في قطر، في تصعيد حاد نقل الحرب في الشرق الأوسط إلى دولة تُعد حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة ووسيطاً رئيسياً في الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع في غزة.
وقالت حماس إن إسرائيل فشلت في اغتيال كبار مسؤوليها، من دون أن تحدد ما إذا كان بعضهم قد أصيب بجروح. وأكدت الحركة، في بيان، مقتل نجل (خليل الحية)، كبير مفاوضيها، إلى جانب مدير مكتبه وثلاثة من المنتسبين إليها في الهجوم.
كما أسفرت الضربة عن مقتل عنصر في قوات الأمن الداخلي القطرية وإصابة عدد من المدنيين، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية القطرية.
من جهته، قدّم البيت الأبيض روايات متناقضة بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي. فقد قالت (كارولين ليفيت)، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن الجيش الأميركي أبلغ إدارة الرئيس ترامب “أثناء تنفيذ إسرائيل هجومها على حماس”، لكنها أوحت في الوقت نفسه بوجود معرفة مسبقة، مشيرة إلى أن ترامب وجّه مبعوثه (ستيف ويتكوف) لإبلاغ القطريين بـ”الهجوم الوشيك”.
وفي وقت لاحق، وعندما طُلب منها توضيح تصريحاتها، قالت ليفيت إن إدارة ترامب أُبلغت من قبل الجيش الأميركي بأن إسرائيل كانت تشن هجوماً على حماس. وأضافت: “الرئيس وجّه المبعوث الخاص ويتكوف للاتصال الفوري بالقطريين”، مشيرة إلى أن ترامب أجرى بعد الهجوم اتصالاً برئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو).
وأوضحت أن الرئيس يعتبر قطر “حليفاً قوياً وصديقاً للولايات المتحدة”، وأعرب عن أسفه لوقوع الهجوم على أراضيها، مؤكداً في الوقت نفسه أن تدمير حركة حماس يمثل “هدفاً مشروعاً يستحق السعي لتحقيقه”.
من جانبه، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية (ماجد الأنصاري) بأن بلاده لم تتلقَّ أي تحذير أميركي مسبق بشأن الضربة. وقال: “التصريحات المتداولة حول إبلاغ قطر بالهجوم قبل وقوعه لا أساس لها من الصحة. الاتصال من المسؤول الأميركي جاء في وقت كانت فيه أصوات الانفجارات الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة تُسمع بوضوح”.
وأكدت قطر أن الأمير (تميم بن حمد) تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس ترامب، وخلال الاتصال شدّد الأمير على أن “قطر ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية أمنها وصون سيادتها، وستواصل نهجها البنّاء في الوقوف إلى جانب الأشقاء والأصدقاء ودعم القضايا الإنسانية العادلة، بما يعزز ركائز السلم والأمن الدوليين”.
الهجوم المباشر على أراضي قطر حمل مخاطر استفزاز حكومتها وتقويض جهودها الدبلوماسية الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، لاسيما وأن الاستقرار السياسي والاقتصادي للدوحة يرتكز على سمعتها كملاذ آمن للأعمال والسياحة في منطقة مضطربة. وقد استهدفت الضربة بعد ظهر أمس منطقة في العاصمة القطرية قرب مدارس وسفارات أجنبية، مما أدى إلى تصاعد أعمدة من الدخان الأسود في سماء المدينة.
وأدان الأنصاري، المتحدث باسم الخارجية القطرية، الهجوم الذي قال إنه استهدف مقراً سكنياً يقيم فيه عدد من القيادات السياسية البارزة في حماس. وقال:
“إن هذا الاعتداء الإجرامي يمثل انتهاكاً صارخاً لكافة القوانين والأعراف الدولية، ويشكل تهديداً خطيراً لأمن وسلامة المواطنين والمقيمين في قطر”.
من جانبها، تعهدت السلطات الإسرائيلية بقتل قادة حماس الذين شاركوا في التخطيط لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل. وكان رئيس الأركان (إيال زمير) قد ألمح قبل أسبوع إلى أن إسرائيل لن تكتفي باستهداف حماس في غزة، بل ستطارد مسؤوليها في كل أنحاء المنطقة.
وقال مسؤول قطري –طلب عدم الكشف عن اسمه– إن ممثلي حماس التقوا، يوم الاثنين، برئيس الوزراء القطري الشيخ (محمد بن عبد الرحمن آل ثاني)، لبحث مقترح الرئيس ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وكانوا يعتزمون الاجتماع مجدداً يوم الثلاثاء لاستكمال النقاش، قبل أن يتعرضوا للهجوم.
وأكدت حماس أن مسؤوليها كانوا بصدد مناقشة مقترح ترامب حين تعرضوا للغارة، مشددة على أن “محاولة الاغتيال الجبانة لن تغيّر من مواقفها أو مطالبها”، التي تشمل إنهاء الحرب في غزة، والانسحاب الإسرائيلي الكامل، والسماح غير المشروط بدخول المساعدات، وتبادل الأسرى مقابل الرهائن الإسرائيليين.
في المقابل، أعلن نتنياهو استعداد بلاده لإنهاء الحرب لكن بشرط أن تفرج حماس عن جميع الرهائن، وأن تُسلم سلاحها، وأن يُنفّذ نزع كامل للسلاح في غزة، وهي شروط ترفضها الحركة.
كما أكدت إسرائيل أن العملية “خاصة ومستقلة”، في محاولة لإبعاد واشنطن عن أي صلة بها. وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو: “إسرائيل هي من بادرت، وإسرائيل هي من نفذت، وإسرائيل تتحمل كامل المسؤولية”.
وأفاد جهاز “الشاباك” بأن نتنياهو ووزير الدفاع (إسرائيل كاتس) كانا حاضرين في مركز عمليات الجهاز أثناء تنفيذ الضربة في قطر.
ووفق مسؤولين إسرائيليين، فقد استُهدف مبنى تم تحديده كمقر تُعقد فيه اجتماعات دورية لقيادة حماس، وكان يحمل الاسم الرمزي “يوم القيامة”.
ويرى مراقبون أن الغارة أضعفت موقع قطر كوسيط محايد، خاصة وأنها كانت على تواصل مع إسرائيل في إطار جهود تبادل الرهائن. وقال الباحث (غيث العمري) من معهد واشنطن: “لا أستطيع أن أتصور كيف ستواصل قطر دورها كوسيط بعد هذا الحدث. كل الهيكل الدبلوماسي الذي بُني منذ هجمات السابع من أكتوبر قد انهار تماماً”.
وأضاف العمري أن استعداد إسرائيل لمهاجمة عاصمة خليجية قد يقوض أيضاً جهودها لبناء علاقات مع دول الخليج، معتبراً أن الضربة “تعزز الإحساس المتزايد في المنطقة بأن إسرائيل أصبحت فاعلاً يزعزع الاستقرار”.
كما رأى أكاديميون خليجيون أن الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة التي بدت عاجزة عن ضبط تصرفات إسرائيل، رغم وجود آلاف الجنود الأميركيين في قاعدة العديد.
وأصدرت السعودية والإمارات بيانات إدانة قوية للهجوم، ووصفتاه بأنه “تصعيد غير مسؤول يهدد الأمن الإقليمي والدولي”. فيما أدان الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) الضربة، واعتبرها “انتهاكاً فاضحاً لسيادة قطر”.