أفاد المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع "اتفقا على وقف إطلاق النار"، بعد يومين من شن طائرات إسرائيلية غارات استهدفت مقار رسمية والقوات الحكومية في دمشق.
"بناء هوية سورية جديدة"
وفي حسابه على منصة إكس، كتب براك "ندعو الدروز والبدو والسنة لإلقاء سلاحهم والعمل مع باقي الاقليات الأخرى على بناء هوية سورية جديدة وموحدة في إطار من السلام والازدهار مع جيرانها"
هذا، وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت في بيان الأحد أنها تعمل على إرسال "قوة متخصصة" لفض الاشتباكات المتواصلة في السويداء، داعية في الوقت نفسه إلى "ضبط النفس".
ومساء الجمعة، شاهد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية عند المدخل الغربي لمدينة السويداء نحو 200 مقاتل من العشائر يشتبكون بالرشاشات والقذائف مع المقاتلين الموجودين داخل المدينة.
ومن جانبه، أكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان تلك الاشتباكات بين المسلحين من العشائر والمقاتلين الدروز، مضيفا أن "هناك قصفا على أحياء مدينة السويداء".
"المستشفى تحوّل إلى مقبرة جماعية"
وكانت قد سحبت السلطات السورية قواتها من محافظة السويداء الخميس مع إعلان الشرع أنه يريد تجنّب "حرب واسعة" مع إسرائيل التي هدّدت بتصعيد غاراتها، بعدما أكدت أنها لن تسمح باستهداف الأقلية الدرزية أو بانتشار قوات عسكرية تابعة للسلطات في جنوب سوريا.
ويعاني في السويداء المستشفى الحكومي الوحيد في المدينة ظروفا بالغة الصعوبة. وتقول ربى العاملة في الفريق الطبي في المستشفى، مفضلة عدم الكشف عن اسمها كاملا "المستشفى تحوّل إلى مقبرة جماعية". وتضيف "الوضع سيء جدا (...) لا ماء ولا كهرباء... والأدوية بدأت تنقص كثيرا".
وتنبعث من أروقة المستشفى، رائحة كريهة من الجثث المكدّسة والمنتفخة والتي تبدّدت ملامح بعضها، وفق ما شاهد مراسل فرانس برس في عين المكان.
ومن جهته، يجهد الفريق الطبي من أطباء وممرضين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، لتقديم العلاج للجرحى الذين ما زالوا يتدفقون إليهم، منهم من تمدّد في الأروقة بانتظار دوره في تلقي العلاج.
وإلى ذلك، استقبل هذا المستشفى أكثر من 400 جثة منذ الإثنين، وفقا للطبيب العامل به ونقيب أطباء السويداء عمر عبيد، "ما بين نساء وأطفال ومسنين ومقاتلين".
"الوضع الإنساني كارثي"
وقد تجدّدت الاشتباكات الجمعة في محيط مدينة السويداء بين المقاتلين من العشائر والمقاتلين الدروز، كما أكد مقاتلون من الجانبين والمرصد السوري لحقوق الإنسان. وسمع دوي إطلاق النار بداخل مدينة السويداء وفي محيطها.
كما أن السويداء لا تزال محرومة من الكهرباء والماء، وسط ضعف في شبكة الاتصالات، وفق ما أفاد رئيس تحرير موقع السويداء 24 المحلي ريان معروف، قائلا إن "الوضع الإنساني كارثي، لا يوجد حتى حليب للأطفال".
ومن جهتها، أعلنت إسرائيل الجمعة أنها بصدد إرسال مساعدات إنسانية إلى السويداء تبلغ قيمتها نحو 600 ألف دولار وتشمل حصصا غذائية وإمدادات طبية، وفق بيان لوزارة الخارجية.
وعلى الصعيد الدولي وفي جنيف تحديدا، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك "يجب أن يتوقف سفك الدماء والعنف، وحماية كل الأشخاص يجب أن تكون الأولوية المطلقة".
وأضاف "يجب أن تُجرى تحقيقات مستقلة، سريعة وشفافة في كل أعمال العنف، وأن تتم محاسبة المسؤولين" عن الانتهاكات.
ويشار إلى أن أعمال العنف أجبرت نحو 80 ألف شخص على النزوح من منازلهم في السويداء، بحسب ما أعلنت الجمعة المنظمة الدولية للهجرة.
ونفت إسرائيل الجمعة أنباء نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن تنفيذها مزيدا من الضربات الجوية قرب السويداء ليل الخميس.
وقال متحدث عسكري "ليس لدى الجيش الإسرائيلي علم بضربات جوية خلال الليل في سوريا".
وكانت إسرائيل قد هدّدت الأربعاء بمزيد من التصعيد ضدّ القوات الحكومية ما لم تنسحب من محافظة السويداء بعدما قصفت مواقع عدة أبرزها مجمّع هيئة الأركان العامة ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.
وقد أعلنت الخميس الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل والداعمة للسلطات السورية الجديدة، أنها لم تساند الغارات الإسرائيلية على سوريا.
"استنجد بنا أبناء البدو وجئنا لدعمهم"
وأفاد ثلاثة مراسلين لفرانس برس في السويداء بأن مقاتلين من العشائر السنية توافدوا من مختلف المناطق السورية دعما للبدو وتجمّعوا صباح الجمعة في قرى محيطة بالمدينة.
وقال شيخ إحدى العشائر علي قرب قرية ولغا في ريف السويداء إن رجاله جاؤوا من منطقة حماة وسط سوريا بعدما "استنجد بنا أبناء البدو وجئنا لدعمهم".
وشاهد مراسل فرانس برس منازل ومتاجر وسيارات تحترق في قرية ولغا الدرزية التي باتت بيد العشائر.
ووفق المرصد السوري فإن "انتشار المسلحين من العشائر في محافظة السويداء جاء بتسهيل من القوات الحكومية غير القادرة على الانتشار هناك بسبب التهديدات الإسرائيلية".
ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد في محافظة السويداء خصوصا. ويتوزّعون أيضا بين لبنان وإسرائيل.
"إرساء الاستقرار"
ومن جهتها أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن "قلقها العميق إزاء التدهور السريع للوضع الإنساني" في السويداء.
كما أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عن "قلقه الكبير" حيال أعمال العنف في سوريا داعيا الى "إرساء الاستقرار".
ويذكر أن الاشتباكات اندلعت الأحد في محافظة السويداء بين مسلحين دروز وآخرين من البدو السنّة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، على خلفية عملية خطف طالت تاجر خضار درزيا وأعقبتها عمليات خطف متبادلة.
ومع احتدام المواجهات، أعلنت القوات الحكومية الإثنين تدخّلها في المحافظة لفضّ الاشتباكات، لكن وفق المرصد وشهود وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو.
واتهم المرصد السوري والفصائل الدرزية وشهود القوات الحكومية بارتكاب انتهاكات في مدينة السويداء بعيد انتشارها فيها.
ويشار إلى أنه منذ الأحد، أدت الاشتباكات بين العشائر ومقاتلين دروز إلى مقتل 638 شخصا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما تقوّض أعمال العنف هذه التي تدخلت فيها إسرائيل، جهود السلطات الانتقالية برئاسة الشرع في بسط سلطتها على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحتها الحكم السابق.
وتطرح مجددا تساؤلات حول قدرتها على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف في ظل طائفية طالت مكونات عدة في البلاد.