الفاتيكان: رحيل البابا الذي صلّى مع الجميع وبكى من أجل الجميع وكانت اليمن في صدارة آخر رسائله
يمن فيوتشر - نشوان العثماني الإثنين, 21 أبريل, 2025 - 02:33 مساءً
الفاتيكان: رحيل البابا الذي صلّى مع الجميع وبكى من أجل الجميع وكانت اليمن في صدارة آخر رسائله

برحيله عن هذا العالم، تُطوى صفحة غير تقليدية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. البابا فرنسيس، أول بابا من الأمريكتين، يغادر المشهد تاركًا إرثًا عميقًا حاول فيه أن يربط بين الإيمان والرحمة، وبين المؤسسة الكنسية والعالم المتغيّر.

توفي "خورخي ماريو بيرجوليو" عن عمر تجاوز الـ88 عامًا (17 ديسمبر/كانون الأول 1936)، بعد أكثر من عقد من القيادة الروحية في زمن مليء بالتحديات الأخلاقية والاجتماعية.

انتُخب في 13 مارس/آذار 2013، ليكون أول بابا يسوعي (من الرهبنة اليسوعية)، وأول من يحمل اسم فرنسيس تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، في إشارة رمزية إلى خياره الواضح: كنيسة للفقراء والضعفاء، لا للسلطة والمجد.

منذ بداية ولايته، تبنّى الحبر الأعظم نهجًا مغايرًا. رفض السكن في القصر البابوي، وتخلى عن الألقاب الفخمة، ليظهر كرجل إيمان بسيط يسعى للإصغاء لا الإملاء. رسائله البابوية لم تكن مقتصرة على التعليم العقائدي، بل كانت دعوة أخلاقية ضد العنف والفقر والاستغلال البيئي.

في رسالته "Laudato Si" (كن مسبحًا.. عن العناية ببيتنا المشترك)، دعا إلى حماية البيئة، وفتح أبواب الحوار مع مختلف المعتقدات والأيديولوجيات. 

من زياراته للاجئين في مراكزهم، إلى غسل قدمي السجناء، كان فرنسيس يرسل رسالة تضامن وإنسانية للعالم، كما انتقد النظام الرأسمالي الجشع، وسعى لتطبيق الشفافية في مواجهة الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة، رغم الانتقادات التي اتهمته بعدم الوصول إلى الإصلاح الكامل.

وعلى الرغم من تحدياته المستمرة، كان البابا الأرجنتيني محورًا للانقسام داخل الكنيسة: المحافظون اعتبروه تهديدًا للثوابت، بينما اعتبره التقدميون إصلاحيًا حذرًا. إلا أن الكثيرين ظلوا ينظرون إليه كصوت نادر للإنجيل في زمن يغيب فيه الصمت والتأمل.

كانت ردود الفعل على رحيله عالمية: حزن في الفاتيكان، كلمات تقدير من الزعماء السياسيين والدينيين، وامتنان واسع في الأوساط الإنسانية. البابا فرنسيس لم يكن مجرد حبر أعظم، بل كان يسعى لإعادة الكنيسة إلى حضورها الأخلاقي في عالم سريع التحول.

وفي آخر رسالة له بعيد القيامة، قبيل يوم واحد من رحيله، 20 أبريل/نيسان، وضع اليمن في صدارة اهتماماته، معربًا عن قلقه العميق إزاء استمرار الصراع الذي خلف واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ودعا جميع الأطراف إلى البحث عن حلول عبر الحوار، لإنهاء معاناة الملايين وإعادة الأمل في بلد يعاني من ويلات الحرب.

برحيل البابا فرنسيس، يخفت صوت ظل نادرًا في زمن الصخب، إذ سعى إلى أن ينطق الإيمان بلغة لا تشبه الخطاب الديني المألوف، بل تشبه القلب حين يُصغي. كان يحلم بعقيدة تُبنى على المحبة، وبسياسة لا تنكر الضمير، ومؤسسة دينية ضخمة تهجر العرش لتفتح ذراعيها للجميع. ومن أقوى إشاراته في هذا الاتجاه توقيعه على وثيقة "الأخوة الإنسانية" مع شيخ الأزهر في العاصمة الإماراتية أبوظبي (وكان أول حبر أعظم يزور شبه الجزيرة العربية)، فبراير/شباط 2019، في لحظة رمزية بدت كأنها امتداد لصوت الحكمة من قلب الخلاف.

في عالم تتنازع فيه الأديان على الحقيقة، جاء من جعل من "الحب دِينًا وإيمانًا"، كما يتجلّى في التراث الصوفي عند ابن عربي. وما يخلّفه ليس فراغًا، بل وعدًا مؤجلًا، ولغة لم تكتمل، وأفقًا روحيًا ما زال يتلمّس طريقه لأفضل.


التعليقات