تقرير: هل تصمد مصر والأردن أمام ضغوطات ترامب لتهجير فلسطينيي غزة؟
يمن فيوتشر - فرانس24: الثلاثاء, 11 فبراير, 2025 - 10:01 مساءً
تقرير: هل تصمد مصر والأردن أمام ضغوطات ترامب لتهجير فلسطينيي غزة؟

في الرابع من فبراير/شباط أثار دونالد ترامب خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في زيارة إلى واشنطن، موجة من السخط في العالم العربي والدهشة في العالم بأسره. وذلك بعد أن اقترح خطة غير مسبوقة تتمثل في تهجير جميع سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر. وذلك إثر حرب استمرت خمسة عشر شهرا بين إسرائيل وحماس، دمرت القطاع بشكل شبه كامل.


•تهجير وقتي أم دائم؟
وبحسب خطة ترامب فإن على مصر والأردن استقبال المرحلين الفلسطينيين من سكان غزة ، لكن كلا البلدين رفض ذلك.
وحين سئل ترامب في 30 يناير/كانون الثاني عن كيفية إقناع القاهرة وعمان باستقبال المرحلين الفلسطينيين أجاب ببساطة وثقة : "سوف يفعلون ذلك، أليس كذلك؟ نحن نفعل الكثير من أجلهم، وسوف يفعلون ذلك".
وكان ترامب يلمح بذلك إلى المساعدات الأمريكية لهذين البلدين، بموجب عدة اتفاقيات تعاون، بعد توقيع معاهدتي سلام مع إسرائيل وقعتها مصر في عام 1979 والأردن في عام 1994.
وعلى الرغم من أن اقتراح ترامب يدخل في خانة التهجير القسري للسكان وهي جريمة حرب تحظرها اتفاقيات دولية من أبرزها اتفاقية جنيف، إلا أن الحكومة الإسرائيلية أظهرت اهتمامها بهذا المقترح الذي تتعامل معه بجدية.
حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أصدر تعليماته للقوات المسلحة بالعمل على تسهيل "المغادرة الطوعية" لسكان غزة. كما سارع بنيامين نتانياهو بوصف هذا المقترح في تغريدة على موقع أكس بـ"الفكرة الرائعة التي تجب دراستها بعناية".

 

•تغيير جذري في الموقف الأمريكي من النزاع
لطالما التزمت الإدارة الأمريكية ولعدة عقود بإنشاء دولة فلسطينية تضم قطاع غزة كجزء رئيسي منها على الرغم من رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الدائم لهذا المقترح.
والولايات المتحدة كانت قد أعربت في وقت سابق عن معارضتها لأية عملية تهجير قسري للفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية. وكان وزير الخارجية في إدارة بايدن، أنتوني بلينكن، قد صرح العام الماضي بأنه "لا يمكن، ولا يجب إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة". إلا أن هذا الموقف الأمريكي يبدو أنه في طريقه إلى التغير وبشكل لن يرضي الفلسطينيين... ولا دول الجوار.
ويعيش اليوم في الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني بحسب الأمم المتحدة، تمكنت أعداد كبيرة منهم من الحصول على الجنسية الأردنية. كما لجأ الآلاف من الفلسطينيين إلى مصر مع بداية الحرب مع إسرائيل، لكن لا تعترف بهم السلطات المصرية كلاجئين هناك.
وصرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأنه يرفض أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، وأن الحل الوحيد هو إنشاء دولة مستقلة لهم.


•المعونات الاقتصادية... عصب التفاوض؟
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية صححت نوعا ما هذا المقترح وأوضح مسؤولون أن لا وجود لفكرة انتشار أمريكي في هذا القطاع أو نزوح دائم لسكان غزة.
إلا أن فكرة النزوح المؤقت للغزيين في انتظار إعادة تأهيل القطاع المدمر لا تزال مطروحة، على الرغم من غياب أي معطيات حول جدول زمني لذلك. وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي سيجري بعد أيام أول زيارة له إلى الشرق الأوسط بعد توليه المنصب، إن الفلسطينيين سيتعين عليهم "العيش في مكان آخر بشكل مؤقت" في أثناء إعادة إعمار القطاع.
لكن ترامب أجاب عن سؤال حول حق الفلسطينيين في العودة بقول "لا لن يكون من حقهم ذلك لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل بكثير". وأضاف "أنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم"، مشيرا إلى أن قطاع غزة سيستغرق سنوات ليصبح صالحا للعيش مرة أخرى.


•هل يمكن لمصر والأردن أن تصمدا أمام الضغوطات الأمريكية؟
وعلى الرغم من رفض القاهرة وعمان لخطة دونالد ترامب هذه، فإن قدرة البلدين على معارضة دونالد ترامب قد تكون محدودة. ذلك أن كليهما يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لضمان استقرارهما الأمني والاجتماعي والاقتصادي.
وتعتبر الأردن واحدة من أربع دول تتلقى أكبر قدر من المساعدات الأمريكية في العالم، إذ يستفيد الأردن سنويا من 1,4 مليار دولار أمريكي كمساعدات ثنائية من واشنطن.
في حين تتلقى مصر 1,3 مليار دولار كمساعدات عسكرية في إطار اتفاقيات كامب ديفيد.
إلا أن هذه المساعدات لا تكفي لمواجهة الصعوبات الاقتصادية المستمرة في كلا البلدين، مما يعني صعوبة الاستغناء عنها.
في عام 2024  تفادت مصر بأعجوبة الانهيار الاقتصادي بعد أن استفادت من مساعدات بقيمة 50 مليار دولار منحها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والإمارات العربية المتحدة. وتجاوزت حينها الديون الخارجية المصرية 152 مليار دولار. وتعتبر مصر الحليف الوحيد لواشنطن باستثناء إسرائيل الذي حصل على إعفاء من تجميد المساعدات الأمريكية الذي أعلنه دونالد ترامب. ولم يكن الحال كذلك بالنسبة للأردن.
وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي في الأردن أقل إثارة للقلق، إلا أن عمان تعتمد على المساعدات الدولية للحفاظ على توازن البلاد ذلك أنه تم تخصيص 70% من التمويل الأجنبي لدعم ميزانية الدولة.
ويقول جلال الحسيني، من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمان، إن "الولايات المتحدة هي أحد أبرز المانحين الرئيسيين للأردن عسكريا أو من حيث المساعدات الاجتماعية والاقتصادية". ويعتقد أن هذا الوضع من شأنه أن " يكون أحد العوامل التي ستستخدمها واشنطن لدفع الأردن إلى قبول عدد معين من سكان غزة فورا".
ويقول الدكتور في علم الاجتماع جلعاد وينيغ، الذي يدرس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، إن الإدارة الأمريكية بدأت في ممارسة ضغوط مالية على مصر منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على غزة. ويوضح بأن "تقارير مصرية أشارت إلى أن واشنطن عرضت حوافز مالية على القاهرة، بما في ذلك إمكانية تخفيف أعباء الديون، مقابل قبول خطة تهجير سكان غزة هذه، التي قيل إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفضها بشدة ". وأشار إلى أن هذه التقارير لم يتم تأكيدها مطلقا. "ولكن في الجانب المصري، ربما تسمح هذه الأخبار للحكومة بإعادة تأكيد موقفها وتصوير الرئيس السيسي كمدافع قوي عن الحقوق الفلسطينية".

 

•التهديد الأمني وسياسة ترامب نحو إسرائيل؟
ولكن أن تضحي الولايات المتحدة، بحليفيها المصري والأردني من شأنه أن يتسبب في عواقب خطيرة خصوصا على الصعيد الأمني، إذ ينتشر نحو 3 آلاف جندي أمريكي في الأردن منذ بداية الحرب في سوريا. وفي أكتوبر/تشرين الأول، شارك الأردن إلى جانب الأمريكيين في اعتراض سلسلة من الصواريخ الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل. كما قامت الولايات المتحدة بتدريب وتجهيز الجيش المصري منذ أكثر من 30 عاما، مما يجعل البلاد شريكا أمنيا قويا بالنسبة لواشنطن.
وإذا أصرت مصر على اعتبار أن التهجير القسري للغزيين من شأنه أن يصبح تهديدا لأمنها القومي، فإنها تحاول أن تتجنب تحول أراضيها إلى قاعدة خلفية لشن هجمات ضد إسرائيل.
ويعتقد جلال الحسيني بأنه لا يمكن التكهن بمدى استعداد ترامب على إجبار حلفائه على قبول خططه بشأن غزة، خاصة أن هذا الاقتراح ينسجم مع سياسة ترامب المؤيدة لإسرائيل خلال عهدته الرئاسية الأولى.
ففي عام 2019، تمكن صهر ترامب جاريد كوشنر، والذي كان يشغل منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط آنذاك، من طرح فكرة سلام في غزة تستند على التنمية الاقتصادية وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
ويقول جلال الحسيني "خلال فترة رئاسته الأولى، كان يُنظر إلى ترامب على أنه عامل مزعزع للاستقرار في المنطقة بسبب دعمه لسياسة الاستيطان الإسرائيلية. وتبدو خطة ترحيل سكان غزة اليوم وكأنها امتداد لرؤيته لمستقبل الشرق الأوسط".


التعليقات