تواصل فصائل المعارضة في سوريا تقدمها الميداني جنوب البلاد حيث فقدت القوات الحكومية السورية الجمعة السيطرة على مدينة درعا، مهد حركة الاحتجاجات السورية الشعبية التي اندلعت في العام 2011 ضد حكم الرئيس بشار الأسد، لصالح فصائل معارضة في الجنوب، في ضربة جديدة لها في خضم التطورات المتسارعة والمفاجئة المتواصلة منذ أسبوع.
وكانت هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها بدأت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر هجوما على القوات الحكومية انطلاقا من محافظة إدلب في شمال غرب البلاد، وتمكنت من السيطرة على مناطق واسعة وصولا إلى حلب (شمال)، ثاني أكبر مدن البلاد. وواصلت تقدّمها لتسيطر بعد أيام على حماة (وسط)، واقتربت من حمص (وسط) التي تربط دمشق بالساحل السوري، معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الرئيس بشار الأسد التي تحكم سوريا منذ خمسة عقود.
"ممرّ آمن"
وقالت مصادر من المعارضة إن الجيش وافق على الانسحاب المنظم من درعا بموجب اتفاق يمنح مسؤولي الجيش ممرا آمنا إلى العاصمة دمشق التي تقع على بعد نحو 100 كيلومتر إلى الشمال.
وأظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي أفرادا من قوات المعارضة على دراجات نارية وآخرين يختلطون بالسكان في الشوارع. وأطلق الناس أعيرة نارية في الهواء في الساحة الرئيسية بالمدينة احتفالا، وفقا لما ظهر في المقاطع.
ولم يصدر تعليق فوري من الجيش أو حكومة الأسد، ولم يتسن التحقق بشكل مستقل مما أعلنته قوات المعارضة.
وجاءت السيطرة على درعا بعد إعلان قوات المعارضة في وقت متأخر الجمعة أنهم تقدموا إلى مشارف مدينة حمص بوسط البلاد، وهي مفترق طرق رئيسي بين العاصمة وساحل البحر الأبيض المتوسط.
أعلن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني في مقابلة نشرت الجمعة أن هدف الفصائل المعارضة "يبقى إسقاط نظام" الأسد.
في الوقت ذاته، تحرّكت فصائل معارضة محلية في الجنوب، في محافظتي درعا والسويداء، مستفيدة على الأرجح من ضعف القوات الحكومية، بينما تقدّمت قوات سوريا الديموقراطية وعمادها المقاتلون الأكراد، في محافظة دير الزور في الشرق.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان "سيطرت فصائل محلية على مزيد من المناطق في محافظة درعا بما في ذلك درعا البلد وإزرع (...) لتصبح بذلك الفصائل مسيطرة على أكثر من 90 بالمئة من المحافظة، وسط انسحابات متتالية لقوات النظام".
وكان المرصد أفاد في وقت سابق بأن القوات الحكومية أخلت حواجز في ثلاث بلدات على الأقل في محافظة درعا، بعد هجوم لمقاتلين محليين على مقارّ أمنية في المنطقة.
تراجع سريع ومفاجئ
وبدأ النزاع السوري في منتصف آذار/مارس 2011 باحتجاجات شعبية ما لبث أن قمعها النظام. ثم تحولت نزاعا مسلحا. وإذا كان قوات الرئيس بشار الأسد خسرت في السنوات الأولى مساحة كبيرة من الأراضي السورية لصالح المقاتلين المعارضين، إلا أن التدخل الروسي والإيراني دعما لها ساعدها في استعادة أجزاء كبيرة اعتبارا من عام 2015.
وأوقعت الحرب أكثر من نصف مليون قتيل، فيما نزح أكثر من نصف الشعب السوري داخل سوريا أو إلى الخارج.
وتستوقف المحللين سرعة تراجع الجيش السوري وانسحاباته.
وقال الباحث الفرنسي فابريس بالانش المتخصص في الشؤون السورية إن هيئة تحرير الشام وحلفاءها يسيطرون اليوم على عشرين ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، أي على مساحة أكبر سبع مرات مما كانت تسيطر عليه قبل بدء الهجوم الأخير.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ بريطانيا مقرّا وله شبكة واسعة من المصادر والمندوبين في سوريا، أفاد صباحا بأن هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها باتت على "بعد خمسة كيلومترات من أطراف حمص بعد سيطرتها على الرستن وتلبيسة" الواقعتين على الطريق الواصل بين المدينتين، مشيرا إلى انسحاب القوات الحكومية من مدينة حمص، الأمر الذي نفته وزارة الدفاع السورية.
وقالت الوزارة في بيان "الجيش العربي السوري موجود في حمص وريفها.. وتمّ تعزيزه بقوات ضخمة إضافية".
لاحقا، أفاد المرصد بـ"مقتل 20 مدنيا، خمسة منهم من عائلة واحدة، جراء قصف صاروخي لقوات النظام وغارات شنها الطيران السوري والروسي على بلدات عدة (في محيط مدينة حمص) بينها تلبيسة".
وقال الجولاني الذي بدأ يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع بدلا من لقبه العسكري، في حوار مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية نشر الجمعة، "عندما نتحدث عن الأهداف، يبقى هدف الثورة إسقاط هذا النظام"، معتبرا أن الأخير "مات".
وكانت فصائل المعارضة سيطرت الخميس على مدينة حماة، رابع كبرى مدن سوريا في وسط البلاد.
والتقط مصوّرون متعاملون مع وكالة الأنباء الفرنسية صورا لمقاتلين يقبّلون الأرض لدى دخولهم إلى حماة، وأخرى لحشد من الناس يحرقون صورة عملاقة للرئيس بشار الأسد، بينما آخرون يقبّلون مقاتلين وصلوا إلى المدينة.
في الجنوب أيضا، سيطرت فصائل معارضة مسلحة محلية على معبر نصيب الحدودي مع الأردن الذي كانت السلطات الأردنية أعلنت إغلاقه في وقت سابق.
في محافظة السويداء (جنوب)، أخلى مسؤولون بينهم المحافظ وقادة أمنيون الجمعة مؤسسات ومراكز، وفق ما أفاد المرصد وشبكة إخبارية محلية.
وذكر المرصد أن "محافظ المدينة وقيادات الشرطة والسجن وحزب البعث غادروا إداراتهم في مدينة السويداء، تزامنا مع سيطرة مقاتلين محليين على نقاط أمنية في ريفها".
وبثّت شبكة السويداء 24 الإخبارية مقطعا مصورا يظهر خروج عاملين من مبنى قيادة الشرطة وآخر لمقاتلين يحطمون صورة لبشار الأسد.
في الشرق، أكدت قوات سوريا الديموقراطية انتشارها في مناطق انسحبت منها القوات الحكومية في محافظة دير الزور.
وقال المرصد إن "قوات النظام انسحبت مع قادة مجموعات موالية لطهران بشكل مفاجئ من مدينة دير الزور وريفها".
وأبدى قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي استعدادا للحوار مع هيئة تحرير الشام ومع تركيا، معتبرا أن تقدّم هيئة تحرير الشام فرض "واقعا سياسيا وعسكريا جديدا" في البلاد.
"ضربة كبيرة جدا"
وأفاد المرصد السوري بسقوط 826 قتيلا، بينهم 111 مدنيا منذ بدء هجوم الفصائل. وأشار إلى أن 222 مقاتلا بالإجمال قضوا منذ الثلاثاء بمحيط حماة.
كما نزح 280 ألف شخص، حسب الأمم المتحدة التي حذّرت من أن هذا العدد قد يرتفع إلى 1,5 مليون.
واعتبر الباحث أرون لوند من "مركز القرن الدولي للأبحاث" أن خسارة حماة "ضربة كبيرة جدا للحكومة السورية خصوصا بعد هزيمتها في حلب".
وأضاف أنه إذا خسر الأسد مدينة حمص، فهذا لن يعني نهاية حكمه، لكن "في غياب طريق آمن من دمشق إلى الساحل، أرى أنه لن يعود هناك كيان رسمي ذو مصداقية".