يتفائل التجار ووكلاء الشحن في مومباسا بانخفاض تكاليف الاستيراد بمجرد أن تنتهي إسرائيل من إنشاء مسار قناة بديل لقناة السويس، التي أصبحت حالياً غير قابلة للاستخدام بسبب الهجمات الحوثية.
وبدأت الدولة اليهودية العام الماضي في بناء الممر المائي الصناعي الذي يحمل اسم ديفيد بن غوريون، الأب المؤسس لإسرائيل. ويُتوقع أن يكون هذا المشروع، الذي تصل تكلفته إلى 100 مليار دولار (12.95 تريليون شلن)، بديلاً حيوياً لقناة السويس.
وقد ارتفعت تكاليف الشحن من أوروبا والدول العربية إلى مومباسا بشكلٍ كبير نتيجة هجمات الحوثيين التي تستهدف السفن قبالة سواحل اليمن. ومؤخراً، أفادت هيئة الموانئ الكينية (KPA) بأن تكلفة استيراد البضائع من أوروبا إلى مومباسا قد تضاعفت ثلاث مرات، حيث ارتفعت من 58,194 شلن (450 دولاراً) إلى 232,776 شلن (1,800 دولار) للطن الواحد.
وقد أفادت هيئة الموانئ الكينية (KPA) ووكلاء الشحن بأن جميع السفن القادمة من أوروبا إلى مومباسا أُعيد توجيهها للإبحار عبر رأس الرجاء الصالح، مما أضاف مسافة 5,459 ميلاً بحرياً مقارنة بالمسار عبر قناة السويس لتجنب الهجمات.
وقال المدير العام لهيئة الموانئ الكينية (ويليام روتو)، مؤخراً: "ارتفعت تكلفة الشحن البحري للسفن القادمة من شمال أوروبا إلى كينيا من 450 دولاراً إلى 1,800 دولار للطن".
وأضاف أن السفن تستغرق الآن 34 يوماً إضافياً للإبحار حول رأس الرجاء الصالح.
و من جانبه، صرّح رئيس معهد السماسرة البحريين المعتمدين (إليجاه مبارو)، أمس أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر قد عطّلت التجارة بين أوروبا وآسيا.
وأوضح أن هذه الهجمات دفعت إسرائيل إلى إعادة إحياء خططها لبناء قناة بديلة تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر أراضيها.
و لتجنب المزيد من التعطيل في التجارة العالمية، صرّح مبارو أن الأطراف المعنية في قطاع الشحن تعوّل على إسرائيل لجعل مشروع القناة حقيقة واقعة.
وقال : "لدى إسرائيل خطة طموحة لبناء قناة بطول 250 كيلومتراً تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها بديلاً لقناة السويس".
وفي حديثه مع سماسرة الشحن، أشار مبارو إلى أن هجمات الحوثيين على طول قناة السويس أثرت بشكلٍ كبير على التجارة بين أوروبا وآسيا، مما أجبر السفن على اتخاذ المسار الأطول عبر رأس الرجاء الصالح.
وأضاف أن هذه الهجمات أثرت سلباً على مصر، حيث انخفضت إيرادات السفن المارة عبر القناة بنسبة 40%. ووفقاً للتقارير، فقدت مصر نحو 2 مليار دولار (258 مليار شلن) منذ بداية الهجمات.
و قال مبارو: "إن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، ولا سيما في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أدت إلى الإغلاق المؤقت لميناء إيلات في إسرائيل وتسببت في تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 40%، مما أسفر عن خسائر بقيمة 2 مليار دولار منذ بداية الهجمات".
وأضاف أن بناء القناة الجديدة من قبل إسرائيل سيشكل تحدياً لهيمنة مصر المستمرة منذ قرن على طرق الشحن القصيرة بين أوروبا وآسيا.
ووفقاً لمبارو، ستبدأ القناة من مدينة إيلات الساحلية الإسرائيلية على البحر الأحمر بالقرب من الحدود الأردنية، مروراً بوادي عربة، ثم البحر الميت، قبل أن تصل إلى غزة شمالاً ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط.
كما ستعبر القناة صحراء النقب في الطرف الجنوبي من خليج العقبة، بمسافة إجمالية تبلغ 250 كيلومتراً. وقد تم تصور فكرة القناة لأول مرة في الستينيات خلال فترة حكم ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، بعد تأسيس الدولة اليهودية عام 1948.
و عند اكتمالها، ستشكّل قناة ديفيد بن غوريون منافساً لقناة السويس، التي تخضع لسيطرة مصر منذ عام 1956، عندما قام الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بتأميمها، مستعيداً السيطرة عليها من السلطات البريطانية والفرنسية.
و قبل تأميم القناة في عام 1956، كانت القوى الأوروبية الكبرى قد وقّعت اتفاقية في عام 1888 تمنح جميع الدول حق المرور عبر قناة السويس في أوقات السلم والحرب.
إلا أنه بعد التأميم، أغلق عبد الناصر القناة في عدة مناسبات، خاصة بعد إنشاء إسرائيل عام 1948 وتهجير الفلسطينيين فيما يُعرف بالنكبة.
وقد منعت مصر السفن الإسرائيلية من استخدام القناة بين عامي 1948 و1950، مما أعاق قدرة إسرائيل على التجارة مع دول شرق إفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى تقييد قدرتها على استيراد النفط من منطقة الخليج.
وقد تم إنشاء قناة السويس في البداية من قبل شركة فرنسية عام 1858 واكتمل بناؤها عام 1868، وكانت تخضع لاتفاقيات تنص على وجوب بقائها مفتوحة في أوقات الحرب. ومع ذلك، شهدت القناة إغلاقاتٍ متكررة وهجماتٍ على السفن التجارية، مما أجبر التجار على استخدام طرق بحرية أطول لنقل البضائع.
و تاريخياً، سيطرت الحكومتان الفرنسية والبريطانية على القناة باعتبارها مساراً أقصر وحيوياً يربط بين أوروبا وآسيا، مما يجنب السفن الرحلة الأطول حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.