تعاني الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من أزمة اقتصادية خانقة في ظل عجزها عن إعلان موازنة الدولة للعام 2024 حتى الآن في ظل نقص حاد بالإيرادات نتيجة توقف تصدير النفط والغاز بسبب الهجمات التي شنتها جماعة أنصار الله (الحوثيون) على ميناء الضبة في حضرموت في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تلتها سلسلة هجمات استهدفت ذات الميناء، فضلاً عن ميناءي "النشيمة" و"قنا" بمحافظة شبوة، مما أدى إلى وقف عوائد النفط الحكومية وتدفقات الوقود وحرمان الحكومة من أهم مواردها.
بعد قصف الموانئ من قبل الحوثيين تم توجيه الواردات إلى ميناء الحديدة بناء على اتفاق استوكهولم، وبالتالي لم تتمكن الحكومة من توفير نفقاتها التشغيلية، وظلت تنتظر الوعود السعودية بالدعم، حيث تعهدت بدعم مجلس القيادة الرئاسي عند تشكيله ونقل السلطة من الرئيس هادي إلى مجلس بثمانية رؤوس في إبريل/نيسان 2022.
ويعتمد اليمن على صادرات النفط الخام في تمويل 70% من إنفاق الميزانية العامة للدولة، إذ كان إنتاج البلاد من النفط حتى قبل هذه الحرب يتراوح ما بين 150 ألفاً و200 ألف برميل يومياً. ومنذ عام 2015، انخفض الإنتاج إلى أقل من 100 ألف برميل في اليوم.
وكانت عائدات اليمن من صادرات النفط الخام سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في 2021، هو الأول من نوعه منذ سنوات، إذ بلغت 1.418 مليار دولار مقارنة بنحو 710.5 ملايين دولار في 2020، وفق تقرير صادر عن البنك المركزي اليمني.
وكانت آخر موازنة فعلية لليمن قد أعلنت في العام 2014، وقدرت بـ13.4 مليار دولار، ودخلت البلاد بعدها في مرحلة حرب طاحنة إثر انقلاب مسلح لجماعة الحوثي على السلطة في سبتمبر/ أيلول 2014 لتندلع الحرب في مارس/ آذار 2015.
وفي 2018 أعلن عن الموازنة التي قُدّرت مواردها بـ 978 ملياراً و203 ملايين ريال (2.574 مليار دولار) وقدرت النفقات بـ 1.465 تريليون ريال (3.855 مليارات دولار)، بعجز قدر بـ 33%.
وفي 2019 قدرت الإيرادات بالموازنة الجديدة بنحو 2.16 تريليون ريال (4.8 مليارات دولار) بينما قدرت النفقات فيها بنحو 3.1 تريليونات ريال، كما أوردت وكالة سبأ الحكومية الرسمية.
•مشروع موازنة
ظلت الحكومة تعمل خلال سنوات الحرب بمشروع موازنة يتضمن تقديرات للإيرادات والنفقات، ولم يتم إعلان فعلي للموازنة، وتتم تغذية العجز عبر أدوات الدين المحلي وحشد التمويلات الخارجية، وعن طريق مصادر تضخيمية حتى العام 2019 من خلال طباعة عملات بدون غطاء لتغذية بند الرواتب والنفقات التشغيلية. وظلت الإيرادات تذهب خارج البنك المركزي، فعائدات النفط كانت تذهب إلى حساب الحكومة في البنك الأهلي السعودي والمؤسسات الإيرادية الأخرى فتحت لها حسابات في البنوك التجارية وليس في البنك المركزي، وهو ما يصعب على الحكومة حشد مواردها إلى الخزينة العامة، كما يفتح بابا للفساد، وبالتالي تشظت المالية العامة، وظهر الخلل وقاد إلى تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار مستمر للعملة.
والعام الجاري أيضا تم وضع مشروع خطة الإنفاق للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024، بناء على ما ستحصل عليه من دعم خارجي، والقيام باجراءات إصلاحية كان أهمها التدابير التي قام بها البنك المركزي وتعرضت للإجهاض من قبل الأمم المتحدة والسعودية.
ووافقت الحكومة في إبريل/ نيسان الماضي على مشروع خطة الإنفاق للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024، بعد استكمال مراجعتها من قبل اللجنة الوزارية واستيعابها الملاحظات المقدمة من أعضاء الحكومة.
ووفق وكالة الأنباء الحكومية، فإن الخطة تتضمن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتحديات والصعوبات التي تواجه استدامة المالية العامة، والأهداف والأولويات التي تسعى إليها، إضافة الى السياسات والإصلاحات المرتبطة بتنفيذها.
يشير الصحافي الاقتصادي نجيب العدوفي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنه في العام 2019، تم وضع تقدير الإيرادات بالموازنة الجديدة بنحو (4.8 مليارات دولار) وبعجز يصل إلى 30% مقارنة بالإنفاق، وهو ما تم العمل به خلال سنوات الحرب، حيث تم تعطيل كافة البرامج الاستثمارية، واقتصرت الموازنة على ما يعرف بالنفقات التشغيلية المتمثلة بصرف رواتب موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، وتوقفت مخصصات شبكات الضمان الاجتماعي".
ويلفت الصحافي الاقتصادي إلى أن النفط كان قبل هجمات الحوثيين يشكل رقما مهما لإيرادات الموازنة العامة، وكان الإنتاج يصل إلى 60 ألف برميل يوميا، وشكل حتى العام 2021 ما نسبته 32% من الإيرادات، في حين أن النفط والغاز كان يشكل قبل الحرب 70% من إنفاق الموازنة العامة للدولة. وفي العام 2022 قدرت جملة موارد الموازنة العامة للدولة بمبلغ 3 تريليونات و243 مليار ريال، فيما قدرت جملة الاستخدامات العامة بمبلغ 3 تريليونان و 645 مليار ريال، بعجز قدره 401 مليار ريال، حسب العدوفي.
•عدم إقرار موازنة العام الحالي
المحلل السياسي سعيد عقلان قال لـ"العربي الجديد" إن "عدم إقرار موازنة العام الحالي يعكس فشل وانقسام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وهذا الفشل انعكاس لسياسات المجلس الرئاسي الذي عجز عن تفعيل الأوعية الإيرادية في مناطق سيطرته، ويعكس فشل الإدارة والحكم، كما أن تأخر إعداد الموازنة المالية يعكس ضعف التخطيط وإدارة الموارد، وهو ما يلقي بظلاله على المشاريع الحكومية في مجالات التنمية الاقتصادية".
وأضاف المحلل السياسي أن "عدم إعداد الموازنة قد أضعف أداء الحكومة التي عانت من عزلة اقتصادية ظهرت ملامحها من خلال تردد الدول المانحة والمستثمرين الدوليين في تقديم الدعم أو الاستثمار، وبالتالي ضاعف هذا الأمر من تدهور الخدمات العامة وتأثر القطاعات العامة وفي مقدمتها الكهرباء والتعليم والصحة، وقبل ذلك يكشف عن حجم فساد الحكومة وعدم مساءلتها من قبل البرلمان"