أكد القضاء الدولي اليوم الثلاثاء الحكم بالسجن مدى الحياة بحق القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش بتهمة ارتكاب إبادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب خلال حرب البوسنة بين 1992 و1995، في قرار لقي ترحيباً من جانب الأمم المتحدة وواشنطن.
وقالت آلية المحاكم الجنائية الدولية التي مقرها في لاهاي إن "غرفة الاستئناف تؤكد عقوبة السجن مدى الحياة بحق ملاديتش"، رافضة بذلك الاستئناف الذي قدمه الأخير المدان خصوصا بالابادة لدوره في مجزرة سربرينيتسا، وهي الأسوأ في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تعتبر إبادة في نظر القضاء الدولي.
ورحّبت الأمم المتحدة والولايات المتحد بالحكم.
واعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في بيان، إن الحكم "يشير إلى تصميم القضاء الدولي على المحاسبة مهما استغرق الأمر من وقت - وفي حالة ملاديتش، فقد مضى نحو ثلاثة عقود على جرائمه الشنيعة".
من جهته، أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بالحكم "التاريخي" مشيراً إلى أنه "يُظهر أن من يرتكبون جرائم فظيعة سيحاسبون فعلا على ما قاموا به".
والحكم الذي أعلنه خمسة قضاة من آلية المحاكم الجنائية الدولية التي حلّت محل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بعد إغلاق هذه الأخيرة في 2017، نهائيّ ولم يعد بالإمكان استئنافه.
وتوجّهت أمهات بعض من الضحايا وهم ثمانية آلاف رجل وفتى من المسلمين قتلتهم قوات صرب البوسنة في سريبرينتسا عام 1995، إلى لاهاي.
وقالت رئيسة إحدى جمعيات "أمهات سريبرينيتسا" منيرة سوباسيتش لوكالة فرانس برس "إنه يوم تاريخي، ليس فقط بالنسبة إلينا نحن الأمهات، إنما أيضاً لمجمل دول البلقان وأوروبا والعالم".
وأضافت من أمام المحكمة قبل صدور الحكم، أن راتكو ملاديتش المعروف باسم "سفاح البلقان" والبالغ نحو 80 عاماً، "هو وحش لم يتب عما فعله حتى بعد مرور 26 عامًا".
وتابعت "أينما حلّ جيشهم وحيثما وطأت أقدامهم، ارتكبوا إبادة جماعية".
•"جئتُ لأبكي" -
في مركز النصب التذكاري للإبادة الجماعية، قرب سريبرينتسا، وُضعت شاشة عملاقة وبثّت الثلاثاء شهادات ناجين وعائلات، بالقرب من مقابر أكثر من 6600 ضحية تمّ التعرّف عليها.
وقالت مونيفيرا كابيليتش (69 عاماً) قرب مدافن زوجها ونجليها اللذين قُتلا في عمر 17 و20 عاماً، "بدلاً من أن أبتهج مع أحفادي، جئتُ لأبكي هنا".
وأضافت "أكثر ما يؤلمني هو أنهم ينفون الإبادة". وتابعت "يقولون إن ذلك لم يحصل، لكن شواهد القبور هذه تثبت ذلك".
أوقف ملاديتش عام 2011 بعد فرار استمر 16 عاما، وبات العسكري السابق الموقوف في لاهاي، والذي عرف ببنيته القوية ونفوذه خلال حرب البلقان، اليوم كهلا مريضا، بحسب محاميه.
بعد أكثر من ربع قرن على الحرب، لا يزال الجنرال السابق يعتبر بطلا في نظر العديد من صرب البوسنة، لكن اسمه سيبقى مرتبطا بجرائم الحرب في البوسنة من حصار ساراييفو الى مجزرة سريبرينتسا.
تظهره صور قديمة يوزّع في سريبرينتسا سكاكر على الأطفال وكذلك في حافلة مع نساء، فيما كان يتمّ اقتياد الرجال والمراهقين في المدينة إلى غابة ويُعدمون.
•"هدف لحلف الأطلسي" -
دين ملاديتش أيضاً بتهمة تدبير حملة أوسع "للتطهير الاتني" لطرد المسلمين والبوسنيين من مناطق رئيسية لإقامة صربيا كبرى في يوغوسلافيا السابقة، التي تمزّقت بعد سقوط الشيوعية.
أكد ملاديتش الذي لا يزال يعتبر مدافعا عن الشعب الصربي من قبل العديد من صرب البوسنة، أنه انجر إلى النزاع رغما عنه منذ بداية حرب البوسنة (1992-1995) التي خلفت حوالى مئة ألف قتيل و2,2 مليون نازح.
بحسب محاميه، ليس هناك علاقة بين الجنرال السابق وأعمال القتل التي ارتكبت في سريبرينيتسا و لا أساس للاتهامات الموجهة إليه بارتكاب إبادة التي أدت إلى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
في آب/اغسطس 2020 خلال جلسة الاستئناف، أعلن راتكو ملاديتش أن المحكمة كانت "فرعا للقوى الغربية" وأكد على الدوام انه لا يزال "هدفًا لحلف شمال الأطلسي" متهما المدعين بوصفه بعبارات "شيطانية وغادرة".
وسن الجنرال السابق موضع جدل أيضا حيث يؤكد انه ولد في 12 آذار/مارس 1943 فيما تعتمد المحكمة تاريخ 12 آذار/مارس 1942.
يعتبر راتكو ملاديتش أحد القادة الرئيسيين الذين حوكموا أمام القضاء الدولي عن جرائم ارتكبت خلال الحروب في يوغوسلافيا السابقة إلى جانب الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كارادجيتش الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في 2019 والرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش الذي توفي في زنزانته في لاهاي بنوبة قلبية عام 2006 قبل انتهاء محاكمته.
#يمن_فيوتشر