بدأ المصريون يوم الأحد الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن يفوز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثالثة في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية وحربا على حدودها مع غزة.
وسيمنح الفوز السيسي ولاية مدتها ست سنوات تتمثل الأولويات العاجلة خلالها في ترويض التضخم شبه القياسي ومعالجة النقص المزمن في العملة الأجنبية ومواجهة تداعيات الصراع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة.
وبدأت عملية التصويت في التاسعة صباحا وتستمر حتى التاسعة مساء (0700-1900 بتوقيت جرينتش) على مدى ثلاثة أيام، ومن المقرر إعلان النتائج في 18 ديسمبر كانون الأول مع ضرورة حصول أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة لتجنب إجراء جولة إعادة في أوائل يناير كانون الثاني.
وترددت الأغاني الوطنية في مراكز الاقتراع في القاهرة، حيث انتشرت صور السيسي في الأسابيع التي سبقت الانتخابات. وانتشرت قوات مكافحة الشغب على مداخل ميدان التحرير وسط العاصمة.
ووفقا للهيئة الوطنية للانتخابات، يحق لنحو 67 مليون مصري فوق سن 18 عاما التصويت من إجمالي عدد السكان البالغ 104 ملايين نسمة.
وأدلى السيسي بصوته في لجنة انتخابية بمدرسة في حي مصر الجديدة بالقاهرة ولم يدل بأي تصريحات للصحفيين.
ويخوض الانتخابات أمام السيسي ثلاثة مرشحين هم فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي يمثل تيار يسار الوسط، وعبد السند يمامة رئيس حزب الوفد الليبرالي، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري. وأوقف أبرز منافس محتمل حملة ترشحه في أكتوبر تشرين الأول، قائلا إن مسؤولين وخارجين على القانون استهدفوا أنصاره، وهي الاتهامات التي نفتها الهيئة الوطنية للانتخابات.
واصطحب الناخب ياسر بسيوني (48 عاما) وهو موظف حكومي ابنته وابنه إلى لجنة انتخابية في مدرسة بحي التجمع الخامس بشرق القاهرة التي كانت تصدح فيها الأغاني الوطنية عبر مكبرات للصوت وقال إنه سيعطي صوته للسيسي.
وقال بسيوني "لازم الولاد يفهموا إن الوطنية والمشاركة مهمة... مفيش أنسب من الرئيس السيسي في المرحلة الحالية والضغوط الاقتصادية أمر على مستوى العالم ولازم نصبر ونستحمل عشان نعدي المرحلة دي".
وتجري الانتخابات تحت إشراف قضائي وسيُسمح لمنظمات المجتمع المدني المحلية والأجنبية المعتمدة بمراقبة التصويت.
ويرى منتقدون أنها انتخابات شكلية بعد حملة قمع استمرت عشر سنوات على المعارضة. ووصفتها الهيئة العامة للاستعلامات وهي الهيئة الإعلامية الحكومية بأنها خطوة نحو التعددية السياسية.
وحثت السلطات والمعلقون في وسائل الإعلام المحلية الخاضعة لرقابة مشددة، المصريين على الإدلاء بأصواتهم، على الرغم من أن بعض الناس قالوا إنهم لم يكونوا على علم بموعد إجراء الانتخابات في الأيام التي سبقت الاقتراع. وقال آخرون إن التصويت لن يحدث فارقا يذكر.
وقالت آية محمد (35 عاما) والتي تعمل بمجال التسويق "كنت عارفة إن في انتخابات بس ماكنتش اعرف امتى بالظبط، وعرفت أصلا أن في انتخابات من انتشار يفط السيسي في الشوارع".
وأضافت "عندي لامبالاة تجاه الانتخابات عشان مافيش تغيير هيحصل".
وأدلى المرشح حازم عمر بصوته في القاهرة ودعا المصريين إلى المشاركة بقوة في التصويت "انزلوا.. اختاروا، الشعب هو السيد وإرادتكم لن تتحقق إلا بمشاركتكم".
•"أنا أصوت دائما للرؤساء"
كقائد للجيش، قاد السيسي عام 2013 الإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، قبل انتخابه رئيسا في العام التالي بنسبة 97 بالمئة من الأصوات.
ومنذ ذلك الحين، أشرف على حملة قمع طالت النشطاء الليبراليين واليساريين وكذلك الإسلاميين، والتي تقول جماعات حقوقية إنها أدت إلى سجن عشرات الآلاف. وأعيد انتخابه في عام 2018 بنسبة 97 بالمئة مرة أخرى.
ويقول السيسي ومؤيدوه إن الحملة كانت ضرورية لتحقيق الاستقرار في مصر ومواجهة التطرف الإسلامي. وقدم السيسي نفسه على أنه حصن للاستقرار مع اندلاع الصراع على حدود مصر في ليبيا، وفي وقت سابق من هذا العام في السودان وغزة.
وقالت نبيهة أحمد، وهي أم لأربعة أبناء تبلغ من العمر 65 عاما، في شارع البحر الأعظم بالجيزة "سأصوت للسيسي طبعا... أنا بحبه... أنا بصوت دايما للرؤساء. أصوت لأني عايزة الأمن لأولادي".
لكن رجلا تحدث لرويترز شريطة عدم ذكر اسمه في لجنة انتخابية بمدرسة السادات الثانوية بنات في مدينة العاشر من رمضان التابعة لمحافظة الشرقية في دلتا مصر قال إن شركة المقاولات التي يعمل بها ألزمته بالتصويت للسيسي "والله احنا جايين بالغصب، والله ما كنت هديله صوتي (للسيسي) ولا هسيب يوميتي جايين غصب عننا".
في حين أكد أحمد سالم عضو مجلس إدارة رابطة أبناء الصعيد في مدينة العاشر من رمضان أنه سيصوت للسيسي "الرئيس السيسي زعيم لمصر وليس رئيس عادي... موقفه في قضية غزة كان موقف مشرف للعرب كلهم".
وفي العريش بمحافظة شمال سيناء، حيث بسط الجيش سيطرته بعد قتال متشددين إسلاميين، تم استخدام مدرسة تحمل اسم جندي قتيل وانتشرت فيها صور قتلى هجمات المتشددين مركزا للاقتراع.
وقالت ليلى عوض، وهي مسؤولة محلية بوزارة التعليم وسط مجموعة كبيرة من الموظفين الحكوميين الذين جاءوا للتصويت "لقد أمّن لنا السيسي منطقتنا. لقد رأينا الكثير من الدماء، وأقل ما يمكننا فعله هو التصويت له".
وأدلى المرشح فريد زهران بصوته في مركز اقتراع بمنطقة المقطم بالقاهرة، وقال عضو في حملة زهران لوسائل إعلام محلية إن الحملة "تلقت بعض الشكاوي التي لا تؤثر علي سير الانتخابات" وأضاف "هناك إقبال كبير على التصويت لصالح المرشح الرئاسي فريد زهران".
•ارتفاع كبير للأسعار
يعاني سكان مصر الذي يبلغ عددهم 104 ملايين نسمة من ارتفاع الأسعار والضغوط الاقتصادية الأخرى، ويشكو البعض من أن الدولة أعطت الأولوية للمشروعات الضخمة المكلفة وتواصل الاقتراض.
وقالت صابرين خليفة وهي عاملة نظافة تبلغ من العمر 40 سنة ولديها خمسة أطفال إنها ستعطي صوتها للسيسي.
وذكرت في مركز اقتراع بمحافظة الجيزة "هصوت له (السيسي). لكن عايزينه يخفض الأسعار والأكل والدوا والإيجار... كلها أسعارها غالية كيلو البصل بستين جنيه ... ما بناكلش اللحمة إلا في العيد".
وخلف مركز الاقتراع شاهد مراسل رويترز أكياسا تحتوي على الطحين والأرز وسلع أساسية أخرى توزع على الأشخاص الذين ظهرت أثار الحبر على أصابعهم مما يدل على أنهم أدلوا بأصواتهم.
وأعرب البعض عن خيبة أملهم لأن الأكياس لا تحتوي على السكر، الذي ارتفع سعره بشدة في الآونة الأخيرة. وشاهد مراسلان من رويترز الناخبين وهم ينقلون بالحافلات إلى مراكز الاقتراع.
وقال مصدران بوزارة الكهرباء إنه تم تعليق انقطاعات الكهرباء المقررة المرتبطة بانخفاض إمدادات الغاز خلال أيام التصويت.
ويقول بعض المحللين إن الانتخابات، التي كان من المتوقع إجراؤها في أوائل عام 2024، تم تقديم موعدها حتى يمكن تنفيذ التغييرات الاقتصادية بما في ذلك تخفيض قيمة العملة الضعيفة بالفعل بعد التصويت.
وأوضح صندوق النقد الدولي يوم الخميس الماضي، إنه يجري محادثات مع مصر للاتفاق على تمويل إضافي في إطار برنامج قروض قائم بقيمة ثلاثة مليارات دولار، والذي تعثر بسبب تأخر مبيعات أصول الدولة وتعهدات التحول نحو سعر صرف أكثر مرونة.
وقال هاني جنينة، كبير الاقتصاديين في القاهرة كابيتال للاستثمارات المالية، وهو بنك استثماري، "تشير جميع المؤشرات إلى أننا سنتحرك بسرعة كبيرة بعد الانتخابات فيما يتعلق بالمضي قدما في برنامج الإصلاح الذي حدده صندوق النقد الدولي".