أعلنت إسرائيل، الجمعة، أن الجيش يقوم بتجميع الرجال الفلسطينيين في شمال قطاع غزة لاستجوابهم والبحث عن عناصر من حماس، بينما يحتشد الفلسطينيون الذين يشعرون باليأس في الجنوب في منطقة تتقلص باستمرار، كما حذّرت الأمم المتحدة من أن عملياتها الإغاثية "تتدمر".
و تُشير عمليات الاحتجاز إلى جهود إسرائيلية لتأمين سيطرة الجيش على شمال قطاع غزة مع دخول الحرب شهرها الثالث. و لا تزال المعارك العنيفة تدور في المناطق الشمالية، مما يؤكد مقاومة حماس الشديدة، ويُعتقد أن عشرات الآلاف من السكان لا يزالون في المنطقة بعد ستة أسابيع من دخول القوات والدبابات.
و ظهرت أول صور للاحتجازات الجماعية، الخميس، من بلدة بيت لاهيا الشمالية، حيث تُظهر عشرات الرجال واقفين و جالسين في الشوارع، عاريين تماماً باستثناء ملابسهم الداخلية، وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم وبعضهم يحني رأسه. وأفاد رصد الأمم المتحدة بأن الجنود الإسرائيليين احتجزوا رجالًا وأولادًا ابتداءً من سن 15 عاماً في مدرسة تم تحويلها إلى مأوى.
و تعهدت إسرائيل على سحق القُدرات العسكرية لحماس، التي تحكم قطاع غزة، وإزاحتها عن السلطة عَقب هجوم الفصائل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي تسبب بإشعال الحرب.
و تركزت حملة إسرائيل الجوية والبرية في البداية على النصف الشمالي من قطاع غزة، مما أدى إلى فِرار مئات الآلاف من السكان إلى الجنوب. و في الأسبوع الماضي، قامت إسرائيل بتوسيع هجومها البري إلى وسط وجنوب قطاع غزة، حيث يتجمع ما يقرب من سكان القطاع الفلسطيني البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، والعديد منهم معزولون عن إمدادات الإغاثة الإنسانية.
و في وسط قطاع غزة، قامت الطائرات الإسرائيلية، الجمعة، بإلقاء منشورات على مُخيمات اللاجئين في النصيرات والمغازي تحمل رسالة لمسؤولي حماس.
"إلى قادة حماس: حياة مقابل حياة، عين بدلاً من عين، ومن بدأ هو المسؤول. إذا كنتم تعاقبون، فعاقبوا بمثل ما تعرضتم له"، وهذا ما جاء في المنشور، حيث تم جمع آيات من الكتاب المقدس للمسلمين، القرآن الكريم، مشابهة لتحذير في العهد القديم.
و ترك المنشور الجزء الآخر من الآية القرآنية، التي تقول أن الأفضل هو أن يتحمل الإنسان البلاء بصبر دون الانتقام على الإطلاق.
و بعد ساعات، تعرض مبنى سكني في مخيم النصيرات للقصف مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 21 شخصاً، وذلك وفقاً لمسؤولي المستشفى القريب. وبعد الانفجار، شوهد السكان يحفرون تحت الأنقاض بحثاً عن ناجين وممتلكات يمكن أن تكشف.
و قال (إيلون ليفي)، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، الجمعة، إن الأشخاص الذين تم احتجازهم في شمال قطاع غزة هم "رجال في سن الخدمة العسكرية تم اكتشافهم في مناطق كان من المفترض أن يتم إخلاؤها من قبل المدنيين منذ أسابيع".
و قامت السلطات باستجواب المعتقلين لتحديد ما إذا كانوا أعضاء في مجموعة حماس، و ذلك حسبما صرح ليفي، مُشيراً إلى أنه سيكون هناك المزيد من العمليات المشابهة في المستقبل بينما تتحرك القوات من الشمال إلى الجنوب.
ذكرت وكالة أنباء لندن "العربي الجديد"، أن أحد الرجال الموجودين في صور المعتقلين هو مراسلها في غزة، ضياء الكحلوت، وأنه تم اعتقاله مع مدنيين آخرين.
و قد أدى الهجوم الإسرائيلي إلى تدمير جُزء كبير من مدينة غزة والمناطق المحيطة في الشمال. ومع ذلك، يُعتقد أن عشرات الآلاف من السكان لا يزالون هناك، على الرغم من أن الأمم المتحدة تقول إنها لا تستطيع تأكيد الأعداد الدقيقة. حيث أن بعضهم غير قادر على التحرك، والبعض الآخر يرفض مغادرة منازلهم، معتبرين أن الجنوب المزدحم ليس أكثر أماناً ويخشون عدم السماح لهم بالعودة.
و تدور معارك عنيفة منذ عدة أيام في مخيم جباليا للاجئين وحي الشجاعية في مدينة غزة. وقالت الأمم المتحدة إن مستشفى العودة في جباليا - واحدة من مستشفيات الشمال الوحيدتين التي لا تزال تعمل - تعرّض للحصار من قواتٍ إسرائيلية وتعرّض لأضرارٍ نتيجة لقصف إسرائيلي. وقد تم الإبلاغ أيضاً عن إطلاق نار من قناصة إسرائيليين على المستشفى.
و وفقاً لما قاله (حسن النجار)، صحفي يتحدث عبر الهاتف من شمال غزة: "استمرت الغارات الجوية وقصف المدفعية العشوائي بشكل مكثف منذ الليلة الماضية حتى صباح اليوم".
و يوم الخميس في الشجاعية، قُتل الشاعر وأستاذ اللغة الإنجليزية البارز (رفعت العرير) جنباً إلى جنب مع شقيقه وشقيقته وأربعة من أطفالها، عندما قصفت القوات الإسرائيلية المنزل الذي كانوا يقيمون فيه، وفقاً لزملائه "نحن لسنا أرقام"، وهي منظمة غير ربحية ساعده على تأسيسها.
قبل بضعة أيام، كتب العرير على إكس أن جدرانه تهتز بصوت القصف والقذائف وإطلاق النار الذي يقترب. و آخر قصيدة كتبها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي جاء فيها: "إذا كان علي أن أموت، فليكن ذلك ليجلب الأمل، وليكن ذلك حكاية تروى".
و تقول القوات العسكرية إنها تبذل كل جهد ممكن للحفاظ على سلامة المدنيين وتتهم حماس بالاستخدام الاستغلالي لهم كدروع بشرية بينما يقاتل المقاتلون في مناطق سكنية كثيفة.
كما أن هناك أيضاً ارتفاع حاد في الغارات العسكرية القاتلة وزيادة في القيود المفروضة على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة منذ بدء الحرب.
*تهديد الكارثة المحتملة*
استمرار المعارك الشرسة في الشمال، يثير مخاوف من أن تحرك إسرائيل نحو الجنوب لاقتلاع حماس سيسبب دمارًا مماثلاً.
و في وقت سابق من هذا الأسبوع، استخدم الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) سلطة نادرة لتحذير مجلس الأمن من "كارثة إنسانية محتملة"، وطالبت الدول العربية والمسلمة بإجراء تصويت الجمعة على قرار من المجلس للمطالبة بوقفٍ فوري لإطلاق النار.
و من المرجح أن تعترض الولايات المتحدة -الحليف الأقرب لإسرائيل- أي محاولة للأمم المتحدة لوقف القتال، الذي تسببت فيه هجمات حماس القاتلة في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
ولكن القلق الأمريكي من الدمار يتزايد. فقد أبلغ مسؤولون أمريكيون إسرائيل قبل توسيع هجومها البري إلى جنوب قطاع غزة أنه يجب عليها تقليل عدد القتلى المدنيين والنازحين بعد العدد الكبير من القتلى في الشمال.
حيث كان تركيز إسرائيل في الأسبوع الماضي على خانيونس، ثاني أكبر مدينة في القطاع. وفي يوم الجمعة، قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن سلاح الجو الإسرائيلي هاجم منزل يقع أمام مكتب الجمعية في خانيونس. ة لم تُذكر تفاصيل عن الخسائر.
و احتشد عشرات الآلاف من الأشخاص النازحين بسبب القتال في مدينة رفح الحدودية، في جنوب قطاع غزة، وفي المواسي، وهو قطاع ساحلي قاحل. وقد قامت إسرائيل بتعيين المواسي كمنطقة آمنة. ولكن الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة اعتبرت ذلك حلاً سيئ التنظيم.
و قد أسفرت حملة إسرائيل عن مقتل أكثر من 17,400 شخص في قطاع غزة، حيث يُشكل النساء والأطفال 70% من إجمالي الضحايا، وتم جرح أكثر من 46,000 آخرين، وذلك وفقاً لوزارة الصحة في القطاع التي تُفيد بأن العديد من الأشخاص عالقون تحت أنقاض الدمار. وتتجاهل الوزارة التمييز بين المدنيين والعسكريين في عدد الوفيات.
و على الجانب الآخر، قتلت حماس ومجموعات مسلحة أخرى حوالي 1,400 شخص، ومعظمهم من المدنيين، في الهجوم المُنفَّذ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كما احتجزوا أكثر من 240 رهينة. وما زال أكثر من 130 رهينة في غزة، وتتألف أغلبيتهم من جنود ورجال مدنيين، بعدما تم الإفراج عن أكثر من 100 خلال وقف إطلاق النار الذي حدث الشهر الماضي. وتشير القوات العسكرية إلى أنها فقدت 93 جندياً في الحملة البرية.