[ بي بي سي ]
تسود حالة من الهدوء على المشهد السياسي في مصر، لا تعكس صورة الشوارع الممتلئة بلافتات دعائية لمرشحي الرئاسة المصرية الأربعة المتنافسين على أرفع منصب سياسي في البلاد.
وتنتشر لافتات الدعاية الخاصة بالرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، بشكل كبير في حملته للظفر بولاية رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات أمام ثلاثة من مرشحي المعارضة الطامحين إلى جذب انتباه المصريين، وذلك بعد أن تراجع حضور المُعارضة منذ الإطاحة بنظام محمد مرسي، أول رئيس يتم انتخابه في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، والتي أنهت ثلاثين عامًا من حكم رجل الدولة القوي حسني مبارك.
لكن هذه الانتخابات تُجرى هذه المرة في ظل متغيرات دولية وإقليمية واقتصادية، تأتي في مقدمتها أزمة اقتصادية طاحنة فاقمها تراجع قيمة الجُنيه المصري مُقابِل العملات الأجنبية، وارتفاع تكاليف المعيشة .
*تحت ظلال حرب غزة*
جاءت حرب غزة لتفاقم أزمات المصريين، إذ يرى أغلبهم أنها تمثل خطرًا داهمًا على الأمن القومي للبلاد، كما أنها تُعيد في نظر بعضهم "أجواء الحرب المُرعبة" التي عاشتها مصر قبل خمسة عقود ماضية، وانتهت بإبرام اتفاقية للسلام مع إسرائيل أفضت إلى تطبيع يوصف بـ"البارد" في العلاقات بين الدولتين.
وتفسر عميدة كلية الإعلام السابقة، الدكتورة ليلى عبد المجيد، تراجع اهتمام المصريين بهذه الانتخابات إلى "الحالة النفسية للجمهور التي تأثرت سلباً بما يحدث في غزة، وجعلت كثيرين يهتمون بمتابعة مجريات الحرب عبر مختلف وسائل الإعلام، وهو ما جعل أولوية الإعلام المصري، تتوجه أيضاً لما يحدث في غزة".
يذكر أن وسائل الإعلام المحلية خصصت وقتاً أطول لبث نشرات الأخبار والبرامج السياسية للتعليق على التأثيرات المحتملة للحرب في غزة على الشأن المصري.
وربما أثر هذا الأمر على الأوقات المخصصة لبث الدعاية الانتخابية وبرامج المرشحين، فضلاً على الإعلانات الترويجية التي أنتجتها الهيئة الوطنية للانتخابات لحث المواطنين على التصويت.
*هل خلقت حرب غزة مناخاً مساعداً على بقاء السيسي في السلطة؟*
يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، مصطفى كامل السيد، أن حرب غزة خلقت بالفعل مناخاً مساعداً على بقاء السيسي، فوجود "رجل الجيش القوي" على رأس السلطة "يعطي شعوراً بالاطمئنان للمصرين الذين لا يجدون بديلاً عنه لقيادة المرحلة الحالية، ومن ثم فقد قلّ الاهتمام بأهمية هذه الانتخابات التي يراها أغلب المصريين محسومة".
ويضيف كامل السيد قائلاً إن سماح النظام الحالي بتنظيم مظاهرات شعبية للتعبير عن رفض ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، جعلها تشهد تأييداً واضحاً للنظام الحالي ولطريقة تعامله مع الأزمة دون رفع أي شعارات سياسية للمعارضة.
*تأثير مباشر على حملات المرشحين*
يرى مراقبون أن حرب غزة قد أثرت بشكل مباشر على حملات المرشحين الدعائية، فجعلت الملف الفلسطيني حاضراً بقوة في خطابهم السياسي، خلال جولاتهم الانتخابية.
فعلى سبيل المثال أدلى مرشح الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، بتصريحات قال فيها "إن إسرائيل ما كانت لتفعل ما فعلته في الأراضي الفلسطيني لولا ضعف الدولة المصرية واتجاهها للاستدانة من مؤسسات التمويل الدولية واعتمادها بشكل كبير على المساعدات الخارجية لسد العجز في موازنتها".
أما مرشح حزب الوفد الجديد، عبد السند يمامة، فيدعو لتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي وعلاقات التعاون الاقتصادي بين مصر وإسرائيل، ومراجعة اتفاقية السلام، وهو أمر يؤكد عليه أيضا حازم عمر مرشح حزب "الشعب الجمهوري" الذي يدين "السياسات الإسرائيلية ويدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة القابلة للحياة".
وفيما يتعلق بخطابات بعض المرشحين بتقليل حجم العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، أو إعادة التفكير في اتفاقية السلام، يرى رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أشرف جلال، أن الأمر لا يعدو كونه دعاية انتخابية تحاول دغدغة مشاعر الجماهير، فالسيناريو غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع، لأن العلاقات المصرية الإسرائيلية تحكمها اتفاقيات دولية ومعاهدات سلام.
قرر بعض المرشحين تقليص نفقات حملاتهم الدعائية، بل ووقفها لعدة أيام بسبب حرب غزة، وقال محمود فوزي، رئيس الحملة الانتخابية للسيسي، إن توجيها واضحا صدر من السيسي لتخفيض تكاليف الحملات الدعائية ودعوة الأحزاب والجهات المؤيدة للتبرع إلى حسابات المؤسسات والجمعيات الأهلية لدعم أهالي قطاع غزة.
كما نظمت حملة السيسي والجهات الداعمة لها حملة إغاثة إنسانية وحملة أخرى للتبرع بالدم، ونظمت زيارات إلى معبر رفح البري وعقدت مؤتمرا صحفيا أمام بوابة المعبر للتأكيد على تأييد الحقوق الفلسطينية.
ويرى رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أشرف جلال، أن التبرع بجزءٍ من أموال الحملات الانتخابية يعد جانباً من المسؤولية الاجتماعية للمرشحين ويعكس استجابة للمزاج العام، إذ تكرر الأمر مع أكثر من مرشح رئاسي من خلال جولات انتخابية في محافظات مختلفة خصص فيها المرشحون وقتاً للحديث عن غزة، وارتدى بعضهم "الكوفية الفلسطينية باعتبارها رمزاً للقضية".
وقال المرشح الرئاسي، فريد زهران، إن أول دولة سيزورها إذا ما انتُخب رئيسًا للجمهورية ستكون فلسطين وتحديداً قطاع غزة "لإظهار الدعم والتعاطف والتأكيد على الموقف المصري الثابت من دعم القضية".
*حرب غزة واتجاهات التصويت*
وحول تأثير الحرب على غزة في حشد التصويت لصالح مرشح معيّن، يقول رئيس حزب العدل عبد المنعم إمام إن "القضايا ذات البعد الاستراتيجي والأمن القومي تدفع المواطنين إلى التوحد خلف القيادة السياسية الموجودة، ولكن في الوقت نفسه تظل الكلمة للناخبين للتعبير عن رأيهم في استمرار السياسات الموجودة أو اختيار مرشح آخر وفقا للبرامج الانتخابية المعروضة".
أما أستاذ العلوم السياسية، مصطفى كامل السيد، فيرى أن مصر لن تغامر بحل أزمتها الاقتصادية من خلال استضافة أعداد من اللاجئين الفلسطينيين مقابل مساعدات مالية سنوية أو منافع اقتصادية، فهذا السيناريو "قد يقود لتنفيذ بعض اللاجئين هجمات على إسرائيل من داخل الأراضي المصرية وهو ما سيهدد الأمن القومي المصري"، ويضيف كامل السيد الذي يرى أن الرئيس المقبل عليه أن يراجع اتفاقية السلام مع إسرائيل ويطالب بتعديلها بما يسمح بوجود أكبر للجيش المصري على الحدود لحمايتها ومكافحة الإرهاب.
ويرى أن "أخطر ما يواجه أي رئيس مقبل هو الضغط الذي تمارسه القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين بجعلها الحياة مستحيلة داخل قطاع غزة"، وفي ظل تحذيرات من أن ذلك قد يدفع الفلسطينيين إلى اختراق حدود مصر، لكن مراقبين كثراً لا يرجحون هذه الفرضية "ولا سيما أن الفلسطينيين قد أبدوا رفضًا شديدًا لهذه الخطط مؤكدين عدم قبولهم خطط التهجير وتصفية القضية" كما يقول أستاذ العلوم السياسية.