عاد أكثر من ثلاثةٍ وثلاثين سجيناً فلسطينياً إلى منازلهم في الضفة الغربية المُحتلة يوم أمسٍ الجمعة وسط استقبال الأبطال بعد إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية ضمن اتفاق وقفِ إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
و قد أثار موكب السُجناء المُفرَج عنهم -بعضهم مُتهمون بجرائمَ طفيفة والبعض الآخر محكوم عليهم في هجمات- حشوداً ضخمة من الفلسطينيين في نقطة تفتيش خارج القدس، حيث بدأوا في الترديد والتصفيق ورفع الأيدي والصراخ.
و قد عبر خمسة عشر شاباً مذهولاً، جميعهم يرتدون ملابس رياضية رمادية ملطخة ويبدون هزيلين من الإرهاق، على أكتاف آبائهم الذين اغرورقت أعينهم بالدموع وسط إطلاق الألعاب النارية التي حوّلت سماء الليل إلى ألوانٍ مُشتعلة وتصاعد الموسيقى الفلسطينية الوطنية.
و بعض المفرج عنهم كانوا ملفوفين بالأعلام الفلسطينية، وآخرون بأعلام حماس الخضراء. و قاموا برفع إشارات النصر أثناء قيام الجماهير بحملهم فوق رؤوسهم.
و قال (جمال براهمة) البالغ من العُمر 17 عاماً، و الذي تم الإفراج عنه حديثاً وهو يبحث عن شيء ليقوله لحشود الصحفيين المتدافعين وآلاف الفلسطينيين المرددين الهتافات، حيث كان العديد منهم يرتدي الزي الوطني: "ليس لديَّ كلمات، ليس لديَّ كلمات، الحمد لله".
و تساقطت الدموع على خديّ والد جمال (خليل براهمة) حيث أخذ ابنه من على كتفيه ونظر في عينيه للمرة الأولى منذ سبعة أشهر. حيث قامت القوات الإسرائيلية بتوقيف (جمال) في منزله في مدينة أريحا الفلسطينية الربيع الماضي واحتجزته بدون توجيه تهمة أو محاكمة.
و قال: "أريد فقط أن أعيش كوني والده مرة أخرى".
و جاء إطلاق سراح السُجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية بعد ساعاتٍ قليلة من إطلاق سراح اثنين وعشرين رهينة، بما في ذلك 13 إسرائيلياً، من الأسر في قطاع غزة في صفقة تبادُلية أولية بين الرهائن الإسرائيليين والسُجناء الفلسطينيين خلال وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام بدأ يوم أمسٍ الجمعة.
و وفقاً للاتفاق، فيجب على حماس الإفراج عن 50 رهينة على الأقل، وإسرائيل الإفراج عن 150 سجيناً فلسطينياً خلال الأربعة أيام. وقد أعلنت إسرائيل أنه يمكن تمديد وقف إطلاق النار يوماً إضافياً مع كل 10 رهائن يتم إطلاق سراحهم.
و على الرغم من الأجواء الاحتفالية في بلدة بيتونيا بالقرب من سجن عوفر الضخم في الضفة الغربية، إلا أن الناس كانوا على أعصابهم.
حيث أمرت الحكومة الإسرائيلية الشرطة بإغلاق الاحتفالات خلال الإفراج عن السجناء. و في وقتٍ ما، قامت قوات الأمن الإسرائيلية بإطلاق قنابل الغاز المُسيّل للدموع على الحشود، مما أدى إلى هروب الشُبان والنساء الكبيرات في السن والأطفال الصغار وهم يبكون ويصرخون من الألم.
وقالت (ميس فقهة) وهي ترتمي في ذراعي صديقتها البالغة من العمر 18 عاماً (نور الطاهر) من نابلس، و التي تم اعتقالها خلال احتجاج في سبتمبر/ أيلول في المسجد الأقصى في القدس: "الجيش يُحاول سلب هذه اللحظة منا ولكنهم لا يستطيعون، هذا هو يوم انتصارنا".
و من بين الأسرى الفلسطينيين الذين تم إفراجهم يوم أمسٍ الجمعة، كان هناك 24 امرأة، بعضهن كانت قد صدرت بحقهن أحكام بالسجن لسنوات بسبب محاولات الطعن والهجمات الأخرى على قوات الأمن الإسرائيلية. وكان البعض الآخر قد تم اتهامهن بالتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما كان هناك أيضاً 15 مراهقاً من الذكور، ومعظمهم متهمون برمي الحجارة و"دعم الإرهاب"، وهو اتهامٌ معرّض للتفسير الواسع و يؤكد الحملة الإسرائيلية المستمرة طويلة الأمد ضد الشباب الفلسطيني في ظل تصاعد العنف في الأراضي المحتلة.
أما بالنسبة للعائلات على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في الصراع، فقد أثارت أخبار صفقة التبادل -وربما تكون أول لحظة مليئة بالأمل بعد 49 يوماً من الحرب- مزيجاً مريراً من الفرح والألم.
و قال (عبد القادر خطيب) موظف في الأمم المتحدة وفلسطيني: "كفلسطيني، قلبي مُحطم بشأن أخوتي في غزة، لذا لا يمكنني الاحتفال حقاً". وكان ابنه (إياس) البالغ من العمر 17 عاماً قد تم وضعهُ في العام الماضي في "احتجاز إداري" دون توجيه تهمة أو محاكمة وبناءً على أدلة سرية. وقال: "لكنني أب، وفي أعماقي، أنا سعيد جداً".
و وفقاً لنادي الأسرى الفلسطيني -وهو مجموعة دفاعية- فإن إسرائيل تحتجز حالياً 2200 فلسطيني في احتجاز إداري، وهو عدد قياسي. كما تدافع إسرائيل عن هذه السياسة المثيرة للجدل التي تعتبرها إجراءً لمكافحة الإرهاب.
و منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، عندما احتجزت حماس نحو 240 مواطناً إسرائيلياً وأجنبياً رهائن وقتلت 1400 إسرائيلي في هجومها غير المسبوق في جنوب إسرائيل، كان الفلسطينيون يتساءلون عن مصير سجنائهم.
حيث أن إسرائيل لديها تاريخ من الموافقة على صفقاتٍ غير متوازنة. ففي عام 2011، نجحت حماس في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) بالإفراج عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد (جلعاد شاليط).
و يُعد إطلاق سراح السجناء أمراً يمس المجتمع الفلسطيني في جوهره. حيث أن كل فلسطيني تقريباً لديه أحد أقاربه في السجن أو كان هو نفسه في السجن، و تقدر منظمات حقوق الإنسان أن أكثر من 750000 فلسطيني قد مروا عبر سجون إسرائيل منذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية في عام 1967.
و في حين تعتبر إسرائيل هؤلاء الأسرى إرهابيين، يُشير الفلسطينيون إليهم باسم الكلمة العربية المعنية بأسرى الحرب، وتخصص نسبة كبيرة من الأموال العامة لدعمهم وعائلاتهم. و قامت إسرائيل والولايات المتحدة بإدانة المنح المُقدمة لعائلات السجناء باعتبارها حافزاً للعنف.
و قالت (أميرة خضر)، مسؤولة الدعاية الدولية في أدمير وهي مجموعة تدعم السجناء الفلسطينيين: "هذه الصفقات من هذا النوع غالباً ما تُعد الأمل الوحيد الذي تمتلكه الأُسر لرؤية أبنائهم أو آبائهم حيث يتم إطلاق سراحهم قبل مرور سنوات عديدة. و ما يعيشون من أجله، يُعد كأمر معجزة من الله".
و منذ الهجوم الذي نفذته حماس، قامت إسرائيل بتصعيد حملة قمع في الضفة الغربية استمرت عدة أشهر ضد الفلسطينيين المشتبه في ارتباطهم بحماس وجماعات متطرفة أخرى. يتم إدانة العديد من السجناء من قبل المحاكم العسكرية، التي تقاضي الفلسطينيين بنسبة إدانة تزيد عن 99%. و تقول منظمات حقوق الإنسان إن الفلسطينيين غالباً ما يُحرمون من العدالة النظامية ويُجبرون على الاعترافات.
و وفقاً (لقدورة فارس) -مدير نادي الأسرى الفلسطيني- يوجد الآن 7200 فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وتم اعتقال أكثر من 2000 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وحده.
و في بيتونيا يوم أمسٍ الجمعة، واقفاً دون حراك، بدا الشاب الطويل القامة والذي يعاني من حب الشباب البالغ من العمر 16 عاماً (عبان حماد) مشوشاً من حالة البكاء والعناق وهتافات حماس من حوله. كانت هذه أول لمحة له على العالم بعد عام في السجن بتهمة رمي الحجارة في بلدة قلقيلية الشمالية. تم الإفراج عنه على الرغم من أن لديه ثمانية أشهر متبقية من عقوبته.
التفت نحو والده وعانقه. قال: "انظر، أنا أكبر منك تقريباً الآن".