تحليل: نظرة فاحصة على بعض الأدلة الرئيسية في انفجار مستشفى المعمداني في غزة
يمن فيوتشر - نيويورك تايمز- ترجمة: ناهد عبدالعليم : الاربعاء, 25 أكتوبر, 2023 - 11:18 مساءً
تحليل: نظرة فاحصة على بعض الأدلة الرئيسية في انفجار مستشفى المعمداني في غزة

يخلص تحليل لصحيفة التايمز إلى أن مقطع الفيديو الصاروخي الذي استشهدت به اسرائيل في حادثة قصف مستشفى المعمداني وعلى نطاق واسع لا يسلط الضوء على ما حدث بالفعل. 
و يُظهر الفيديو قذيفة تخترق سماء غزة المُظلمة وتنفجر في الهواء. وبعد ثوان شوهد انفجار آخر على الأرض.
و أصبحت اللقطات دليلاً يتم الاستشهاد به على نطاقٍ واسع، حيث أكد المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون أن صاروخاً فلسطينياً طائشاً تعطل في السماء، وسقط على الأرض وتسبب في انفجارٍ مُميت في المستشفى الأهلي العربي في مدينةِ غزة.
 لكن التحليل البصري التفصيلي الذي أجرتهُ صحيفة (نيويورك تايمز) يخلص إلى أن مقطع الفيديو -المأخوذ من كاميرا تلفزيون الجزيرة والذي تم بثه مباشرة ليلة 17 أكتوبر- يظهر شيئاً آخر. ومن المُرجح أن الصاروخ الذي يظهر في الفيديو ليس هو الذي تسبب في الانفجار في المستشفى. ووجدت (نيويورك تايمز) أن القُنبلة انفجرت في السماء على بُعد ميلين تقريباً، وهي جانب غير ذي صلة بالقتال الذي اندلع على الحدود بين إسرائيل وغزة في تلك الليلة.
و أن النتائج التي توصلت إليها الصحيفة لا تُجيب على السبب الحقيقي وراء انفجارِ المُستشفى الأهلي العربي، أو من هو المسؤول.
و يظل ادعاء وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية بأن فشل إطلاق صاروخ فلسطيني هو السبب معقولاً. لكن تحليل صحيفة (نيويورك تايمز) يُلقي بظلال من الشك على أحد الأدلة الأكثر انتشاراً والتي استخدمها المسؤولون الإسرائيليون لإثبات قضيتهم، ويزيد من تعقيد الرواية المباشرة التي طرحوها.
و أصبح انفجار المستشفى حَلقةً مؤلمة ومتنازع عليها في الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن غزت حماس -التي تسيطر على قطاع غزة- إسرائيل، وهو الهجوم الذي تقول الحكومة الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل أكثر من 1400 مدني وجندي، واحتجاز 200 رهينة، و الذين تم إعادتهم إلى غزة. و ردت إسرائيل على هجوم حماس بحملة قصفٍ مِدفعي وقصف متواصل أسفرت عن مقتل 5700 فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة، بينما يستعد الجيش الإسرائيلي لغزوٍ بري.
ويقوم المسؤولون الإسرائيليون والمسلحون الفلسطينيون بتبادل اللوم في انفجار الأهلي العربي.  حيث تُظهر العديد من مقاطع الفيديو التي جمعتها (صحيفة التايمز) وحللتها أن المسلحين كانوا يطلقون عشرات الصواريخ من جنوب غرب المستشفى قبل دقائق من الانفجار، ويتوافق الانفجار الناري في المستشفى مع سقوط صاروخ فاشل بعيداً عن هدفه بسبب الوقود غير المستنفد.
وتشير اللقطات أيضاً إلى حدوث قصفٍ إسرائيلي، و يمكن رؤية انفجارين بالقرب من المستشفى في غضون دقيقتين من قصفه.  وقال الرائد (نير دينار) -المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي- لصحيفة التايمز إن القوات العسكرية لم تكن تضرب "ضمن نطاق يُعرّض المستشفى للخطر"، لكنه رفض تحديد مدى مسافة الضربة الأقرب.
و بعد مرور أسبوع على مأساة المستشفى، لا تزال هناك الكثير من التساؤلات.
 و قد قدرت حماس عدد القتلى في البداية بـ 500 ثم تم انقاص الرقم إلى 471، و تعتقد وكالات الاستخبارات الغربية أنه أقل بكثير، ولكن لم يتم التحقق من العدد. ولم يُقصف المستشفى نفسه بشكل مباشر؛ وأياً كان سبب الانفجار فقد أصاب في الواقع ساحة المستشفى، حيث تجمع الناس بحثاً عن الأمان، بالإضافة إلى عدد قليل من السيارات المتوقفة.
 علاوة على ذلك، فإن الحفرة التي خلفها الارتطام كانت صغيرة نسبياً، وهي حقيقة استشهدت بها إسرائيل في حُجتها بأن لا يوجد من ذخائرها لم يتسبب بانفجار، ويمكن أن تكون متسقة مع عدد من الذخائر المختلفة.  ولم تقدم حماس أي بقايا ذخيرة إسرائيلية أو أي دليلٍ مادي يدعم ادعاءها بأن إسرائيل هي المسؤولة.
وقال مسؤولون في المخابرات الأمريكية يوم الثلاثاء إن الوكالات قدرت أن الفيديو يُظهر صاروخاً فلسطينياً أُطلِق من غزة و يعاني من "عطل كارثي في ​​المحرك" قبل أن يصطدم جزء من الصاروخ بأرض المستشفى.  كما قال مسؤول كبير في المخابرات إن السلطات لا يمكنها استبعاد ظُهور معلوماتٍ جديدة من شأنها أن تغير تقييمها، لكنه قال إن لديهم ثقة كبيرة في استنتاجاتهم.
 ورداً على سؤال حول النتائج التي توصلت إليها (نيويورك تايمز) قال متحدث باسم مكتب مدير المخابرات الوطنية إن صحيفة نيويورك تايمز ووكالات المخابرات الأمريكية لديها تفسيراتٍ مختلفة للفيديو.
لذا فإن فهم ما حدث أمرٌ معقد بشكل خاص لأن إسرائيل وحماس ظلتا تطلقان النار على بعضهما البعض منذ بدء الحرب.
و وفقاً لأدلة الفيديو والصفحة الرسمية للمستشفى على فيسبوك، فقد أطلقت إسرائيل أكثر من 8000 قذيفة على غزة، في ما أصبح اعتداءً وحشياً، بل إنها ضربت المستشفى الأهلي العربي بقذيفة مدفعية مُضيئة قبل ثلاثة أيام.
 وواصلت حماس والجهاد الإسلامي استهداف إسرائيل بالصواريخ القاتلة من مواقع الإطلاق المخفية داخل غزة.  وقد تعطلت الصواريخ الفلسطينية في الماضي، وتقول أحد التقديرات إن 15% من الصواريخ التي تطلقها الجماعات المسلحة في غزة تفشل.
 وفي غضون ساعة من انفجار المستشفى، بدأت حرب المعلومات. وسرعان ما ألقت حماس باللوم على الغارة الجوية الإسرائيلية، في حين أن الجيش الإسرائيلي سرعان ما نفى أي مسؤولية وألقى اللوم على صاروخٍ فلسطينيٍ مُعطل.
و أصدر المسؤولون الإسرائيليون تقريراً عن الانفجار في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، كما أعلنوا عن محادثةٍ قالوا إنه تم اعتراضها بين مُقاتلي حماس الذين يُلقون اللوم على حركة الجهاد الإسلامي في الانفجار.  واستشهدت إسرائيل أيضاً بعدة أدلة أخرى لم يتم الإعلان عنها، بما في ذلك سجلات النشاط العسكري والمعلومات المستمدة من أنظمة الرادار وغيرها من المقاطع الصوتية ومقاطع الفيديو الأخرى.
 وفي الوقت نفسه، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى فيديو قناة الجزيرة في المقابلات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي.
و تمت مشاركة لقطات فيديو الجزيرة ثلاث مرات من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية على موقع X، المعروف سابقاً باسم Twitter. وفي المنشورات، حدد الجيش الإسرائيلي الجسم الجوي المتحرك على أنه “صاروخ موجه نحو إسرائيل، و الذي أخطأ وانفجر في نفس الوقت تقريبًا الذي وقع فيه انفجار المستشفى الأهلي العربي". كما حدد المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي صراحةً هذه الذخيرة على أنها الصاروخ الذي أخطأ في الإطلاق والذي تسبب في الانفجار في مقابلات مع شبكة سي إن إن وبي بي سي في 18 أكتوبر/ تشرين الأول وفي مقابلة مع إنديا توداي في 19 أكتوبر/ تشرين الأول.
 وقامت العديد من وسائل الإعلام بعرض مقطع الفيديو واستشهد به العديد منها كدليل على سقوط صاروخ فلسطيني على المستشفى.
لكن صحيفة (نيويورك تايمز) خلصت إلى أن الصاروخ الذي ظهر في الفيديو لم يكن قريباً من المستشفى على الإطلاق. و لقد تم إطلاقه من إسرائيل، وليس من غزة، ويبدو أنه انفجر فوق الحدود بين إسرائيل وغزة، على بعد ميلين على الأقل من المستشفى.
ولتتبع الجسم الموجود في السماء وصولاً إلى الأراضي الإسرائيلية، قامت صحيفة (نيويورك تايمز) بمزامنة لقطات الجزيرة مع خمسة مقاطع فيديو أخرى تم تصويرها في نفس الوقت، بما في ذلك لقطات من محطة تلفزيون إسرائيلية، القناة 12، وكاميرا CCTV في تل أبيب. و قدمت مقاطع الفيديو المختلفة هذه رؤية للصاروخ من الشمال والجنوب والشرق والغرب.  وباستخدام صور الأقمار الصناعية لتحديد نقطة الإطلاق في مقاطع الفيديو هذه، توصلت الصحيفة إلى أن القذيفة أُطلقت باتجاه غزة من مكان قريب من بلدة ناحال عوز الإسرائيلية قبل وقت قصير من انفجار المستشفى المميت. و تتطابق النتائج مع الاستنتاج الذي توصل إليه بعض الباحثين عبر الإنترنت.
 بالإضافة إلى ذلك، تظهر مقاطع الفيديو أن المقذوف الذي صورتهُ قناة الجزيرة تم إطلاقه بعد وابل من الصواريخ الفلسطينية التي يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنها كانت مسؤولة عن انفجار المستشفى.
 من الساعة 6:59 مساءً تظهر مقاطع الفيديو، في 17 أكتوبر/تشرين الأول، إطلاق وابل من الصواريخ الفلسطينية من موقعين جنوب غرب وشمال غرب المستشفى الأهلي العربي.  ويمكن رؤية ألسنة اللهب المنبعثة من الصواريخ الفلسطينية في سماء الليل بينما تدفعها محركاتها باتجاه الشمال الشرقي باتجاه إسرائيل. و مرت أكثر من 25 ثانية بين الصاروخ الفلسطيني الأخير وبين انفجار المستشفى.
و لا تستطيع (التايمز) تحديد نوع المقذوف الذي تم إطلاقه من إسرائيل بشكلٍ مستقل، على الرغم من أنه تم إطلاقه من منطقة معروفة بوجود نظام دفاع القبة الحديدية. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه لا يطلق صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية على غزة، وبالفعل ربما لم يعبر الصاروخ الذي ظهر في الفيديو إلى داخل أراضي غزة. كما صرح الجيش الإسرائيلي أن القبة الحديدية لم تقُم بإطلاق أي صواريخ اعتراضية في ذاك الوقت والمنطقة حتى يحلوا محل التساؤلات.


التعليقات