لطالما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في التعامل مع إيران، لكن العلاقة ازدادت تعقيدا بعد موجة الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة مهسا أميني قبل عام.
وهاجم الجمهوريون الرئيس جو بايدن لموافقته بالتزامن تقريبا مع ذكرى الحركة الاحتجاجية على اتفاق يفرج عن عائدات نفطية إيرانية بقيمة ستة مليارات دولار مقابل إعادة خمسة سجناء أميركيين.
يؤكد مسؤولون ودبلوماسيون بأن الإدارة الأميركية لا ترى بدائل كثيرة للتواصل مع الجمهورية الإسلامية، في ظل احتمال إعادة إطلاق المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكن قلة هم من يتوقعون بأن يستثمر بايدن سياسيا من أجل التوصل إلى اتفاق جديد جوهري مع الدولة المعادية لواشنطن وإسرائيل.
وأفاد بايدن نفسه في تصريحات التقطتها الكاميرات خلال تجمّع انتخابي بأن اتفاق 2015 النووي المعروف رسميا بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" الذي أبرمه باراك أوباما وتخلى عنه دونالد ترامب قبل أن تقضي إدارة بايدن شهورا وهي تحاول التفاوض لإعادة إحيائه، بات "في حكم الميت".
وقالت الخبيرة في الشأن الإيراني لدى "المجلس الأطلسي" هولي داغرز إن "إيران لطالما كانت موضوعا مثيرا للاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة".
وتابعت "لكن حدثين يتمثلان بتزويد طهران روسيا بمسيّرات مسلّحة من أجل حربها في أوكرانيا والاحتجاجات المتواصلة ضد المؤسسة (الحاكمة) بعد عملية قتل مهسا جينا أميني جعلت ملف طهران سامّا سياسيا".
وأضافت "لا يعني ذلك بأن الدبلوماسية -- مثل اتفاق الرهائن الحالي -- غير ممكنة، لكن تسويق اتفاقية تاريخية جديدة مثل خطة العمل الشاملة المشتركة سيكون صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا، بالنسبة لطرفي الطيف السياسي الأميركي (أي الديموقراطيين والجمهوريين)، نظرا لأحداث العام الماضي".
وأكد دبلوماسي مقره واشنطن بأن "آخر أمر يريده بايدن هو تركيز حملته العام المقبل على إيران".
• أكثر تشددا من أوباما
توفيت الإيرانية الكردية أميني (22 عاما) في 16 أيلول/سبتمبر 2022 بعد توقيفها في طهران بتهمة خرق قواعد اللباس الصارمة المفروضة من قبل القيادة الدينية على النساء.
وأثارت وفاتها احتجاجات في أنحاء البلاد استمرت شهورا وقتل فيها المئات، لتشكّل أكبر تهديد للجمهورية الإسلامية التي تأسست بعد سقوط الشاه ذو التوجهات الغربية عام 1979.
وأشار وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان علنا إلى أن إعادة إحياء الاتفاق النووي كان أمرا مطروحا في أيلول/سبتمبر الماضي قبل اندلاع الاحتجاجات.
وصدرت تصريحات قوية عن إدارة بايدن دعما للاحتجاجات التي قادتها النساء واتّخذت خطوات شملت فرض عقوبات على شرطة الأخلاق سيئة الصيت.
شكّل ذلك تباينا لافتا مع رد الفعل المتحفّظ الذي صدر عن أوباما على احتجاجات 2009 في إيران التي أعقبت انتخابات مثيرة للجدل، وهو موقف أعرب الرئيس السابق لاحقا عن أسفه عليه قائلا إن هدفه تمثّل بعدم إفساح مجال لطهران لتصوير المتظاهرين على أنهم دمى في أيدي الغرب.
لكن في تصريحات مسّجلة العام الماضي وجّهها إلى الجالية الإيرانيين في الخارج، قال بايدن إنه لن يعلن رسميا موت خطة العمل الشاملة المشتركة، ملمّحا إلى أن الإبقاء عليها وإن كان على الورق ما زال أمرا مفيدا، فيما لم يصدر أي تعليق عن الولايات المتحدة بشأن تخصيب إيران اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز تلك التي يسمح بها اتفاق 2015.
وأفاد المدير المؤسس برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط أليكس فاتانكا "من الواضح بأن كل ما يريده فريق بايدن هو منع تحوّل مسألة إيران إلى أزمة".
وتابع أن "الرئيس بايدن وفريقه منشغلون بأوكرانيا والصين".
ولفت إلى أن بايدن اختار "اتفاقا غير معلن" يتمثّل بتطبيق أقل صرامة للعقوبات مقابل اتّخاذ إيران نهجا يقوم على المواجهة بشكل أقل.
وقال فاتانكا إنه بخلاف الإدارات السابقة "لا أحد في إدارة بايدن، على حد علمي، لديه أي أوهام عن تغيير كبير من نوع ما في إيران".
• لا خيار غير المحادثات؟
ذكر فاتانكا بأن الاحتجاجات دفعت بايدن لتجميد مواقفه إلى أن يتبيّن عدم وجود بديل واضح في إيران.
وأكد مدير مشروع إيران لدى مجموعة الأزمات الدولية علي فائز بأن الاحتجاجات جعلت التواصل العام الماضي "سامّا تماما" بالنسبة لإدارة بايدن والأوروبيين على حد سواء.
لكنه يعتقد بأن إدارة بايدن ستسعى لمزيد من المحادثات، على الأرجح في الأسابيع المقبلة، فيما تبدو الدبلوماسية الطريقة الأمثل للتعامل مع طهران وإن كان إبرام اتفاق كبير أمرا غير واقعي.
وأوضح فائز أنه "في نهاية المطاف، كان هذا النظام قاتلا عام 2015 أيضا"، عندما أُبرمت معه اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة.
وشدد على أنه "لا يمكن الوثوق بامتلاك نظام أصاب مئات المتظاهرين بالعمى باستخدام الرصاص المطاطي، لأسلحة نووية"، لكنه أقرّ بأن "لا خيار آخر (أمام بايدن) غير التعامل" معه.