يسود ترقب واسع للقاء الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين الذي سيعقد في مدينة سوتشي جنوب روسيا الاثنين في ظل تمسك موسكو بموقفها بشأن العودة إلى اتفاقية الممر الآمن للحبوب في البحر الأسود. وبحسب ما أعلن في أنقرة وأكده الكرملين، الجمعة، سيستقبل بوتين الرئيس التركي الاثنين. وسيتصدر ملف اتفاقية الحبوب التي توقّف العمل بها بعد نحو عام من توقيعها بسبب اعتراض روسيا على عرقلة الغرب تنفيذ الشق الخاص بتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة منها إلى الخارج أسوة بتصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا.
وأظهرت مباحثات تمهيدية أجراها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو يومي الخميس والجمعة، إصرار روسيا على موقفها وهو عدم العودة إلى الاتفاقية، الموقّعة مع أوكرانيا بوساطة تركيا ورعاية الأمم المتحدة في إسطنبول في 22 يوليو (تموز) 2022، ما لم يتم تنفيذ الشق الخاص بها. وقال لافروف، بعد محادثاته مع فيدان في موسكو، الخميس، إنه «أبلغه ما يجب أن يفعله الغرب لاستئناف اتفاقية الحبوب... في حال أوفى الغرب بوعوده، فإنه سيتم استئناف العمل بالاتفاقية بشكل فوري».
بدوره، أقرّ وزير الخارجية التركي بوجود «هفوات وأخطاء» شابت تنفيذ الاتفاقية التي توقف العمل بها في 17 يوليو (تموز) الماضي، قائلاً: إنه يتم العمل على تلافيها من أجل استئناف العمل بالاتفاقية.
وكشف فيدان عن أن الأمم المتحدة أعدت «حزمة جديدة من المقترحات» بمساهمة تركيا، مشيراً إلى أن هذه الحزمة ستشكل «أساساً مناسباً لإحياء الاتفاقية». وشدد على أن تركيا ستواصل جهودها؛ نظراً لما تشكله اتفاقية الحبوب من أهمية بالنسبة للأمن الغذائي العالمي والاستقرار والسلام في البحر الأسود.
وتؤكد تركيا أن أي طرق بديلة عن الممر الآمن لتصدير الحبوب في البحر الأسود لن تكون مناسبة وستكون محفوفة بالمخاطر. كما تؤيد موقف روسيا من ضرورة تنفيذ الشق الخاص بها في الاتفاقية، وبأن الاتفاقية لم يستفد بها سوى الدول الغربية في المقام الأول، بينما لم تصل الحبوب التي خرجت من أوكرانيا إلى الدول الفقيرة والمحتاجة، لا سيما في أفريقيا.
وكان مصدر مشارك في المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاقية كشف لوكالة «سبوتنيك» الروسية عن أن تركيا والأمم المتحدة أُحيطتا علماً بمقترح إنشاء «ممر بديل» لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر نهر الدانوب، لكن تركيا أكدت أن أي طرق بديلة لتصدير الحبوب محفوفة بالمخاطر. وأوضح أن الجانب التركي يركز على استئناف اتفاقية الحبوب بصيغتها الأصلية، وأن العمل جارٍ في هذا الاتجاه.
وقالت مصادر تركية: إن أنقرة حذّرت في اتصالاتها مع شركائها الغربيين من مخاطر حدوث ارتفاع حاد في أسعار الغذاء، على خلفية التصعيد الجاري في منطقة البحر الأسود. وقال فيدان: «إنه يتم بحث الكثير من التفاصيل الفنية، وسيتم تقديمها لقادتنا لمناقشتها بالتفصيل».
وسمحت الاتفاقية، المجمدة، بخروج 33 مليون طن من الحبوب من 3 موانئ أوكرانية مشمولة بها. ونصت كذلك على تهيئة الظروف لتصدير المنتجات الزراعية والأسمدة من روسيا، لكن العقوبات الغربية على روسيا حالت دون ذلك. وقال لافروف، إن بلاده لن تكتفي بمجرد وعود بالنسبة إلى صادراتها الزراعية، بل تريد «ضمانات» مع نتيجة ملموسة، وفي هذه الحالة يمكن أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ مجدداً على الفور.
وسابقاً، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن شروط الاتفاقية مع روسيا لم يتم الالتزام بها، وإنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، فإن الدول الغربية لم تفِ بوعودها. وأشار لافروف إلى أنه بحث مع نظيره التركي مبادرة الرئيس بوتين لتصدير مليون طن من القمح إلى تركيا لمعالجتها وتصديرها لاحقاً إلى الدول المحتاجة بمشاركة قطر. وقالت مصادر تركية: إن الاقتراح سيدرس خلال لقاء الرئيسين في سوتشي الاثنين، لكنه لا يمثل بديلاً لاتفاقية إسطنبول للحبوب.
وسبق أن تحدث إردوغان عن هذا المقترح عقب اتصال هاتفي مع بوتين الشهر الماضي، جاء بعد أشهر من فتور خيم على العلاقات القوية بين البلدين، عن مبادرة بوتين، وأكد استعداد تركيا لاستقبال القمح وتحويله إلى دقيق وإرساله إلى الدول الأفريقية المحتاجة.
ولفت لافروف إلى أنه تطرق مع نظيره التركي إلى الملف الأوكراني بالتفصيل، وأوضح له استحالة التعويل على تمرير «صيغة زيلينسكي للسلام»، قائلاً إن الصيغة التي طرحها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتسوية في أوكرانيا «مرفوضة ومآلها الفشل».
وأكد وزير الخارجية التركي أنه لا يوجد منتصر في الحرب الجارية في أوكرانيا شأنها شأن كل الحروب، قائلاً: «إننا حاولنا، وما زلنا، إيجاد حلول سياسية للأزمة الأوكرانية ودور أنقرة هو دور الوسيط».
وتسعى تركيا إلى إحياء اتفاقية الحبوب أملاً في استخدام ذلك كمنطلق لوساطة من أجل مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا.
وجاءت زيارة فيدان لموسكو بعد زيارة «مفاجئة» قام بها إلى كييف، الأسبوع الماضي في مسعى لتأمين موقف مشترك للجانبين بشأن استئناف اتفاقية الحبوب بعد أن بدأت أوكرانيا تطرح بدائل عن الممر الآمن تضمن خروج الحبوب عبر المياه الدولية. وبحث وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، مع وزير البنى التحتية والتنمية الإقليمية الأوكراني، أولكساندر كوبراكوف، الخميس، استئناف العمل باتفاقية الحبوب، بالتزامن مع زيارة فيدان إلى موسكو. وقال أورال أوغلو: «نتابع الجانب البحري وما يتعلق بالنقل في اتفاقية الحبوب، وأود أن أجدد أننا سنكون دائماً جاهزين للقيام بما يقع على عاتقنا بهذا الصدد».
قال أولكسندر كوبراكوف، نائب رئيس الوزراء الأوكراني، الجمعة: إن سفينتي شحن أخريين غادرتا ميناء بالقرب من أوديسا، وهما السفينتان الثالثة والرابعة اللتان تبحران من موانئ أوكرانية عبر البحر الأسود منذ انسحاب روسيا من الاتفاق. وذكر كوبراكوف أن سفينتي شحن الحبوب «آنا تيريزا» و«أوشن كورتسي» غادرتا ميناء بيفديني عبر ممر مؤقت مخصص للسفن المدنية. وتحاصر روسيا الموانئ الأوكرانية، وهددت بمعاملة جميع السفن على أنها أهداف عسكرية محتملة.
وأعلنت أوكرانيا رداً على ذلك تشغيل «ممر إنساني» على الساحل الغربي للبحر الأسود قرب رومانيا وبلغاريا. وتمكنت حتى الآن سفينتان كانتا محاصرتين في موانئ أوكرانية خلال الغزو من الاستعانة بالممر في الرحيل. وكتب كوبراكوف على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «آنا تيريزا» تحمل 56 ألف طن متري من الحديد الزهر، وأن «أوشن كورتسي» تحمل 172 ألف طن من الحديد الخام المركز.
وأظهرت بيانات خريطة تفاعلية أن السفينتين تبعدان أكثر من عشرة كيلومترات عن الشاطئ الجمعة، وأنهما مبحرتان باستخدام محركيهما ومتوجهتان نحو الجنوب الشرقي.
وكتب المحامي الأوكراني أولكسي هونتشارينكو المقيم بأوديسا على تطبيق «تلغرام» الجمعة، كما نقلت عنه «رويترز»، أن سفينتين شوهدتا بالقرب من المدينة. ونشر صورة تظهر فيها سفينتان بعيدتان في الأفق. ولم يتسن لـ«رويترز» التحقق من تاريخ الصورة أو موقعها.