كشفت منظمة العمل الدولية، الاثنين، عن تسجيل ارتفاع في عمالة الأطفال للمرة الأولى منذ 20 عاما، وحذرت من أن ملايين آخرين معرضون لمخاطر الاستغلال في العمل خلال السنوات القادمة.
وأوضح المدير العام للمنظمة، جيلبرت هونجبو، في تصريح صحفي بمناسبة تخليد اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال، أن عدد الأطفال العاملين يصل إلى 160 مليون طفل، أي ما يقرب من واحد من كل 10، في جميع أنحاء العالم.
وأبرز المسؤول أن أكثر من نصف الأطفال العاملين، أي 80 مليون طفل، يعملون في ظروف شاقة تمثل تهديدا حقيقيا لصحتهم الجسدية والعقلية، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم "مزيد من العدالة الاجتماعية وتكثيف مكافحة عمالة الأطفال".
وأشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة إلى أن الظاهرة أكثر انتشارا في البلدان الأقل نموا، التي يلتحق فيها طفل واحد من بين كل أربعة أطفال (ممن تتراوح أعمارهم بين سني 5 و 17 سنة) بالعمل لممارسة مهام مضرة بصحتهم ونموهم.
وتعرّف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها العمل الذي "يحرم الأطفال من طفولتهم وإمكاناتهم وينال من كرامتهم ويضر بنموهم البدني والنفسي، والذي يشكل خطرا نفسيا أو بدنيا أو اجتماعيا أو يضر أخلاقيا بالأطفال و/أو يؤثر سلبا على دراستهم".
وتحتل أفريقيا المرتبة الأولى في قائمة أكثر مناطق العالم التي ينتشر فيها تشغيل الأطفال بمعدل 72 مليون طفل، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ المرتبة الثانية حيث يصل العدد إلى 62 مليون طفل.
وتقدر منظمة العمل الدولية عدد الأطفال الموجودين في سوق العمل بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 13.4 مليون طفل، أي حوالي 15 بالمئة من إجمالي الأطفال في الدول العربية، بحسب آخر أرقامها.
وتشير معطيات المنظمة الدولية إلى أن المستوى الحقيقي لعمل الأطفال في المنطقة العربية قد يكون "أعلى من هذا الرقم بكثير"، وذلك بسبب غياب معطيات دقيقة وانتشار عمالة الأطفال في القطاعات الاقتصادية غير الرسمية.
وتتجاوز نسب عمالة الأطفال في المنطقة بأشواط المعدلات العالمية في الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض وذات الدخل المتوسط المرتفع، ما يشير إلى وجود عوامل استثنائيّة تدفع الأطفال بأعداد متزايدة إلى سوق العمل في المنطقة العربيّة، بحسب تقرير للمنظمة غير الربحية "فنك".
وفيما سعت دول المنطقة لمحاصرة انتشار عمالة الأطفال خلال السنوات الأخيرة، من خلال وضع قوانين وتشريعات محلية تتوافق مع الاتفاقيات الدولية لتقييد الظاهرة، تشير منظمات دولية إلى أن تنفيذ هذه الإجراءات يواجه مجموعة من التحديات.
في هذا الجانب أشار تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى أن الصراعات وموجات النزوح والهشاشة الاقتصادية وضعف الخدمات وانعدام البدائل لدخل الأسرة، عوامل أساسية تساهم في زيادة عمالة الأطفال في المنطقة.
وأمام اختلاف أشكال عمل الأطفال وحجمه في المنطقة، يوضح التقرير أن الدول العربية تواجه إشكالات عديدة لمكافحة الظاهرة، أبرزها ضعف القدرة على الرصد وقلة الأبحاث والبيانات عن عمل الأطفال، إضافة إلى صعوبة معالجة الأشكال الخفية لعمالة الأطفال مثل الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر وغيرها.
من جهته، يكشف تقرير "عمل الأطفال في المنطقة العربية: تحليل كمي ونوعي" الذي تم إعداده من طرف جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية، أن الأطفال في أجزاء من المنطقة العربية "يستدرجون بشكل متزايد إلى أسوأ أشكال عمل الأطفال ويتعرضون للاستغلال والاعتداء وسوء المعاملة وانتهاك الحقوق بشكل خطير ومقلق".
ويكشف التقرير أن "الأطفال اللاجئين والمهجرين يعملون في أنشطة في شتى القطاعات، مع زيادة ملحوظة في العمل في الشوارع والسخرة والزواج المبكر والاستغلال الجنسي التجاري"، مشيرا إلى أن "عمل الأطفال ما هو بالأساس سوى آلية تأقلم مع الواقع تلجأ إليها أسرهم التي تواجه الفقر المدقع أو التي يكون فيها البالغين عاطلين عن العمل".
وتتباين درجة مشاركة الأطفال في العمل بشكل كبير في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث أظهرت السودان واليمن أعلى معدلات عمل الأطفال (19.2 بالمائة و34.8 بالمئة على التوالي).
ويشدد التقرير على أن "الحاجة ملحة وفورية لحماية الأطفال في المنطقة العربية، سواء كان استغلالهم الخطير نتيجة لقضايا اقتصادية بحتة أو مقترنا بالنزاع والتهجير.
ويقول التقرير: "يتعين على الدول العربية أن تدرك أن عمل الأطفال يفرض تحديات فورية ومستقبلية ليس فقط على الأطفال أنفسهم، ولكن أيضا على دولهم ومجتمعاتهم، وكذلك على الاقتصاد الأوسع".
ويضيف: "من الملح الآن معالجة الأسباب الجذرية لقضية عمل الأطفال وتداعياتها، والقضاء عليها في نهاية المطاف، خاصة في أسوأ أشكالها".
وتشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف الدول العربية متأثرة حاليا بالنزاعات أو تدفقات اللاجئين والمهجرين داخليا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يؤثر على وضعية الأطفال.
ويكشف المصدر ذاته ارتفاع نسبة تجنيد الأطفال، سواء من السكان المحليين أو اللاجئين، واستغلالهم من قبل الجماعات المسلحة، لا سيما في اليمن وسوريا والعراق.
ويضيف التقرير أن الأطفال في أجزاء من المنطقة يجبرون على ممارسة أنواع جديدة من الأنشطة المرتبطة بحالات النزاع المسلح، مثل تهريب البضائع عبر الحدود أو بين مناطق القتال، وجمع النفايات النفطية، والقيام بالأعمال الخاصة بالجنائز (جمع أجزاء الجسم من أجل دفنها)، بالإضافة إلى جلب المياه أو جمع الطعام من الحقول ومكبات النفايات المليئة بمخلفات الحرب".
ويقدم التقرير توصيات إلى الدول الـ22 الأعضاء في جامعة الدول العربية لتحسين أطر الحوكمة لديها، لا سيما من خلال مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير القانونية الدولية، وضمان التنفيذ الفعال لقوانين ولوائح عمل الأطفال.
ويوصي التقرير أيضا بحماية الأطفال من الضعف الاقتصادي والاجتماعي من خلال تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر حتى لا تلجأ إلى عمل الأطفال لتوليد دخل للأسر التي يعاني فيها البالغون من الفقر والبطالة. ويتطلب تحقيق ذلك تحسين سياسات سوق العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك برامج التعليم والتوعية.
ومن ضمن توصياته أيضا حماية الأطفال من تأثير النزاع المسلح من خلال البرامج الإنسانية ومساعدة اللاجئين والمهجرين، وحماية الأطفال من التجنيد والاستخدام في النزاعات المسلحة، وإعادة تأهيل وإدماج الأطفال الذين يستخدمون في النزاعات المسلحة.