وصل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي صباح الأربعاء إلى دمشق في زيارة رسمية هي الأولى لمسؤول إيراني في هذا المنصب إلى الدولة الحليفة التي قدّمت طهران لحكومتها دعماً كبيراً على مستويات عدّة منذ اندلاع النزاع في العام 2011.
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنّ رئيسي وصل إلى مطار دمشق الدولي على رأس "وفد وزاري سياسي واقتصادي كبير" في زيارة ستستغرق يومين.
وسيلتقي رئيسي، وفق سانا، نظيره السوري بشار الأسد ويجري معه "مباحثات سياسية واقتصادية موسعة يليها توقيع عدد من الاتفاقيات".
ويضمّ الوفد الإيراني كلاً من وزراء الخارجية، والطرق وبناء المدن، والدفاع، والنفط والاتصالات.
وكان المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي قال في طهران الثلاثاء إنّ الزيارة التي تأتي تلبية لدعوة من الأسد، ترتدي "أهمية استراتيجية" للبلدين وأن هدفها "اقتصادي".
وتشهد دمشق إجراءات أمنية مشددة، وانتشاراً كثيفاً للقوى الأمنية في مناطق سيمرّ بها موكب الرئيس الإيراني. كما ارتفعت الأعلام الإيرانية على أعمدة الإضاءة عند طريق المطار وآخر يؤدي إلى منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة. كما عُلقت صور للرئيسين الإيراني والسوري كتب عليها "أهلاً وسهلاً" باللغتين العربية والفارسية.
كما أزيلت حواجز حديدية واسمنتية ضخمة كانت أقيمت حول السفارة الإيرانية في دمشق منذ سنوات النزاع الأولى، وفق ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.
وتأتي زيارة رئيسي في خضمّ تقارب بين الرياض وطهران اللتين أعلنتا في آذار/مارس استئناف علاقاتهما بعد طول قطيعة على خلفية النزاع السوري، بينما يسجّل انفتاح عربي، سعودي خصوصاً، تجاه دمشق التي قاطعتها دول عربية عدة منذ العام 2011.
والزيارة هي الأولى لرئيس إيراني منذ أكثر من 12 عاماً برغم الدعم الكبير، الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي قدّمته طهران لدمشق والذي ساعد في تغيير مجرى النزاع لصالح القوات الحكومية.
وهدأت الجبهات في سوريا نسبياً منذ 2019، وإن كانت الحرب لم تنته فعلياً. وتسيطر القوات الحكومية حالياً على غالبية المناطق التي فقدتها في بداية النزاع. وبات استقطاب أموال مرحلة إعادة الإعمار أولوية لدمشق بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج.
وسيجول رئيسي، وفق صحيفة "الوطن" المقرّبة من الحكومة السورية، على مناطق عدة في دمشق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي في طهران الإثنين إنّ "سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار، والجمهورية الإسلامية في إيران (...) جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً"، كما كانت إلى جانبها "في القتال ضد الإرهاب" والذي اعتبره "مثالاً ناجحاً على التعاون بين الدولتين".
ومنذ سنوات النزاع الأولى، أرسلت طهران مستشارين عسكريين لمساندة الجيش السوري في معاركه ضدّ التنظيمات الجهادية والمعارضة، التي تصنّفها دمشق "إرهابية"، بينما تقاتل مجموعات من جنسيات أخرى موالية لإيران على رأسها حزب الله اللبناني إلى جانب القوات الحكومية.
وتُستهدف المجموعات الموالية لطهران غالباً بضربات إسرائيلية منذ سنوات، فيما تكرّر الدولة العبرية، العدوّ اللدود للجمهورية الإسلامية، بأنّها لن تسمح للأخيرة بترسيخ وجودها على مقربة منها.
من السياسة الى الاقتصاد
وأوردت صحيفة "الوطن" أنّ الزيارة ستتضمن "توقيع عدد كبير من اتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تشمل مختلف أوجه التعاون، لا سيّما في مجالات الطاقة والكهرباء".
وأضافت أنّه ستجري على هامش الزيارة "مفاوضات حول خط ائتماني إيراني جديد لسوريا، يتمّ استثماره في قطاع الكهرباء" المتداعي، إذ تتجاوز ساعات التقنين الكهربائي في سوريا عشرين ساعة يومياً.
ومنذ العام الأول للنزاع، فتحت طهران خطاً ائتمانياً لتأمين احتياجات سوريا من النفط خصوصاً.
ووقّع البلدان اتفاقات ثنائية في مجالات عدة خلال السنوات الماضية، تضمّن أحدها مطلع عام 2019 تدشين "مرفأين هامين في شمال طرطوس وفي جزء من مرفأ اللاذقية".
وخلال استقباله الأسبوع الماضي وفداً اقتصادياً ترأسه وزير الطرق والمدن الإيراني في دمشق، اعتبر الأسد أنّ "ترجمة العمق في العلاقة السياسية بين سوريا وإيران إلى حالة مماثلة في العلاقة الاقتصادية هي مسألة ضرورية".
وزار الأسد طهران مرتين بشكل معلن خلال السنوات الماضية، الأولى في شباط/فبراير 2019 والثانية في أيار/مايو 2022، والتقى خلالها رئيسي والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
ويقول المحلّل السياسي السوري أسامة دنورة لفرانس برس إنّ "الجانب الإيراني طرح نفسه بقوة كمساهم في مرحلة إعادة الاعمار"، مرجّحاً أن "تحقّق الزيارة نتائج اقتصادية مهمة، وقد يتمّ التركيز على استراتيجيات اقتصادية بعيدة المدى".
وتخضع سوريا بسبب مواجهتها الاحتجاجات ضد السلطة في بداية النزاع، وإيران بسبب برنامجها النووي، لعقوبات دولية قاسية تجعل كلّ التعاملات المالية والتحويلات المصرفية أمراً شبه مستحيل بالنسبة الى حكومتيهما.
هدوء سياسي
وبالإضافة إلى الاتفاق السعودي-الإيراني، تأتي الزيارة على وقع وساطة روسية لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة التي دعمت من جهتها المعارضة السورية خلال سنوات النزاع، كما تأتي بعد أيام من اجتماع استضافته موسكو بحضور إيران وجمع مسؤولين سوريين وأتراكاً.
ويرى دنورة أن الزيارة "أصبحت أكثر ملائمة بعد المصالحة السعودية-الإيرانية" التي اعتبر أنّها "تنعكس على كل بؤر التوتر التي لا تزال موجودة" في المنطقة، مرجّحاً أن يتمّ التطرق خلالها أيضاً الى ملفّ المصالحة السورية-التركية "والدفع به قدماً".
وكان الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد زار دمشق في 18 أيلول/سبتمبر 2010، قبل ستة أشهر من اندلاع النزاع الذي أودى بأكثر من نصف مليون سوري، وتسبب بنزوح وتهجير أكثر من نصف عدد السكان داخل البلاد وخارجها.