تعرضت قاعدة عسكرية أميركية لهجوم من قبل مليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني في جنوب سوريا بطائرات بدون طيار مؤخرا. وفي اليوم ذاته، تعرضت قاعدة أخرى للتحالف ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة لهجوم صاروخي.
وجاءت تلك الهجمات انتقاما من ضربات جوية أميركية في ثلاث ليال متتالية ضد أهداف مرتبطة بطهران في سوريا، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وقال مسؤول أميركي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسائل أمنية حساسة، إن الأميركيين أوضحوا لإيران، من خلال القنوات الخاصة والعامة، أنهم لا يحاولون تصعيد الأعمال العدائية، ولكنهم سعوا فقط لحماية المصالح الأميركية.
ويتواجد في سوريا ما يقرب من 900 جندي أميركي يجعلهم هدفا محتملا ومفضلا للقوى التي تتطلع إلى الانتقام من واشنطن وحليفتها إسرائيل.
وجاء هجوم الطائرات المسيرة على القاعدة الأميركية في التنف في جنوب سوريا بعد يوم من قصف إسرائيل لأهداف عسكرية في محافظتي دمشق وطرطوس السوريتين، مما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود سوريين.
واستهدفت تلك الضربات قاعدة دفاع جوي للجيش السوري حيث تتمركز في الغالب المقاتلون المدعومون من إيران، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال مسؤول أميركي رفيع إن هناك عدة دوافع محتملة وراء هجوم إيران في 15 أغسطس. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه لمناقشة قضايا أمنية حساسة، أن الدافع قد يكون ردا على ضربة إسرائيلية.
يأتي القتال الجديد في لحظة حساسة للغاية في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث يقترب الجانبان من الاتفاق على إحياء الاتفاق النووي الذي يرفع العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود على أنشطتها النووية.
وبالنظر إلى ذلك، فإن أي هجمات تتسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا من كلا الجانبين قد تؤدي إلى انحراف المفاوضات النووية عن مسارها.
لكن المسؤولين الأميركيين أصروا على عدم وجود صلة بين الضربات في سوريا والمفاوضات النووية. وتساءل مراقبون آخرون عما إذا كانت الهجمات التي تشنها القوات المتحالفة مع طهران يمكن أن تكون محاولة من قبل المتشددين الإيرانيين لتعطيل أي اتفاق.
•"ورقة رابحة"
وقال بعض المحللين الإيرانيين إنهم ينظرون إلى الهجمات الأميركية على أنها محاولة من إدارة بايدن لاسترضاء منتقدي الاتفاق النووي وإثبات أنها ستحتفظ بموقف متشدد ضد طهران، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي.
قبل حوالي عام، التقى تحالف تقوده إيران يعارض لإسرائيل لمناقشة كيفية الرد على الهجمات الإسرائيلية المتزايدة داخل سوريا، وفقا لغيس قريشي، المحلل المقرب من الحكومة الإيرانية والمطلع على استراتيجية الحرس الثوري في المنطقة.
وضم التحالف خبراء عسكريين من سوريا والعراق وجماعة حزب الله اللبنانية واليمن وقوات فيلق القدس - ذراع الحرس الثوري المسؤول عن العمليات الخارجية.
وأكد شخص مقرب من القوات الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق – تحدث دون الكشف عن هويته - أن الاجتماع جرى بالفعل.
وخلال مناقشاتهم، قال السوريون إنهم لا يريدون شن هجمات ضد إسرائيل من أراضيهم حتى لا يخاطروا بحرب شاملة في وقت تعاني فيه البلاد بالفعل من الضعف.
لذلك قرر التحالف بدلا من ذلك الرد على الضربات الإسرائيلية بضرب القواعد الأميركية في سوريا على أمل أن تضغط واشنطن بعد ذلك على إسرائيل للتراجع عن إيران.
لسنوات، خاضت إسرائيل وإيران حربا سرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتصاعدت الهجمات المتبادلة المحدودة مؤخرا وتوسعت لتشمل الضربات البرية والجوية والبحرية.
وخلص الخبراء العسكريون في الاجتماع أيضا إلى أن سياسة إدارة بايدن كانت تهدف إلى نزع فتيل التوترات في المنطقة وسعت إلى تجنب بدء أي حرب جديدة في وقت واحد، حيث كان انتباه واشنطن يتحول بعيدا عن الشرق الأوسط.
وقرر المشاركون في الاجتماع أنه مقابل كل ضربة إسرائيلية على هدف إيراني في سوريا، ستكون هناك ضربة انتقامية ضد قاعدة أميركية هناك، وخاصة التنف.
واستخدام الطائرات المسيرة أشار بوضوح إلى تورط الحرس الثوري الإيراني في الهجمات الأخيرة.
وصنعت إيران طائرات بدون طيار متطورة قادرة على حمل أسلحة في السنوات الأخيرة. ولقد باعتها تجاريا إلى دول أخرى وصعدت من نقلها إلى مجموعات تعمل بالوكالة.
وساعد تقدم قدرات الطائرات بدون طيار الإيرانية، فضلا عن استخدامها في الدول العربية وضد المنشآت النفطية في الإمارات والسعودية، على إقامة شراكة عسكرية بين إسرائيل والعديد من الجيوش العربية والولايات المتحدة، طبقا للصحيفة الأميركية.
في أكتوبر من العام الماضي، أطلقت القوات الموالية لإيران خمس طائرات مسيرة على قاعدة التنف. وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون في ذلك الوقت إن هجوم الطائرات بدون طيار هو المرة الأولى التي توجه فيها إيران ضربة ضد الولايات المتحدة ردا على هجوم من جانب إسرائيل.
ولم تعلن إيران مسؤوليتها عن الضربة، لكن قناة "تلغرام" يديرها أعضاء تابعون للحرس الثوري قالت إنها جاءت ردا على سماح الولايات المتحدة بشن هجمات إسرائيلية على القوات المتحالفة مع إيران في شرق سوريا.
ومع خروج نظام بشار الأسد من الصراع منتصرًا إلى حد كبير والسيطرة على معظم أنحاء البلاد بعد عقد من الحرب الأهلية، ظلت القوات الإيرانية وعشرات الآلاف من المقاتلين بالوكالة من دول مثل العراق ولبنان وأفغانستان في سوريا كجزء من سياسة إقليمية أوسع تتمثل في الحفاظ على توجيه تهديد لإسرائيل المجاورة لسوريا.
وقال غريشي: "الورقة الرابحة لإيران هي أنها تجاور إسرائيل الآن عبر سوريا أيضا".
منذ ذلك الحين، ترسّخت إيران ووكلائها في أجزاء من سوريا، لا سيما في الشرق وحول العاصمة دمشق، حيث شيدوا بنية تحتية عسكرية واشتروا عقارات وجندوا مقاتلين محليين وحاولوا نشر الإسلام الشيعي هناك.
وقال مسؤولون أميركيون إن هناك عددًا صغيرًا نسبيًا من قادة الحرس الثوري متبقين في سوريا، يديرون الميليشيات المتحالفة المكونة من مقاتلين سوريين أو عراقيين أو أفغان.