تقرير دولي: 62 دولة تنتهك الحرية الدينية و5.4 مليار إنسان تحت التهديد
يمن فيوتشر - يمن فيوتشر: الثلاثاء, 21 أكتوبر, 2025 - 09:42 مساءً
تقرير دولي: 62 دولة تنتهك الحرية الدينية و5.4 مليار إنسان تحت التهديد

كشف تقرير عالمي جديد عن تراجع غير مسبوق في أوضاع الحرية الدينية في العالم، حيث سجلت 62 دولة انتهاكات جسيمة تؤثر على نحو 5.4 مليار إنسان، أي ما يعادل ثلثي سكان الكوكب.

التقرير الصادر عن مؤسسة "عون الكنيسة المتألمة" البابوية في الفاتيكان صنف 24 دولة ضمن فئة "الاضطهاد" الأشد خطورة، و38 دولة ضمن فئة "التمييز"، فيما وُضعت 24 دولة إضافية تحت المراقبة نتيجة مؤشرات مقلقة خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2023 حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2024.

ويشير التقرير إلى أن هذه الانتهاكات تمثل تراجعًا خطيرًا للحقوق المنصوص عليها في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية الفكر والضمير والدين، مؤكدًا أن هذا الحق لم يعد مجرد مهدد بالضغط، قدر ما آخذ في التلاشي التدريجي تحت وطأة تصاعد النزاعات وتوسع الأنظمة السلطوية.

ويبين التقرير الذي نشره موقع "أبونا" الأردني على شبكة الانترنت، أن ما يقرب من 64.7٪ من سكان العالم يعيشون في دول تشهد اضطهادًا أو تمييزًا دينيًا ممنهجًا، في حين سجلت دولتان فقط – كازاخستان وسريلانكا – تحسنًا نسبيًا في هذه الفترة.

في فئة "الاضطهاد"، التي تشمل دولًا مثل الصين والهند ونيجيريا وكوريا الشمالية، يتعرض أكثر من 4.1 مليار شخص للعنف والاعتقال والقمع، فيما يواجه في فئة "التمييز"، التي تضم دولًا مثل مصر وإثيوبيا والمكسيك وتركيا وفيتنام، نحو 1.3 مليار شخص قيودًا منهجية على حرية العبادة والتعبير والمساواة القانونية.

ويبرز التقرير أن الأنظمة السلطوية تمثل التهديد الأكبر للحرية الدينية في العالم، إذ تستخدم أدوات الدولة – من المراقبة الشاملة إلى التشريعات التقييدية – لقمع الحياة الدينية وتقويض التنوع العقائدي، كما يحدث في الصين وإريتريا وإيران ونيكاراغوا.
ومع هذا النزوع السلطوي، يتصاعد العنف الجهادي ويعيد تشكيل خريطة الاضطهاد الديني في نحو 15 دولة، ويسهم في التمييز في 10 دول أخرى. 
وتعتمد الجماعات المتطرفة في الساحل الإفريقي وباكستان وموزمبيق والكونغو الديمقراطية على شبكات لامركزية تستهدف المسيحيين والمسلمين الرافضين لأيديولوجيتها، مستغلة المظالم المحلية وضعف الحوكمة لتوسيع نفوذها والسيطرة على الأراضي.

وفي موازاة ذلك، يتعاظم خطر القومية الدينية بوصفها أداة لإقصاء الأقليات وتهميشها. ففي الهند وميانمار تتحول هذه القومية إلى مبرر مباشر للاضطهاد، فيما تغذي في فلسطين وإسرائيل وسريلانكا ونيبال أنماطًا أوسع من التمييز. 
وتقدم الهند نموذجًا لما يسميه التقرير "الاضطهاد الهجين"، الذي يجمع بين القمع القانوني والعنف الجماهيري ويستخدم الروايات الدينية لتكريس سلطة الأغلبية وإبقاء الأقليات في مرتبة "مواطنين من الدرجة الثانية".

ويرى التقرير أن الاضطهاد الديني أصبح اليوم من أبرز العوامل التي تدفع نحو النزوح والهجرة القسرية. ففي نيجيريا مثلًا، أدت هجمات مسلحين من قبيلة الفولاني إلى تدمير قرى وكنائس وتهجير جماعات دينية بأكملها. 
وفي بوركينا فاسو والنيجر ومالي، كما في خضم الحرب الأهلية في السودان، هجّرت المجتمعات الدينية من أراضيها، ومُحي تراثها الثقافي والروحي، ما يجعل الاضطهاد عاملًا مركزيًا – وغالبًا ما يُغفل – في أزمة النزوح العالمية الراهنة.

وفي سياق موازٍ، تستغل الجريمة المنظمة هشاشة الدول في مناطق النزاع أو ضعف الحوكمة لاستهداف المؤسسات والقادة الدينيين كوسيلة لفرض سيطرتها. 
ويبرز هذا النمط في نيجيريا وهايتي والمكسيك، حيث يتعرض الرعاة للاختطاف والقتل، وتُجبر الجماعات الدينية على الصمت أو التواطؤ.

وتضاعف الحروب والنزاعات من حجم الكارثة، إذ جعلت من الحرية الدينية ضحية عالمية في أوكرانيا والسودان وميانمار وغزة وناغورنو كاراباخ، حيث النزوح الجماعي وإغلاق الكنائس واستهداف الجماعات الدينية أصبح مشهدًا متكررًا. 
وبعد هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب التي تلته في غزة، تصاعدت جرائم الكراهية ضد اليهود والمسلمين على نحو غير مسبوق، فارتفعت الأعمال المعادية للسامية في فرنسا بنسبة 1000%، وجرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 29%، فيما سجلت ألمانيا أكثر من 4300 جريمة مرتبطة بالصراع مقارنة بـ61 فقط في العام السابق.

ولم تسلم المسيحية في الدول الغربية من موجة العداء، إذ شهدت أوروبا وأمريكا الشمالية ارتفاعًا كبيرًا في الهجمات على المواقع الدينية، حيث سُجلت نحو ألف حادثة معادية للمسيحيين في فرنسا عام 2023، وتعرضت 24 كنيسة في كندا للحرق المتعمد منذ 2021، إلى جانب أعمال تخريب وتدنيس في إسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة.

ويحذر التقرير أيضًا من القيود المتزايدة على حق الاستنكاف الضميري في دول مثل أرمينيا وأذربيجان وأوكرانيا وروسيا، حيث سُجن أشخاص لرفضهم الخدمة العسكرية لأسباب دينية، كما تتعرض المؤسسات الدينية في الديمقراطيات الغربية لضغوط قانونية متزايدة لتقديم خدمات مثل الإجهاض والمساعدة على الانتحار. 
وإلى جانب ذلك، تُستخدم التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي بشكل متزايد كسلاح لقمع الجماعات الدينية ومراقبتها وتصنيفها، كما في الصين وكوريا الشمالية وباكستان، حيث يُحوَّل الإيمان الديني إلى ما يُشبه "التهديد الأمني".

ومن أكثر النتائج صدمة ما وثّقه التقرير من انتهاكات منهجية تطال النساء والفتيات من الأقليات الدينية، بعضهن لا يتجاوزن العاشرة من العمر، حيث يتعرضن للاختطاف والتحويل القسري للديانة والزواج بالإكراه في دول مثل باكستان ومصر وموزمبيق، وسط إفلات شبه تام من العقاب.

ورغم هذا الواقع القاتم، يؤكد التقرير أن المجتمعات الدينية أظهرت قدرة لافتة على الصمود، وأسهمت بفاعلية في جهود بناء السلام وتقديم المساعدات الإنسانية في مناطق النزاع، كما في كابو دلغادو في موزمبيق وبوركينا فاسو. 
ويشدد على أن الحرية الدينية ليست مجرد حق إنساني أساسي، لكنها ضمانة للكرامة وأداة لتماسك المجتمعات واستقرارها.

ويخلص التقرير إلى أن تآكل الحرية الدينية لم يعد قضية تخص الأقليات وحدها، قدر ما تحول إلى تحدٍ عالمي يهدد الاستقرار والأمن الإنساني برمته، داعيًا الحكومات والمنظمات الدولية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لحماية هذا الحق الجوهري.


التعليقات