في السادس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي توفيت الشابة الكردية الإيرانية مهسا اميني اثناء وجودها قيد الاعتقال بتهمة مخالفة قوانين الحجاب وتحولت جنازة الفتاة البالغة من العمر 22 عاماً في مسقط راسها مدينة سقز في كردستان إيران الى مظاهرة ضد الحكومة الإيرانية وما لبثت ان اتسعت المظاهرات لتشمل مختلف المدن الكردية لتمتد إلى الكثير من المدن الإيرانية مطالبة بالحرية وانهاء حكم رجال الدين.
ورغم مقتل مئات المتظاهرين واعتقال الآلاف منهم وممارسة كل أشكال العنف والقمع ضد المتظاهرين والمعتقلين لم تتوقف المظاهرات وخاصة في المناطق الكردية التي قتل فيها العشرات من المتظاهرين وبينهم العديد من الأطفال.
وقد لجأت الحكومة الإيرانية مؤخراً إلى نشرعدد كبير من الحرس الثوري الإيرانية في المدن الكردية معززين بأسلحة ثقيلة في محاولة لاخماد التظاهرات والاحتجاجات المستمرة منذ مقتل مهسا اميني.
كما قام الرئيس الإيراني بزيارة مدينة سنندج في محافظة كردستان إيران في محاولة لتهدئة الأوضاع وتعهد بحل المشكلات التي تواجه المنطقة.
وقد اتهمت الحكومة الإيرانية الأحزاب الكردية بإثارة القلاقل والاضطرابات واضعاف الحكومة الإيرانية.
وشنت إيران عدداً من الهجمات الصاروخية وبواسطة طائرات مسيرة ضد قواعد ومقرات الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني -إيران، وحزب كادحي كردستان- كوملة و حزب الحياة الحرة الكردستاني- بجاك.
وأدت الهجمات الى مقتل عدد من المدنيين والحاق دمار واسع بمقرات وقواعد هذا الأحزاب.
كانت كردستان ساحة صراع وحروب بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية حيث وقف الأكراد في معظم الأوقات الى جانب العثمانيين بعد فرض شاه إسماعيل الصفوي المذهب الشيعي الأثنى عشري على بلاد فارس في اعقاب هزيمته في معركة تشالديران عام 1514 وظلت الحرب دائرة بين الطرفين إلى ان تم التوصل الى معاهدة قصر شيرين عام 1639. وباتت معظم المدن الكردية مثل ديار بكر ووان وقارس وبدليس وماردين جزءا من الإمبراطورية العثمانية بينما ظلت مدن مهاباد وكرمنشاه وأورمية وأشنويه جزء من الإمبراطورية الفارسية.
وقسمت معاهدة لوزان عام 1924 الأكراد نهائيا بين سوريا وتركيا والعراق وإيران وفرقت الحدود المرسومة بموجب هذه المعاهدة شمل الأكراد بين هذه الدول.
يتراوح عدد الاكراد في إيران ما بين 8 الى عشرة ملايين نسمة ويتمركزون في شمالي وغربي البلاد ما بين جبال آرارات شمالا وجبال زاعروس جنوباً وغالبية أكراد إيران مسلمون سنة إلى جانب نسبة لا بأس بها من الشيعة الإثنى عشرية ويعرفون باسم الفيلية إضافةإلى اقلية من اليارسينية والإيزيدية.
وحسب المصادر الكردية تبلغ مساحة كردستان إيران أكثر من 100 الف كيلو متر مربع.
كما يعيش عدد كبير من الأكراد في اقصى شمال شرقي البلاد مثل محافظة خراسان وفي وسط ايران نتيجة حملات التهجير التي قامت السلطات الإيرانية خلال الحروب بين الفرس والأتراك في القرن السابع عشر وحتى أوائل القرن العشرين.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى ومع انهيار الأمبراطورية العثمانية برزت الحركة القومية الكردية واتسع نشاطها لتشمل مختلف أجزاء كردستان ومن بينها كردستان إيران حيث قاد سمكو شكاكي بين عامي 1918 و1922 تمردا عسكريا كبيرا ضد الحكومة القاجارية في إيران وفي اعقابها استولت الأسرة البهلوية على الحكم في إيران. ظل سمكو شوكة في خاصرة إيران إلى ان تم استدراجه إلى مدينة شنو عام 1930 وقتلته في كمين. في نهاية الحرب العالمية الثانية ساعدت القوات السوفيتية في إقامة دولة كردية صغيرة في إيران وكانت عاصمتها مدينة مهاباد وباتت الدولة الناشئة الصغير تعرف باسم "جمهورية مهاباد" التي ما لبث أن تم القضاء عليها بعد انسحاب الجيش السوفيتي من إيران حيث القت السلطات الإيرانية القبض على زعماء الجمهورية وعلى رأسهم قاضي محمد حيث جرى إعدامهم جميعا في ساحة المصابيح الأربعة في مدينة مهاباد عام 1945. تمكن وزير الدفاع في الجمهورية الملا مصطفى برزاني من الفرار ودخل العراق مع 500 من المقاتلين لكنه عاد أدراجه الى إيران حيث توجه مع أنصاره شمالاً وتمكن من الوصول إلى الاتحاد السوفييتي وظل هناك إلى عام 1958.
في اعقاب سحق جمهورية مهاباد دخل الحزب مرحلة العمل السري وتحالف مع الحزب الشيوعي الإيراني (حزب تودة). وأدت الحملات المتلاحقة من الاعتقالات لاعضاء الحزب في خمسينيات القرن الماضي الى تراجع عدد أعضائه وفي اعقاب الإطاحة بالنظام الملكي في العراق عام 1958 لجأت قيادة الحزب إلى العراق، لكن في اعقاب وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق عام 1963 غادر قادة الحزب الى دول أوروبا الشرقية.
في عام 1968 بدأ الحزب بشن حرب عصابات في المنطقة الكردية لكنه اخفق في هذه الحرب حيث نجحت القوات الإيرانية في ملاحقة بيشمركة الحزب وتصفية نشاطهم. وحسب الباحث في تاريخ الحركة السياسية الكردية، مارتن فان بروينسن، فإن بعض عمليات ملاحقة وتصفية بيشمركة الحزب جرت بمساعدة أنصار مصطفى برزاني وقد ترك ذلك ندوبا عميقة في علاقة الحزبين لسنوات عديدة.
شاركت القوى السياسية الكردية الإيرانية التي تعرضت للقمع الشديد خلال حكم الشاه في الثورة الإيرانية عام 1979. وكانت مطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عبد الرحمن قاسملو تتمحور حول الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لكردستاني. وما لبث ان أصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الراحل، آية الله خميني، فتوى أعلن فيها الجهاد ضد القوى السياسية الكردية المسلحة إلى أن تم القضاء على مقاومة الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1984 إذ فر مقاتلو الحزب الى إقليم كردستان العراق بينما لجأ زعيمه التاريخي الدكتور عبد الرحمن قاسملو إلى المنفى في فرنسا.
عام 1989 تم اغتيال قاسملو في العاصمة النمساوية فيينا خلال المفاوضات السرية التي كانت تجري بين الحكومة الإيرانية والحزب. وقد فر المتورطون في عملية الإغتيال الى إيران. واتهم الحزب محمود أحمدي نجاد (الرئيس الإيراني السابق) بالتورط شخصيا في اغتيال قاسملو واثنين من رفاقه. وفي سبتمبر/أيلول 1992 جرى اغتيال الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران، صادق شرفكندي، مع اثنين من مساعديه ومترجمه في العاصمة الألمانية برلين في مطعم ميكونوس. ووجه الادعام العام الألماني الاتهام رسميا لمدير المخابرات الإيرانية علي فلاحيان بإصدرا أوامر الاغتيال. وعلى مدار السنوات الماضية فر آلاف الأكراد من إيران واستقر الآلاف منهم في إقليم كردستان العراق كما تحتفظ الأحزاب الكردية الإيرانية بمكاتب ومقرات هناك، ومعظمها ذات طابع سياسي إذ توقفت هذه الأحزاب عن القيام بعمليات ذات قيمة داخل إيران رغم وقوع مواجهات بين الطرفين من حين إلى آخر على الحدود بين العراق وإيران.
حزب كوملة
برز حزب كوملة ذو التوجهات اليسارية على الساحة الإيرانية في اعقاب الثورة الإيرانية بينما يدعي الحزب أنه تأسس عام 1969، وأنه نظم الفلاحين ضد رجال الإقطاع خلال السنوات الأخيرة من حكم الشاه في منطقة ماريوان.
بعد الثورة مباشرة اجتذب الحزب العديد من الشباب والنخب المدينية المتعلمة بسبب توجهاته اليسارية حيث كان الحزب يصف نفسه بأنه حزب ماركسي لينيني. وتبنى الحزب مواقف غير تصالحية تجاه النظام الجديد والزعماء القبليين والاقطاع والحزب الشيوعي الإيراني - توده والاتحاد السوفييتي السابق بخلاف الحزب الديمقراطي الكردستاني.
أقام الحزب علاقات وثيقة مع ما سمي وقتها بالتيار الثالث الذي ضم عدداً من القوى الماوية. كما شرع الحزب في إقامة هياكل حكم في المناطق الكردية على الطريقة السوفيتية ونظم مقاومة الفلاحين ضد الأقطاعيين الذين حاولوا أسترجاع أراضيهم السابقة.
عصفت بالحزب ازمة فكرية وظهر ذلك جليا خلال مؤتمر 1981 حيث انتقد الحزب مواقفه السابقة ووصفها بالشعبوية. ودعا الى بناء قاعدة له في أوساط الطبقة العاملة في المدن وبالتالي التركيز على المناطق الصناعية في ايران. ونتيجة لذلك انصهر الحزب في عام 1983 مع ثلاث منظمات يسارية أخرى وشكلت الحزب الشيوعي الإيراني بزعامة عبد الله مهتدي.
وشكل الحزب فرعاً خاصا بالمنطقة الكردية وهذا الفرع هو الوحيد الذي يتمتع بثقل وشعبية في المناطق الكردية.
واندلعت مواجهات عسكرية بين كوملة والحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1985 بعد أن تفاقمت الخلافات السياسية بين الطرفين وتحولت الى عداء سافر.
مظلة أوجلان
بعد القاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان عام 1999 اعتمد الحزب سياسة جديدة في المجال التنظيمي حيث طلب من أعضاء الحزب تأسيس أحزاب كردية في البلدان التي يعيشون واعتماد أفكار أوجلان منهاجاً لها. فجرى تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا و حزب الحياة الحرة الكردستاني (بجاك) في إيران عام 2004.
ويتخذ حزب الحباة الحرة مقرات وقواعد عسكرية له في إقليم كردستان العراق على سفوح جبال قنديل.
وللحزب جناح عسكري يضم مئات المقاتلين والمقاتلات من أكراد سوريا وتركيا وإيران والعراق وينشط في المناطق الكردية في إيران.
يخوض الحزب مواجهات مسلحة مع قوات الأمن الإيرانية منذ تشكيل جناحه العسكري وترد إيران بقصف قواعد الحزب في قنديل بالمدفعية والطائرات المسيرة. كما عززت إيران وتركيا تعاونهما الأمني والمخابراتي لمواجهة حزب الحياة الحرة وحزب العمال الكردستاني المتمركزين في جبال قنديل.
ومن أبرز العمليات التي قام بها مسلحو الحزب الهجوم على مركز للشرطة في مدينة كرمنشاه الكردية حيث قتل فيه 18رجل امن وثمانية مهاجمين في المعركة التي اندلعت بين قوات الأمن والمسلحين الأكراد.
يشن الحزب حرب عصابات ضد وحدات الحرس الثوري الإيراني وقوات الأمن في مختلف المناطق الكردية في إيران. وهذا مؤشر على تمتع الحزب بقاعدة شعبية بين أكراد إيران.
في 8 سبتمبر/ايلول 2018، شنّ الحرس الثوري الإيراني أول هجوم صاروخي عبر الحدود على الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في كويه، ما أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصا على الأقل. فضلًا عن ذلك، أُعدِم رامين حسين بناهي، العضو في حزب كوملة، في اليوم نفسه. وقبل يوم من الهجوم، لقي ثلاثة مقاتلين من مجموعة تابعة لحزب الحياة الحرة الكردستاني مصرعهم في اشتباك.
ما يجري الآن في الساحة الإيرانية من إندفاع الشارع الكردي وانخراطه الواسع في الاحتجاجات هو انعكاس لسنوات مديدة من الكبت والقمع الذي تعرضوا له وهذه الاحتجاجات وفرت لهم الفرصة المنتظرة لإبراز هويتهم والواقع الذي يعيشونه.