تكلّف الطرقات البديلة مدينة تعز يومياً خسائر فادحة بالأرواح والأموال، كما تؤثّر بشكل مباشر على اقتصادها المحلي، ويتجرع سكانها منذ تسعة أعوام المآسي ويعانون الويلات، بسبب الحصار المحكم عليها، وإغلاق منافذها الرئيسية، واستبدال الطرق الرسمية بطرق غير مؤهلة، تلتهم أرواحهم وأموالهم معاً.
هوت مركبة المواطن سعيد التهامي في عقبة الجن في طريق القبيطة البديلة لخط الراهدة- كرش- عدن، وحوّل هذا الحادث فرحة سعيد وعائلته، الذين كانوا في طريقهم لحضور زفاف أحد الأقارب في مدينة عدن، إلى أبشع صورة للحزن، حيث التهمت مرتفعات الجبلية 11 شخصاً من العائلة المكونة من 15 شخصاً، ولم ينجُ سوى سعيد وثلاثة آخرين، ظلوا في حالة صحية حرجة، أما سعيد فلا يزال يعاني من إصابة في عموده الفقري، وفقدان زوجته وأبنائه وفق رواية أحد أقاربه.
تكلّف الطرقات البديلة مدينة تعز المحاصرة يومياً خسائر فادحة بالأرواح والأموال، كما تؤثّر بشكل مباشر على اقتصادها المحلي، ويتجرع سكانها منذ تسعة أعوام المآسي ويعانون الويلات، بسبب الحصار المحكم عليها، وإغلاق منافذها الرئيسية، واستبدال الطرق الرسمية بطرق غير مؤهلة، تلتهم أرواحهم وأموالهم معاً، حتى بعد افتتاح المنفذ الشرقي للمدينة أمام المركبات الصغيرة.
•خسائر بالأرواح
الطفل عمر مختار النهمي (13 عاماً) كان الناجي الوحيد من حادث انقلاب حافلة تقلّ 18 عشر شخصاً، في طريق الصحي كربة البديلة جنوب مدينة تعز؛ الشريان المتبقي الذي يصلها بالعاصمة المؤقتة عدن، في هذا اليوم، كُتب لهذا الشاب عمر جديد، بعد انزلاق الحافلة بعمق 300 متر أسفل الجبل، لكن النهمي كان على موعد آخر مع الموت بعد مقتل أمه في الحافلة، حيث كانا متوجهين إلى عدن ومنها إلى القاهرة، لإجراء عملية نقل كلية من الأم إلى الطفل. نجا الطفل من الحادثة لكنه لم ينجُ من الألم والمرض.
قال الناشط المجتمعي جعفر حميد إن “أضراراً كثيرة في الأرواح والممتلكات نلاحظها في خط القبيطة البديل لخط الشريجة كرش، نتيجة غياب أعمال الصيانة، بخاصة في موسم الأمطار حيث تزداد الحوادث، ونحن نرفع الشكاوى إلى السلطات لكن ما من مجيب، هذا عدا أن هذا الخط يقع وسط خط النار بين الأطراف المتصارعة”.
الطرقات البديلة ليست مخصصة للشاحنات الكبيرة، فهي ذات منعطفات ضيقة، وتتسبب الشاحنات باستهلاكها وتدميرها، ويتعـرض المسافرون فــي الطرقات البديلة إلى حــوادث مروّعــة، لوعورتها وضيقها وعدم جاهزيتها على صعيد البنى التحتية للعبور الآمن، بسبب الانهيارات الصخرية المتكررة و مخاطـر السـيول.
وبلــغ عــدد الحــوادث حسب تقرير المعهد الأميركي للدراسات المروريـة فــي الطــرقات البديلة، خلال 9 أعوام مــن الحصــار: 561 حادثــاً، راح ضحيتها 434 شخصاً و807 جريحاً، فيمــا بلغــت خسائرها المادية 511,612,028 مليــون ريال.
•اختطافات على الطرق البديلة
(ف. أ) ناشطة حقوقية زارت العاصمة صنعاء في آب/ أغسطس 2022، وفي طريقها إلى عدن أُلقي القبض عليها في طريق بديلة تربط بين تعز وعدن، وما تزال مخفية قسراً حتى اليوم، وفقاً لما قاله شقيقها لـ “درج”.
واتخذت القوى المتحاربة من الطرق البديلة نقـاطاً أمنية وحواجز تفتيـش، مما مكنها من خطف العابرين المدنيين وإخفائهم، ذلك أن المسافرين يتعرضون أثناء عبورهم الطرقات البديلة لكمائن عسكرية واستخباراتية، ويخضعون لتفتيش دقيق لأمتعتهم وهواتفهم الخاصة، ومن خلال تلك النقاط تبدأ أول مراحل اعتقالهم.
وحمّل تقرير المركز الأميركي للعدالة جماعة الحوثي المسؤولية عن اعتقال 477 شخصاً، بينهم 29 طـفلاً و 3 نسـاء، تعرض بعضهم للتعذيب والإخفاء القسري.
وقال ياسر المليكي المدير التنفيذي “للتحالف اليمني” لرصد انتهاكات حقوق الإنسان: “يُعدّ الخطف والاعتداءات الجسدية أبرز مخاطر الطرقات البديلة، وكذا، الابتزاز المالي والتعذيب المصاحب للخطف، وحجز وسائل النقل الخاصة بالمدنيين. ويمارس هذا النشاط قطاع الطرقات، أو حتى بعض نقاط التفتيش المتعددة المحسوبة على جهات أمنية وعسكرية، وهي تشكّل مصدر قلق، لأنها تقوم بأعمال خطف ونهب وابتزاز في كثير من المحافظات، إلى جانب عدم وجود سيطرة فعلية على عمل هذه النقاط إلا في النادر، وهي تمارس هذه الأعمال في كثير من الأحيان، لتغطية مصاريف أفرادها اليومية في ظل محدودية مرتباتهم”.
ويضيف المليكي أنه “في بعض هذه النقاط، تتم ممارسة عمليات الثأر تبعاً للقبيلة أو الجهة التي ينتمي إليها المجند، وكل هذه المعطيات تُعدّ مصدر خوف وقلق للمسافرين”.
•ارتفاع المواصلات وأسعار السلع
تسبب إغلاق الطرقات بمعاناة اقتصادية مضاعفة لسكان تعز، حيــث ارتفعت أسعار المواد الأساسية، لصعوبة نقل البضائع عبر الطرق البديلة وارتفاع أجور النقل فيها.
وسيم اليماني وهو تاجر مواد غذائية في المدينة المحاصرة، قال ل”درج”: “إن استبدال الطرق الرئيسة بالطرق البديلة، تسبب بارتفاع تكلفة النقل، لأنها طرق طويلة وأكثر وعورة، مما دفع إلى رفع الأسعار لتعويض تكاليف النقل، وشكّل بالتالي ضغطاً إضافياً على المواطنين، وتسبب بتغير نمط الاستهلاك، وتخلي المستهلكين عن أغلب الاحتياجات الأساسية أو تخفيض استهلاكها”.
ويتفق صلاح الرحال وهو سائق شاحنة وناشط اجتماعي مع اليماني، ويقول ل”درج”: “إن الطرقات البديلة هي أول عامل للموت والهلاك، وكذلك للخسائر بالأموال، وعبورها يكلفنا شراء الكثير من قطع الغيار لمركباتنا، ويأخذ منا الوقت والجهد، بالإضافة إلى عامل انعدام الأمن”.
وأوضح الرحال ل”درج” أن الأشهر الستة الأخيرة، سجلت أكبر عدد من الضحايا والحوادث، حيث بلغ عدد الحوادث أكثر من 70 حادث انقلاب تقريباً، راح ضحيتها أكثر من 25 شخصاً، بينما أُصيب قرابة 30 آخرين، في حين بلغت الخسائر المادية 300 ألف ريال سعودي.