الجريمة واضحة ومنسقة، من قبل الجاني، واستخدم سلاحاً قاتلاً، مادة الاسيد ليشوه فتاة، بوجهها وجسدها وعينيها، فتعتبر الجريمة قتل فعلاً بأداة قاتلة فتاكة أخطر من السلاح الناري".
“كان يمسك شعري ويسكب الأسيد ويضحك”، بهذه الكلمات، أدمت الشابة اليمنية، العنود شريان، قلوب مئات الآلاف إلى الملايين من اليمنيين وعموم المتابعين، وهي تروي تفاصيل واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت بحق المرأة في اليمن، بعد شهور من قضية مماثلة لليمنية، مروى البيتي، التي أقدم زوجها على إضرام النار فيها وفارقت الحياة، في مؤشر خطير، على ما تواجهه اليمنيات من انتهاكات متزايدة، لا تقتصر على الجرائم الفردية، بقدر ما تأتي في سياق صنوف العنف المسكوت عنه، والذي يمارس ضد النساء، في الأسرة والمجتمع والجماعات المتشددة.
ووفقاً للمعلومات التي أفصحت عنها بتسجيلات مصورة وأخرى من أقارب لها تحدثوا لـ”درج”، فإن العنود شريان ذات الـ19 سنة، ضحية انتهاكات متعددة، بدأت بتزويجها طفلة في الـ14 من العمر، برغبة من والدتها التي كانت تسعى للاطمنئان عليها بالارتباط بمن يعيلها، بعدما فقدت والدها في الطفولة، ووفق الثقافة الاجتماعية السائدة لدى أسر كثيرة، ترى في الزواج صوناً للفتاة، بصرف النظر، عن عمرها ورغبتها، وعن المخاطر المترتبة على ذلك.
توفيت والدة العنود في وقتٍ لاحق لزواجها، ولم تكن تعلم أن طفلتها ليست مع الرجل/ الزوج الذي يمنحها الأمان والحنان، بقدر ما هو أقرب إلى “ذئب بشري”، إذ ظل الزوج الذي يُدعى عبد الله عبد الرحمن الدجات، يعتدي عليها بالضرب وصنوف العنف، إلى أن وجدت الحرية بالطلاق منه، بعد أربع سنوات. انتقلت بعدها للعيش مع شقيقتها المتزوجة. وفي تلك الأثناء، كان طليقها يستعد لارتكاب الجريمة الأبشع، يكلل من خلالها رغباته العدوانية ضد طليقته، التي رمت بها أقدارها وأوضاعها الأسرية بين يديه، في سن الطفولة.
وبعد نحو ثلاثة أشهر من الجريمة، ظهرت شريان، بعين واحدة وجسدٍ يعاني حروقاً من الدرجة الثالثة والرابعة في أجزاء متفرقة. تروي تفاصيل أليمة، عما تعرضت له، بعد اقتحام طليقها منزل أسرتها، حاملاً معه المذيب الكيماوي، وبعدما هدد بصبه على طفل شقيقتها، مشت إليه مرغمة، ليمسك بشعرها وبدأ يصبه على جسدها، ولم يكن بوسعها في المقابل، سوى محاولة الانتحار.
وبحسب المعلومات التي كشفتها من سريرها في مستشفى يوني ماكس في صنعاء، فإن إصابتها تتطلب العلاج بعمليتين جراحيتين وثلاث عمليات لزرع الجلد، وعشر عمليات تجميل، بعدما تعرضت للمذيب الكيماوي، المعروف علمياً بحمض الهيدروفلوريك، وبقدرته على إذابة الزجاج.
وفي أعقاب تحول قصة العنود إلى قضية رأي عام، حاصدة تعاطفاً واسعاً في شبكات التواصل الاجتماعي، خرجت أجهزة الأمن الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، في صنعاء، لتعلن أنها تمكنت من ضبط الجاني، مرتكب الجريمة، في محافظة صعدة، وكان وفقاً للرواية الأمنية يحاول الفرار إلى السعودية. وجاء التطور، بعد ثلاثة أشهر على الجريمة، ظل خلالها طليقاً يوصل رسائل تهديد إضافية إلى الفتاة، بأنه سيحرق عينها الأخرى.
• أخطر من السلاح الناري
وبينما تتجه الأنظار، إلى المحاكمة المرتقبة، والتي يطالب فيها يمنيون بإنزال أقسى العقوبات، يقول لـ”درج”، المحامي اليمني عبداللطيف المحيا إن “الجريمة التي حدثت ضد الفتاة عنود قضية جسيمة، ارتُكبت بكل وحشية وإجرام”، وإن القانون اليمني – في هذا الجانب على وجه التحديد – “قوي في بنوده ويجب أن نتخذ جميعاً قواعد المطالبة بتنفيذ ما تفند فيه نصاً وروحاً، حتى لا يفلت الجاني من العقاب، وليكون عبرة لمن اعتبر”.
ويضيف، “الجريمة واضحة ومنسقة، من قبل الجاني، واستخدم سلاحاً قاتلاً، مادة الاسيد ليشوه فتاة، بوجهها وجسدها وعينيها، فتعتبر الجريمة قتل فعلاً بأداة قاتلة فتاكة أخطر من السلاح الناري”.
• ثقافة استضعاف المرأة
من زاوية أخرى، جاءت قضية العنود شريان، لتوجه الأنظار، نحو ما هو أبعد من المطالبة بمعاقبة مرتكب الجريمة، ذلك أن عدداً غير قليل من اليمنيات، يلاقين صنوفاً متفاوتة من العنف الأسري، سواء من قبل الزوج أو غيره من الأقارب، وحتى الانتهاكات التي تمارسها الجهات المتشددة المسيطرة، بتعزيز النظرة التقليدية للمرأة، وقبل ذلك، غياب القوانين الرادعة التي تضع حداً لمجمل الاعتداءات والانتهاكات ضد النساء.
تشدد جهاد الجفري، وهي كاتبة يمنية، على أن ما تعرضت له العنود، جريمة بشعة مستنكرة من المجتمع اليمني ككل.
وتضيف الجفري لـ”درج” أن “العنف ضد المراة”، يأتي نتيجة “الجهل والاستقواء وضعف القانون القضائي، حيث “العقوبة لا ترقى إلى مستوى الفعل”، بما يجعل البعض يطمئن لعدم وجود قوة رادعة أو قانون “يحمي الضعيف من القوي”.
كما ترى أنه “في قضية العنود يظهر جلياً مدى احتقار بعض الذكور المراة والرغبة في إذلالها، وهذا نظراً إلى ثقافة متردية وأخلاق منهارة وشعور بالأمان”، مطالبة بإعدام الجاني “الذي أراد بفعلته القضاء على روح العنود قبل جسدها.
هيفاء عبدالواحد، وهي ناشطة يمنية قابلت العنود، تقول لـ”درج” إن حالتها ما زالت تتطلب العلاج خارج البلاد، في أسرع وقت وإن “المسؤول عن الانتهاكات ضد المرأة المجتمع الذكوري”، وإن من يتحمل المسؤولية، هو “الدولة”، كونها “لم تعمل بشكل جدي بعمل قوانين لحماية المرأة من التعنيف الأسري”.
وترى أنه يمكن العمل على وقف الجرائم أولاً، من “خلال نشر التوعية بأهمية مكانة المرأة في المجتمع واحترامها ومنحها حقوقها أولاً، ثانياً من خلال “تجريم التعنيف الأسري، وزواج القاصرات لما يترتب عليه من أضرار نفسية وصحية تؤثر في الأسرة والمجتمع”.
• مروى البيتي أيضاً… حرق بالبترول
مأساة العنود، لم تكن الأولى من نوعها، إذ تأتي بعد شهور من جريمة بشعة، حين أقدم زوج في محافظة حضرموت شرق البلاد، على صب البترول على زوجته، مروى البيتي (28 سنة)، وأضرم النار، ما أدى إلى وفاتها، بعدما أمضت خمسة أيام في العناية المركزة.
ويوضح لـ”درج”، المتحدث باسم عائلة الفتاة، صلاح البيتي أن قضيتها بدأت مع زواجها “قبل عشر سنوات وفق تقاليد المجتمع الحضرمي المحافظ، وظنت أن الزواج رباط مقدس وأنها بانتقالها إلى حياتها الجديدة ستعيش سعادة تسودها المحبة والمودة والرأفة والاستقرار والأمان، وأنها ستحظى فيها بدفء وعناية وحماية زوجها وشريكها في الحياة”.
ويضيف أنها في المقابل “فوجئت ومنذ سنوات زواجها الأولى بسوء معاملة الزوج وتعرضها للعنف الجسدي واللفظي، وكلما كانت تشكو لأهلها كانوا يوصونها بالصبر على أمل أن يعود الزوج لصوابه وتجنباً للطلاق ومراعاة لطفليها (فاطمة 9 سنوات، وإبراهيم 7 سنوات حالياً)”. وقبل سنوات اتخذت مروى قرار ترك منزل الزوج ولجأت إلى بيت أهلها وأمضت أكثر من عام رافضة العودة، لكن زوجها أظهر تمسكاً بها وندماً على أفعاله، وبذل محاولات ومساع جمة لإعادتها، وتدخّل أهله الذين طمأنوا أهلها، بل التزموا بأن لا يمسها بأذى وسوء معاملة”.
ويتابع أنه وحيال ذلك “رضخت مروى ورجعت إليه لكن الزوج عاد إلى عادته بعد شهور، إلى أن أقدم على ارتكاب جريمته الشنيعة في إحدى ليالي تشرين الثاني/ نوفمبر2020، فقتلها حرقاً بسكب مادة البترول عليها وإضرام النار فيها أمام طفليها، لترقد 5 أيام في العناية المركزة، قبل أن تلفظ أنفاسها جراء ذلك الجرم المروع الذي لم يشهد المجتمع الحضرمي بخاصة واليمني والعربي مثيلاً له”.
وبشأن ملاحقة الجاني، يقول البيتي، “تجرى محاكمة زوجها المتهم بجريمة قتلها في محكمة غرب المكلا الابتدائية وسط مطالبة أسرتها وقبيلتها والمجتمع بإدانة المتهم وإنزال عقوبة الإعدام عليه تعزيراً ليكون عبرة لمن لا يعتبر”.
“الفصل بين الرجال والنساء يسير على قدم وساق في الجامعات والمدارس والأماكن العامة. ويتم ترسيخ قاعدة أن المرأة متهمة حتى تثبت براءتها”
• تحريض ضد النساء
إلى ذلك، وفيما يؤدي قصور أدوات الردع والحماية إلى خسارة كثيرات حياتهم وسلامتهم النفسية والجسدية، تطرقت منابر المساجد في مناطق أنصار الله (الحوثيين) إلى هذه المأساة إنما من وجهة نظرها التي لا تكف عن نشر خطاب منع الاختلاط و”تأديب” النساء والتحريض عليهنّ.
وفي السياق، كتبت الناشطة الحقوقية، رضية المتوكل، وهي رئيسة “منظمة مواطنة لحقوق الإنسان”، على صفحتها في “فايسبوك”، إن خطبة الجمعة في صنعاء، لأسبوعين متتالين “عن النساء، ولبس النساء، وأصوات النساء”، وإنها تضمنت تحريضاً “للمجتمع الذكوري بضبط اخلاق النساء”.
وأضافت أن “الفصل بين الرجال والنساء يسير على قدم وساق في الجامعات والمدارس والأماكن العامة. ويتم ترسيخ قاعدة أن المرأة متهمة حتى تثبت براءتها، ووصل الأمر حد طرد عاملات في مطعم، وهو الأمر الذي يبدو أنه تم التراجع عنه بعد ضغط الناس لكن مع فرض تغييرات بحسب مفهوم الجماعة للحشمة، وفرض الحجاب حتى على إحدى العاملات غير المسلمات”.
وخلصت المتوكل إلى أن ذلك “ليس سوى جزء صغير لتفاصيل كثيرة، تبين توجهاً حثيثاً نحو طلبنة المجتمع، ونحو التضييق على المرأة وإنهاء كل المكاسب التي كافحت هي والرجل من أجلها على مدار سنوات في ما يتعلق بالحريات الشخصية”.
#يمن_فيوتشر