لاتزال عائلة الطفلة رزان الغباري البالغة من العمر ثلاث سنوات ونيف، تنتظر بفارغ الصبر فتح مطار صنعاء الدولي المغلق أمام الرحلات التجارية منذ سنوات، لنقلها إلى العاصمة الأردنية عمان لتلقي العلاج، بعدما عجز الأطباء باليمن في تشخيص مرضها الذي أفقدها الحركة والنطق بشكل مفاجئ قبل ثمانية أشهر.
تقول والدة رزان، بينما الحزن طاغ على وجهها: "كنا نجهز للسفر عبر مطار صنعاء عندما أعلنت الخطوط الجوية اليمنية، عن استئناف رحلاتها من المطار في أواخر شهر أبريل الماضي بموجب اتفاق الهدنة، لكن كل هذه الأمنيات تبددت مع عدم السماح لتسيير الرحلة بفعل الخلافات بين الأطراف المتحاربة".
وفاقمت القيود على السفر، ضمن الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد، بالتوازى مع الحظر الجوي والبري والبحري الذي يفرضه التحالف بقيادة السعودية على المنافذ الخاضعة لسلطة الحوثيين في اليمن، من مأساة الآف المرضي الراغبين بالسفر لتلقي العلاج في الخارج، فضلا عن اولئك الاشخاص القاصدين دول الخليج للعمل.
وتؤكد والدة رزان أن جسم طفلتها أصبح هزيلا جدا من شدة المرض الذي أصابها ولم يجد الأطباء له تشخيص، ما يصعب عملية سفرها عبر البر إلى عدن أو سيئون، نتيجة وضعها الصحي السيئ، لكنها ستبقي معلقة على أمل فتح مطار صنعاء.
وتعرضت رزان منتصف العام الماضي إلى فقدان الحركة والكلام بشكل مفاجئ، حيث لم يتمكن الأطباء لتشخيص المرض الذي أصابها، لكنهم أكدوا أن لديها ورم سرطاني بالدماغ، ما يستدعي نقلها للخارج لتلقي العناية الطبية اللازمة.
واجبرت القيود المفروضة على السفر بسبب فيروس كورونا من جهة، والنزاع الدامي في اليمن، عشرات الالاف من المواطنيين الراغبين بالسفر إلى الخارج للعلاج أو العمل، على البقاء في البلد ما عرضهم إلى مخاطر استفحال المرض والوفاة، فضلا عن الغرامات وإعادة المعاملات بفعل انتهاء تأشيرة اقامتهم في دول الاغتراب دون تجديد.
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، فان إجراءات مكافحة وباء كورونا وتعقد النزاعات في الدول العربية ومنها اليمن، ساهمت في زيادة انتهاكات حقوق الإنسان، في الوقت الذي يعيش اولئك السكان بالفعل ظروفا إنسانية سيئة في ظل انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وتعميم الإفلات من العقاب فيما يتعلق بجرائم الحرب.
ومطلع عام 2020 انتشر كوفيد -19 في جميع دول العالم بشكل متسارع، ما دفع هذه الدول إلى اتخاذ قيودا صارمة على سفر وتنقل المواطنين، لكن الدول العربية حولت جائحة كورونا للتضييق على الحريات، وفق تقرير اصدرته منظمة العفو في آذار/مارس الماضي.
•حسرة وخطورة
شعر محمد سعيد بالحسرة مع إعلان السلطات اليمنية بوقف السفر من وإلى المنافذ البرية والجوية مع توسع انتشار الفيروس في الدول العربية بنيسان/ أبريل/2020، حيث كان على وشك نقل طفلته رئام (10أعوام) المريضة بالسرطان إلى القاهرة لتلقي العلاج، بعدما باع مدخراته لاستكمال معاملة سفرها.
يقول "سعيد" (40 عاما) والدمع يملئ عيناه إن إعلان الإغلاق "دمر كل ما قمت به لأجل السفر"، بينما "وضع ابنتي يزيد خطورة كل يوم، وكان يقلقني جداً".
ويشير إلى أنه بقي طيلة أيام الحظر يتابع الأخبار، باحثا عن انفراجه لإنقاذ طفلته.
ويضيف أنه منذ ظهور النتائج الطبية بإصابة رئام، بدأ على الفور بتجميع المال الكافي وباع قطعة أرض في ريف مدينة تعز (جنوبي اليمن)، ليقطع مسافة طويلة إلى عدن للبدء بالمعاملات الرسمية.
"بمجرد ما اكملت كل المعاملات وتم تحديد موعد السفر، تم الاعلان عن إغلاق مطار عدن"، قال سعيد.
ورغم انه لم يواجه صعوبات كبيرة أثناء قيامة بالإجراءات الجديدة مع فتح مطار عدن، الا ان الصعوبة الحقيقية التي واجهها كانت يتمثل في جمع المال من جديد بعدما نفدت النقود السابقة، خلال فترة توقف الرحلات التي "كانت مرحلة صعبة وطويلة"، على حد تعبيره.
وبلغ عدد المرضى المسجلين كحالات مستعصية على العلاج في اليمن لدى اللجنة الطبية العليا بصنعاء أكثر من 32 ألف مريض، فيما تجاوز عدد حالات الوفاة في غضون عام واحد عتبة 300 مريض، منهم 12 حالة خلال الشهرين الماضيين، وفق مطهر الدرويش رئيس هذه اللجنة.
ويقول "الدرويش" إن من بين هذا الرقم مرضي سرطانات مختلفة وفشل كبدي وكلوي، فضلا عن تشوهات قلب ولادية لدى الأطفال.
ويشير إلى أن الفئات الأكثر معاناة هي النساء بسبب سرطان الثدي والغدد الصماء، ومن ثم الأطفال بفعل تشوهات القلب الخلقية التي تستدعي التدخل الجراحي دون تأخير.
وتقوم اللجنة الطبية، بتسجيل وفرز وتحديد الحالات التي فعلا يستعصى علاجها داخل البلد، حتى يتسنى لها السفر للعلاج بالخارج.
•معاملات شاقة
مكث عبدالرحمن قائد عامين، على أمل أن يحصل على تأشيرة عمل لدخول الأراضي السعودية للعمل كسائق، لكنه شعر بخيبة كبيرة عندما أعاد المكتب جوازه دون تأشيرة.
وطلبت السلطات السعودية منه إعادة المعاملة من جديد، بما في ذلك الفحوصات الطبية والذهاب إلى عدن لقطع جواز جديد نتيجة قرب انتهاء الأول.
يقول "قائد" (30 عاما) إنه سلم الجواز لمكتب السفريات من أجل التأشيرة في أواخر عام 2019، لكن الإجراءات الروتينية أخذت أكثر من ثلاثة أشهر لتجهيز المعاملة.
ويضيف: "حينها كانت السلطات السعودية قد اغلقت المنافذ مع تفشي كورونا، وتم احتجاز الجواز لدى مكتب السفريات حتى منتصف عام 2021".
وأشار ألى أنه اضطر إلى اجراء كل المعاملات من جديد ما كلفه أكثر من أربعة ألاف ريال سعودي.
وتقدر وزارة المغتربين في حكومة الحوثيين غير المعترف بها عدد المغتربين والمسافرين إلى السعودية الذي انتهت فترة السماح لهم بالعودة، بسبب قيود كورونا إلى 150 ألف مغترب تقريبا، وفق مدير عام الشئون الثقافية والتعليمية بالوزارة مسعد السماوي.
"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".