تتبعثر الحجارة والرمال في كل مكان على سطح منزل اليمني جمال محمد، عدا زاوية تتربع فوقها بضعة ألواح طاقة شمسية تلمع وسط كل ما يحيط بها من فوضى. فهو يحرص على تنظيف تلك الألواح غالية الثمن والعناية بها باستمرار؛ لأنها مصدر الطاقة الرئيس لمنزله.
يتفقد جمال الأسلاك ويقوم ببعض أعمال الصيانة للألواح التي اشتراها قبل عشر سنوات بينما يقول لبي بي سي: "اقتضت الظروف أن نشتري أجهزة الطاقة الشمسية بالتقسيط بعد انقطاع الكهرباء، ولكن سعرها باهظ الثمن ارتفع أكثر خلال السنوات القليلة الماضية".
في اليمن، أجبرت البدائل القليلة وغريزة التأقلم أو ثقافة "دبر رأسك" كما يسميها البعض، الكثيرين على اللجوء إلى الطاقة الشمسية كحل أخير للعثور على الكهرباء بعدما انهارت شبكات الطاقة بسبب الحرب.
ولم تمنع الحرب وغلاء أسعار ألواح الطاقة الشمسية وتجهيزاتها من الوصول إلى بيوت اليمنيين؛ فهي بالنسبة لهم أكثر توفيرا.
ويقول جمال إن "أصحاب الدخل المحدود في اليمن يلجأون إلى الطاقة الشمسية لأنه من الصعب استخدام الكهرباء التقليلدية فتكلفتها باهظة".
بين خيارين مكلفين، تبدو كفة الاعتماد على الطاقة الشمسية راجحة لدى الكثير من اليمنيين؛ فعلى الأقل تكون الكهرباء متوفرة متى احتاجوها.
ولكن الأمر لا يخلو من بعض المنغضات، فالتحول إلى الطاقة الشمسية لا يتطلب وجود الألواح فقط إنما هناك معدات أخرى ترتبط بها وتحتاج إلى صيانة وتحديث أو تبديل مستمر "فالبطارية قد تكفي لمدة سنة وفي بعض الأحيان لا تصل إلى سنة إنما إلى خمسة أو ستة أشهر، بسبب انخفاض نوعيتها، فنحن اليمنيون نبحث عن الأشياء الرخيصة دائما"، يضيف جمال.
في الوقت الذي يرى فيه كثير من اليمنيين أن الشمس هي الحل، ما تزال الطاقة الشمسية في لبنان أمرا بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.
فرغم استمرار تردي الواقع الاقتصادي اللبناني منذ نحو ثلاث سنوات وتحول الكهرباء إلى ضرب من الرفاهية، لا تمثل الطاقة الشمسية خيارا متاحا لدى غالبية الشعب.
يقول أحد اللبنانيين لبي بي سي عربي "أنا غير قادر على إطعام أولادي، فكيف أتحمل تكلفة الطاقة الشمسية؟"، ويضيف آخر "ليست لدي القدرة لتركيب الطاقة الشمسية لأن وضعي المادي غير مريح فأنا سائق تاكسي"، فيما يؤكد ثالث أن "الطاقة الشمسية تكلف آلاف الدولارات؛ بينما نحن لا نمتلك ما يكفينا لشراء الطعام".
•كم تكلف الطاقة الشمسية؟
يتطلب تحويل المنزل للاعتماد على الطاقة الشمسية؛ تركيب أنظمتها على أسطح المنازل والمباني أو في مكان معرض للأشعة الشمسية؛ بزاوية تميل حسب سقوط الأشعة.
ويتألف النظام من ألواح شمسية ومحوّل وبطارية وأسلاك توصيل. ويقوم النظام بتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية تشغل مختلف الأجهزة المنزلية.
تختلف تكلفة تحويل المنزل للاعتماد الكلي على الطاقة الشمسية باختلاف حجم وعدد ونوع الألواح المستخدمة، إلا أن التكلفة بشكل عام تفوق القدرة المالية لمتوسطي الدخل في غالبية البلدان العربية.
ففي لبنان وسوريا، حيث يصل أحيانا انقطاع الكهرباء إلى نحو 20 ساعة يوميا، تبلغ تكلفة تحويل المنزل للاعتماد على الطاقة الشمسية ما قد يصل إلى نحو 5000 دولار بينما لا يتجاوز دخل الموظف الحكومي في سوريا، على سبيل المثال، ما يعادل الـ 50 دولارا.
تتشابه تكلفة تحويل المنزل إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية في مصر مع لبنان وسوريا وغيرها من البلدان العربية، فغالبية المعدات تستورد من الخارج وتسعّر بالدولار. ورغم اختلاف الواقع السياسي والاقتصادي في مصر عن سوريا ولبنان، إلا أن 5000 دولار تعد باهظة التكلفة مقابل متوسط الدخل المصري الذي يصل إلى 500 دولار في أفضل الأحوال.
•توفير على المدى البعيد
إذا كنت تفكر بالتكلفة الآنية فقط، فلن تُقبل غالبا على اقتناء أنظمة الطاقة الشمسية، لأنها تشكل استثمارا مفيدا على المدى البعيد - لا القريب - وفقا لخبراء أنظمة الطاقة الشمسية.
يقول روح نصر، مهندس الكهرباء وأنظمة الطاقة الشمسية في شركة كيبروس في لبنان "كل المعدات مستوردة من الخارج وهذا يعني أنه يجب أن يكون لديك (فريش دولار) لشرائها، ولكن رغم ارتفاع سعرها عند الشراء، إلا أن الشخص سيعوض هذه الأموال بعد فترة؛ حيث سيستغني عن كهرباء الدولة والاشتراك المرتفع الثمن وسيوفر قيمة الفواتير الباهظة على المدى الطويل".
ويضيف نصر أن الإقبال على أنظمة الطاقة الشمسية في ارتفاع متزايد؛ خصوصا في لبنان بعد "أزمة الكهرباء ورفع الدعم عن البنزين". مع كل أزمة في قطاع الطاقات التقليدية من نفط وغاز، تترسخ فكرة الاعتماد على الطاقات المتجددة ويتزايد الاهتمام بها عالميا. فكان للحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط، بالإضافة إلى مصر وسوريا؛ عام 1973، دور في لفت أنظار العالم وتوجهه أكثر نحو الطاقات المتجددة ومن ضمنها الطاقة الشمسية.
منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ازداد اعتماد العالم على الطاقات المتجددة خصوصا مع تنامي الخطر البيئي المرتبط بالوقود الأحفوري ومطالبة مختلف المنظمات الأممية بمواجهة التغير المناخي. فخلال العقد الأخير شهد الاعتماد على الطاقة المتجددة، وخصوصا الطاقة الشمسية، ارتفاعا غير مسبوق، وفقا للدراسات والأبحاث.
وبحسب مركز حلول المناخ والطاقة (C2es)، قُدرت نسبة الطاقة المستهلكة من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية والرياح والطاقة المائية بأكثر من 11 في المئة عالميا عام 2019. وتعد الطاقة الشمسية ثاني أكبر قطاعات الطاقة المتجددة نموا بعد الرياح كما أنها أكثر أشكال الطاقة المتجددة شيوعا في العالم؛ وهي مصدر الكهرباء الأسرع نموا ؛ حيث زاد توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية بنسبة 22 عام 2019، بحسب المركز.
الصين والولايات المتحدة والهند تعد رائدة في سوق الطاقة الشمسية رغم كونها أيضا من أكبر الملوثين. أما المنطقة العربية التي تمتلك مقومات الموقع الجغرافي والطقس الذي يؤهلها للمنافسة في قطاع الطاقة الشمسية بحسب معهد الموارد العالمية، ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها بعض البلدان العربية لتنمية هذا المجال، إلا أن الاعتماد على الطاقة الشمسية يبدو ضربا من الخيال بالنسبة للكثيرين في الدول العربية المضطربة سياسيا واقتصاديا.