بينما سارع العالم لإدانة غزو روسيا لجارتها الأصغر، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الثرية، بما في ذلك السعودية والإمارات، الصمت إلى حد كبير.
وامتنعت الكويت وقطر يوم الخميس اليوم الذي بدأت فيه روسيا هجومها البري والجوي ضد أوكرانيا، عن انتقاد موسكو مباشرة واكتفتا بإدانة العنف، بينما لم تعلّق السعودية وعُمان والبحرين بعد.
فيما أكتفى مجلس التعاون بدعم الجهود الدولية والدبلوماسية لحل "الأزمة الأوكرانية".
وبحسب خبراء في شؤون الشرق الأوسط، فإن إحجامها عن إدانة روسيا او تأييد الغرب، أمر يمكن تفهّمه بالنظر إلى ما هو على المحك: الطاقة والاقتصاد، والأمن.
وتقول آن غادال، الخبيرة في الشؤون الخليجية والباحثة في معهد مونتين الفرنسي لوكالة فرانس برس إنّ "العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول وموسكو ليست وحدها التي تنمو، بل الروابط الأمنية كذلك".
•امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن الدولي
وامتنعت الإمارات، مساء الجمعة، إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي وألباني في مجلس الأمن الدولي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها.
وتحدّث الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي مع نظيره الأمريكي انطوني بلينكن في اتصال هاتفي وبحثا "التطورات العالمية"، بحسب بيان رسمي إماراتي، دون ذكر اوكرانيا. ولم يتّضح ما إذا كان الاتصال جرى بعيد التصويت.
كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية على تويتر أنّ الوزير الإماراتي سيزور موسكو الاثنين "لتعزيز العلاقات".
ويقول عبد الخالق عبد الله وهو استاذ في العلوم السياسية في الإمارات على صفحته في توتير، الجمعة "غزو روسيا لأوكرانيا غير مبرر ويشكل خطرا على الأمن والاستقرار العالمي وعلى جميع الدول المحبة للسلام ان تندد بالعنف والعدوان على دولة مستقلة ومسالمة وذات سيادة الذي يشكل خرقا صارخا للقانون الدولي. لغة القوة لغة وقحة ومرفوضة. هذا هو الموقف السياسي والأخلاقي والمبدئي الصحيح".
•هل تغير دور الولايات المتحدة الاستراتيجي في الشرق الأوسط؟
لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريا في الشرق الأوسط الذي تمزّقه الصراعات، على مدى أكثر من سبعة عقود، وعملت بشكل خاص على حماية دول الخليج الغنية بالنفط ضد تهديدات جماعات مسلحة ودول، على رأسها إيران.
غير أنّ الولايات المتحدة بدأت في السنوات الأخيرة الحد من انخراطها العسكري في المنطقة، حتى عندما تعرّض أقرب حلفائها لهجمات، وخصوصا منشآت شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة من قبل المتمردين اليمنيين المتحالفين مع طهران في عام 2019.
وترى غادال أنّ دول الخليج: "تدرك أنها بحاجة إلى تنويع تحالفاتها للتعويض عما يُنظر إليه إلى أنّه تراجع للولايات المتحدة في المنطقة".
في المجال السياسي أيضا، تقلّبت العلاقة بين الحلفاء.
وشهدت السعودية والإمارات، وهما حليفتان تاريخيتان للولايات المتحدة تستضيفان قوات أمريكية، تغيّر علاقاتهما مع واشنطن على خلفية صفقات الأسلحة والقضايا المتعلقة بسجلّهما الحقوقي.
فأدى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018 إلى توتر في العلاقات مع الرياض لسنوات، فيما هددت الإمارات مؤخرًا بإلغاء صفقة ضخمة على طائرات مقاتلة أمريكية من طراز "اف-35".
ويقول أندرياس كريغ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ المحاضر في "كينغز كوليدج" في لندن "يُنظر إلى روسيا على أنها حليف أيديولوجي بعدما أصبحت قيود حقوق الإنسان الأمريكية المرتبطة بالدعم الذي تقدّمه (واشنطن)، مسألة شائكة أكثر من أي وقت مضى".
ويرى أنّ هناك مثلا :"تكاملا في الاستراتيجيات بين موسكو وأبوظبي عندما يتعلّق الأمر بالمنطقة. فكلاهما معاد للثورات وكانا حريصين على احتواء الإسلام السياسي".
•زيادة التعاون الأمني الروسي مع دول الخليج
رغم التعاون الأمني المتزايد مع روسيا، المنخرطة بشكل مباشر في الصراعين السوري والليبي، يعتبر كريغ أنّ معظم دول مجلس التعاون الخليجي تبقي أمنها في أيدي الولايات المتحدة.
لكنّها "بدأت في تنويع العلاقات مع منافسي وخصوم الأمريكيين في مجالات أخرى".
وقد قفزت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من حوالى 3 مليارات دولار عام 2016، إلى أكثر من 5 مليارات دولار عام 2021، غالبيتها مع الإمارات والسعودية، وفقا لإحصائيات رسمية.
ولطالما كان يُنظر إلى الإمارات، ولا سيما إمارة دبي، على أنّها نقطة جذب للاستثمارات الروسية، ووجهة النخب الروسية لقضاء العطلات.
وبصفتها لاعبا رئيسيا في أسواق الطاقة، فإن كافة دول مجلس التعاون الخليجي تقيم علاقة مع روسيا في مجال الطاقة، بينما تقود الرياض وموسكو منذ سنوات تحالف "أوبك بلاس"، حيث تتحكّمان معا في الإنتاج لتحقيق استقرار في سوق الأسعار.
ووفقا للباحثة في معهد "المجلس الاطلسي" ايلين والد، فإنّ "الأعضاء العرب في (منظمة الدولة المصدّرة للنفط) أوبك في وضع صعب من الناحية الدبلوماسية، حيث من الواضح أن الحفاظ" على اتفاق "أوبك بلاس"، الذي يسيطر على كميات الإنتاج، "في طليعة اعتباراتهم".
وتوضح "تخشى دول الخليج الإضرار بهذه العلاقة وتسعى للحفاظ على المشاركة الروسية في أوبك بلاس ... ففي حال تركت روسيا المجموعة، من المحتمل أن ينهار الاتفاق بأكمله".
وعلى الرغم من دعوات بعض مستوردي النفط الرئيسيين لمنتجي الخام لزيادة الضخ والمساعدة في استقرار الأسعار المرتفعة، لم تبد الرياض، أحد أكبر مصدّري للنفط في العالم، أي اهتمام فعلي في ذلك.
ترى والد أنّ "التزام الصمت بشأن العمليات الروسية في اوكرانيا هو على الارجح افضل ما يمكن القيام به في الوقت الراهن"، لكن "هذا الموقف البراغماتي قد يصبح غير مقبول في حال ضغط القادة الغربيون على (دول الخليج) لتحديد مواقفها".