في الأربعينيات من القرن الماضي هاجرت مجموعة صغيرة من نخب صنعاء إلى عدن. في ذلك الوقت، كانت عدن تحت الحكم الاستعماري البريطاني، بينما كان شمال اليمن يحكمه نظام ملكي مستبد. وكان من أبرز أهداف هذه النخب الاستفادة من حرية الصحافة في عدن والمطالبة بالإصلاحات في جميع أنحاء وطنهم الأم.
عادت الصورة القاتمة لحرية التعبير في شمال اليمن لتشمل البلاد بأكملها، فبعد مستوى جيد من الحرية في التسعينيات وخلال العقد الأول من هذا القرن، عادت الصحافة لتصبح واحدة من أكثر المهن خطورة في اليمن.
وفقًا لمراسلون بلا حدود تحتل اليمن المرتبة 169 (من بين 180 دولة) على مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2021.
على الرغم من أن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال تعد من بين أكثر البيئات تحديًا للصحفيين فإن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية ليست أقل خطورة، والبعض يعتبرها أكثر خطورة.
قُتل أربعة صحفيين عام 2021، فيما لا يزال آخرون رهن الاعتقال، أو غادروا البلاد خوفًا على حياتهم. على الرغم من أن الصحافة لعبت دورًا بارزًا خلال ما عُرف باسم "ثورة الشباب" عام 2011 إلا أن الصحافة الآن غالبًا ما تخدم المصالح السياسية بدلاً من تقديم تغطية محايدة للبلاد.
في الواقع، يلعب العدد الكبير من اللاعبين السياسيين وأطراف النزاع في اليمن دورًا مهمًا في تعقيد عمل الصحفيين العاملين داخل البلاد. يجعل الاستقطاب الإعلامي من الصعب للغاية توفير صحافة حرة ونزيهة، كما إن هذا الوضع المؤلم يجعل من المستحيل العثور على مرتكبي جرائم قتل الصحفيين ويجعل الإفلات من العقاب هو القاعدة.
في يونيو 2020 قتل مسلحون مجهولون نبيل حسن القعيطي مصور وكالة فرانس برس، بالقرب من منزله جنوب اليمن.
بدأ نبيل حياته المهنية بتصوير الاحتجاجات الشعبية في عدن بداية عام 2007 التي طالبت باستعادة الدولة الجنوبية وهي احتجاجات قوبلت بحملة قمع من السلطات.
واصل القعيطي عمله كمصور في الأحداث التالية وأهمها غزو عدن من قبل المتمردين الحوثيين بعد السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء. وعرف بشجاعته الاستثنائية في تغطية هذه الأحداث.
وفي تشرين الثاني، قتلت في عدن مراسلة قناة الشرق رشا عبد الله الحرازي أثناء تواجدها في سيارة مع زوجها محمود العتمي مراسل قناة العين الإماراتية. وانفجرت سيارة العائلة في الشارع ما أدى إلى مقتل الحرازي وإصابة العتمي بجروح خطيرة.
في عام 2022 سيدخل النزاع المسلح في اليمن عامه الثامن. لا يوجد أي احتمال لإنهاء الصراع الذي جعل البلاد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية.
آمال اليمنيين اليوم هي وقف الحرب والتدهور الاقتصادي والحصول على الخدمات الأساسية التي هم بأمس الحاجة إليها.
في جنوب اليمن، حيث كانت الصحافة مزدهرة ذات يوم لا يزال العديد من الصحفيين والإعلاميين يتذكرون تلك الأيام الخوالي التي جعلت من عدن مدينة رائدة للصحفيين في العالم العربي.
منذ القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين، ازدهرت عشرات المطابع والصحف في عدن، واشتهر الكثير من الصحفيين والصحفيات، الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في رفع الوعي الثقافي والسياسي في البلاد.