[ الصورة من وكالة فرانس برس ]
كما يتضح من الأخبار التي تفيد بأن وزارة الخارجية الاميركية تحاول تأمين الإفراج عن الموظفين اليمنيين المحتجزين كرهائن في هجوم على السفارة الأمريكية، فإن أوجه القصور في استراتيجية "الدبلوماسية أولاً" لإدارة بايدن تتضح بسرعة في اليمن.
يعمل الحوثيون على تعزيز المكاسب للاستفادة من اليد العليا في الحرب الأهلية، واحتجاز الرهائن هو حيلة أخرى لفرض مزيد من التنازلات.
رفض فريق بايدن بإصرار الفكرة القائلة بأن الدبلوماسية لا تعمل إلا إذا كانت مدعومة بتهديد موثوق بالقوة، فقد تنازل عن اليمن للجمهورية الإسلامية، ما هدد ليس فقط جار اليمن، ولكن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفي النهاية الولايات المتحدة نفسها.
دخلت إدارة بايدن المنصب وهي مصممة على الابتعاد عن ورطات الشرق الأوسط.
في حالة اليمن كان هذا يعني إبعاد الولايات المتحدة عن التدخل العسكري الكارثي بقيادة السعودية الذي بدأ في مارس 2015 بعد انقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014.
قدمت إدارة أوباما في البداية دعما استخباراتيًا ولوجستيا للجيش السعودي، كعظمة للتفاوض على التفاصيل النهائية للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، منعت إدارة أوباما نقل الذخائر الموجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2016، وهو قرار تراجعت عنه إدارة ترامب خلال وقت قصير ببيع أسلحة كبيرة للمملكة.
لذلك لم يكن مفاجئا أنه بعد أن تراجعت إدارة ترامب عن الدعم المباشر للتحالف في نوفمبر 2018، وبناء على ما كتبه فاعلون في ادارة اوباما من اعتراف بالفشل، فإن الرئيس جو بايدن بنى على المبادرة لاغلاق الفصل.
في فبراير 2021، أعلن انتهاء كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ثم عين وزير الخارجية أنتوني بلينكين الدبلوماسي المحترف تيموثي ليندركينغ كمبعوث خاص للولايات المتحدة لدفع المسار الدبلوماسي.
ولكن بعد ذلك، ارتكب فريق بايدن سلسلة من الأخطاء المبتدئة، حيث سلم المبادرة والنفوذ إلى الحوثيين، وضمن جميع انتصاراتهم في نهاية المطاف.
أولا، ألغى بلينكين تصنيف إدارة ترامب في اللحظة الأخيرة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية.
و بغض النظر عن أن قرار ترامب كان موضع شك؛ لكنه سلم شيئًا مقابل لا شيء. وبذلك فقدت الولايات المتحدة قدرا ضئيلا من نفوذها لإجبار الحوثيين على الانخراط في مفاوضات هادفة حيث أضعفت في الوقت نفسه المعارضة العسكرية للجماعة، والأهم من ذلك أن توقيت إدارة بايدن بدا إملاءات أيديولوجية أكثر من كونها سياسة واقعية ذكية.
في أوائل سبتمبر، عندما تولى مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن منصبه، كثف التواصل الدبلوماسي الأمريكي: التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ومبعوث اليمن ليندركينغ مع كبار المسؤولين السعوديين والإماراتيين بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار. لكن دفعهم الدبلوماسي هذا كان غير متزامن مع الواقع على الأرض حيث جاء في الوقت الذي اخترق فيه الحوثيون جبهات رئيسية.
و ربما الأهم من ذلك أن الحوثيين أبدوا القليل من الاهتمام بعملية السلام حيث أعرب مسؤول حوثي كبير عن شكوكه في قيمة الدبلوماسية.
اليوم تمثل المعركة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز بداية لفافة انتصار جديد للحوثيين في حال استولوا على آخر معقل رئيسي في شمال شرق اليمن.
عندما كان فريق بايدن يدعو إلى إجراء مفاوضات في فبراير 2021، كثف الحوثيون حملتهم في مأرب وتقدموا إلى مسافة 10 أميال من عاصمة المحافظة.
الحملة الجوية السعودية المدمرة على مدى السنوات السبع الماضية منعت الحوثيين من الوصول السريع للنصر في مأرب خلال الأشهر التسعة الماضية، لكن معدل الاستخدام قلل بسرعة من المخزونات السعودية، في وقت لن تساعد الولايات المتحدة في استبدالها.
الآن يبدو أنها مسألة وقت فقط قبل أن يأخذ الحوثيون مأرب مع ذوبان القوى المناهضة للجماعة.
القوات المحلية المناهضة للحوثيين منقسمة وغير مجهزة ونادراً ما تدفع الرواتب.
لقد جف الدعم الذي حصلوا عليه من التحالف بقيادة السعودية تحت الضغط الدبلوماسي الأمريكي، كما ان التعزيزات غير موجودة.
غيرت بعض القبائل القوية التي وقفت ضد الحوثيين مواقفها.
في غضون ذلك يتدفق مقاتلو الحوثي إلى مأرب، على الرغم من ارتفاع الخسائر.
لقد قدر الحوثيون بشكل صحيح، عوائد أفضل من ساحة المعركة بدلا عن طاولة المفاوضات.
كل هذا كان يجب أن يكون واضحا لفريق بايدن، وكذلك السياق التاريخي: آخر مرة تفاوض فيها الحوثيون بأي مصداقية عندما كانوا تحت ضغط عسكري، في مواجهة الخسارة الوشيكة لمدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر المربحة التي تتدفق عبرها غالبية السلع التجارية اليمنية.
وافق الحوثيون على مفاوضات لوقف هذا الهجوم، ثم استخدموا الوقت الذي اشتروه لتعزيز مواقعهم، مما جعل الهجوم على الحديدة مسعى عسكريًا أكثر تكلفة.
الحقيقة هي أن الحوثيين وأصدقاؤهم في طهران قد تفوقوا على واشنطن وشركائها في الرياض وأبو ظبي وشاهدوا بتسلية تركيز الولايات المتحدة على التجاهل السعودي لحقوق الإنسان، مقابل مراقبة إيران بشكل غير فعال لمنع عمليات نقل عسكرية معقدة بشكل متزايد إلى وكلائها.
بالنسبة للسعوديين والإماراتيين الذين كان دعمهم حاسمًا للقوات المناهضة للحوثيين فقد يكون التدخل المستمر الآن مكلفًا للغاية، لا سيما وأن الكونجرس يسعى إلى زيادة تقييد التعاون العسكري الأمريكي.
وهكذا قلل السعوديون من وجودهم في مأرب وربما ينسحبون من مواقع أبعد جنوبا وأخلت الإمارات قاعدة في محافظة مجاورة.
لم يتضح بعد ما إذا كان الحوثيون يختارون التفاوض بعد مأرب، اذ يمكنهم الضغط جيدًا إلى الأمام.
في غضون ذلك تحولت إدارة بايدن إلى التذمر من أنها "سئمت" رفض الحوثيين الانخراط في العمليات الدبلوماسية حتى في الوقت الذي مهدت فيه الضغوط الأمريكية على شركاء الخليج الطريق عسكريًا للحوثيين.
إن السعي للحصول على مساعدة طهران لإحضار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات على هامش المحادثات النووية أمر غير مجدٍ.
ستكون نتيجة "الدبلوماسية أولاً" الآن تعزيز قوة الحوثيين - أي إيران - في اليمن مما يهدد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والممرات الملاحية الدولية الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عمان وحتى إسرائيل.
هل كانت هذه النتيجة حتمية؟ في الحقيقة لم يكن الأمريكيون مضطرون لذلك لانهم لم يكونوا يخوضون أي قتال على الارض، بل تمتعت واشنطن بقدر معقول من النفوذ الذي يمكن تصعيده إذا لزم الأمر.
بدلاً من ذلك، في ولائها للدبلوماسية أولاً، أو بشكل أكثر ملاءمة للدبلوماسية فقط، ورغبة يائسة للإشارة إلى الاحماء لطهران، سمحت إدارة بايدن للإمبراطورية الإيرانية بالنمو مع خسائر مستقبلية للولايات المتحدة وحلفائها.
*كاثرين زيمرمان زميلة في معهد أمريكان إنتربرايز ومستشارة لمشروع التهديدات الحرجة التابع لـ AEI.