أطلقت منظمتا مواطنة لحقوق الانسان، و الامتثال العالمي للحقوق، اليوم الاربعاء تقريرا جديدا حول التجويع كورقة حرب بين اطراف النزاع اليمني المستمر للعام السابع.
ونشر التقرير الذي يحمل عنوان"صناع الجوع" في فعالية افتراضية منسقة بين الحليفين الحقوقيين، تشارك فيها ايضا عبر منصة زوم وزارة الخارجية الهولندية.
و يوثق التقرير "الاستقصائي النوعي"، الأثر المدمر للهجمات والاساليب العسكرية المنسوبة للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات وجماعة الحوثيين، وتداعياتها على فرص الوصول إلى الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.
إليكم ملخص للتقرير ..
أطراف التجويع في اليمن..
الجامع المشترك بين فرقاء الحرب
* نجم الدين قاسم
لم تترك الأطراف المتحاربة في اليمن وسيلة إلا واستخدمتها في صراعها، منذ اليوم الأول للنزاع المسلح الذي اندلع في مارس/ آذار 2015، فقد استخدمت كل الأطراف تجويع المواطنين كأسلوب من أساليب الحرب، من خلال حرمانهم من الاحتياجات التي تبقيهم على قيد الحياة، في انتهاك واضح للقانون الدولي والإنساني، الذي قد يرقى إلى جريمة حرب بموجب القانون الجنائي الدولي.
لم يكن محمد حسين (اسم مستعار)، يعرف ما السبب الذي يجعل المنظمات الإغاثية والإنسانية تستثنيه مرة تلو الأخرى وتُسقط اسمه دائمًا من ضمن قائمة المستفيدين من موادها الإغاثية والغذائية التي تقدمها للمواطنين المتضررين من الحرب وقصف طيران التحالف العربي (بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات)، لمنازلهم وممتلكاتهم الزراعية في مديرية سحار بمحافظة صعدة (شمالي اليمن)؛ الأمر الذي جعله يحمل تساؤلاته للمسؤولين في تلك المنظمات، الذين بدورهم أخبروه بأن اسمه تم إسقاطه بسبب ضغوطات تلقتها المنظمة من قيادات جماعة أنصار الله (الحوثيين) في المديرية، حيث تم استبدال اسمه باسم شخص آخر، تحت مبرر عدم ولائه لهم.
إعطاء حق من لا يملك لمن لا يستحق
تفرض جماعة أنصار الله (الحوثيين) بشكل متكرر على المنظمات الإغاثية التي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرتها، قوائمَ مستفيدين، تحدّد فيها تقديم المساعدات لهم، وتشتمل هذه القوائم على أسماء أفراد أسر المقاتلين والأسرى والمتوفين التابعين للجماعة، وفي السياق ذاته قامت "منظمة مواطنة لحقوق الإنسان (المرشحة مع حملة مناهضة تجارة الأسلحة، لجائزة نوبل للسلام 2021) و"مؤسسة الامتثال للحقوق العالمية"، بتوثيق عشرات الحالات المشابهة في دراستها الاستقصائية "صنّاع الجوع"، التي استمر العمل عليها لست سنوات، واشتملت على عشرات المقابلات التي قام بها مختصون تابعون للمنظمة مع مواطنين حُرموا من حقهم في الحصول على المواد الغذائية التي تقدمها المنظمات الإغاثية، وإعطائها لأشخاص آخرين.
• استفادت الأطراف المتحاربة في اليمن من الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشه المواطنون، في تحشيد وتجنيد الآلاف منهم، والزجّ بهم إلى جبهات القتال المشتعلة في أغلب المحافظات اليمنية، حيث تسعى جميع الأطراف إلى تدمير مصادر دخل بعض العائلات في المناطق التي تستعر فيها المواجهات، لكي تدفع بالمدنيين والشباب للانخراط في عمليات التجنيد التي تقوم بها
يقول أحد المواطنين في محافظة صعدة، الذي كان يتلقى مساعدات غذائية، قبل أن يتم حذف اسمه من قائمة المستفيدين في عام 2021، إنه من الصعب على الأسر التي لم يقاتل أفرادها في صفوف جماعة أنصار الله، أو أسر الأشخاص الذين لم يُقتلوا في الجبهات من أجل الجماعة، الحصول على المساعدة.
وفي مطلع عام 2020، قامت إحدى المنظمات المحلية الشريكة التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بتوزيع المساعدات على عشرة مستفيدين، وقامت بتصوير تلقيهم للمساعدات لتثبت للجهات المانحة أن المنظمة قد سلمت المساعدات بالفعل لمحتاجيها، ومن ثَمّ طلبت جماعة أنصار الله من المنظمة المحلية الشريكة تسليم ما تبقى من المساعدات للأفراد الذين زعموا أنهم يمثلون المستفيدين المستهدفين، وما كان من المنظمة إلا أنها رضخت لضغط مشرفي الجماعة وسلمت المساعدات للأفراد الذين كانوا برفقة المشرف. يقول عمر (اسم مستعار)، الذي يعمل في المنظمة: "لا أعتقد أن هذه المساعدات ستصل إلى المستفيدين".
ويضيف: "في مجتمع محافظة صعدة، هناك بعض الفئات الأكثر احتياجًا للمساعدات الإغاثية، مثل النازحين وذوي الاحتياجات الخاصة وغير القادرين على إعالة أنفسهم، ولكن، وبالرغم من ذلك، فقد أُجبرنا على صرف المساعدات لأناس لا يحتاجونها، ولكنهم ينتمون لجماعة أنصار الله".
وفي إحدى الحالات المشابهة التي رصدتها منظمة مواطنة، منتصف عام 2020، فقد أجبر المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية (SCMCHA)، التابع لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، إحدى المنظمات الدولية على نقل مشروع إغاثة تابع لها من مديريات صعدة وسحار في محافظة صعدة، الى مديريات أخرى في المحافظة، وحاول أنصار الله (الحوثيون) بعد ذلك فرض قائمة بالمستفيدين من المشروع، شملت أسر القتلى التابعين لهم.
يقول عمران (اسم مستعار)، أحد العاملين في المشروع: "كانت هذه المساعدات مخصصة لأكثر من 1000 مستفيد من الأسر التي تعاني من مشاكل صحية، ورفضنا بشكل قاطع إيصال المساعدات إلى قائمة المستفيدين التي فرضتها علينا جماعة أنصار الله (الحوثيين)، لكن هذا أدّى إلى قيام الجماعة بعرقلة المشروع؛ الأمر الذي أدّى بدوره إلى تكبد المنظمة نفقات عالية لتخزين هذه المساعدات".
لكن في الأخير، وبسبب تكاليف التخزين والخوف من تلف المواد الغذائية، امتثلت المنظمة لمطالب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على أمل أن يتمكنوا على الأقل بعد ذلك من مساعدة بعض المستفيدين المستهدفين. "يعني أننا اضطررنا لتقديم المساعدات لمن لا يستحقها"، يقول عمران.
التطويع بالجوع
استفادت الأطراف المتحاربة في اليمن من الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشه المواطنون، في تحشيد وتجنيد الآلاف منهم، والزجّ بهم إلى جبهات القتال المشتعلة في أغلب المحافظات اليمنية، حيث تسعى جميع الأطراف إلى تدمير مصادر دخل بعض العائلات في المناطق التي تستعر فيها المواجهات، لكي تدفع بالمدنيين والشباب للانخراط في عمليات التجنيد التي تقوم بها.
شهدت محافظة الحديدة وأجزاء من المناطق الساحلية في محافظتي حجة وتعز، والتي تعتبر مواقع لإحدى الجبهات الرئيسية في الصراع، أكبرَ عدد من وقائع العنف، حتى بعد اتفاق ستوكهولم عام 2018، ووقف إطلاق النار، فقد سجل مشروع رصد الأثر المدنــCIMPـــي (966) حادثة واقعة عنف مسلح في محافظة الحديدة فقط خلال 2019، وهي تشكل نسبة 43% من إجمالي وقائع العنف المسلح في البلاد لذلك العام، وذلك أدّى بشكل كبير إلى تدمير اقتصاد المحافظة، وجعل 56% من سكان المحافظة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ومثّلت هجمات التحالف بقيادة السعودية والإمارات عاملًا حاسمًا في تدمير اقتصاد الحديدة من الصيد، حيث قام التحالف بشكل متكرر بضرب قوارب الصيد والمرافق ذات الصلة بأنشطة الصيد في المحافظة؛ مما أدّى إلى مقتل وجرح العديد من المدنيين وتدمير سبل عيشهم من خلال ذلك، ويُعدّ صيد الأسماك مصدرًا ضروريًّا من مصادر كسب العيش والغذاء لأغلب سكان محافظة الحديدة والمناطق الساحلية في محافظتي حجة وتعز.
يقول أحمد علي (30 سنة)، أحد أبناء منطقة اللحية: "كان الصيد هو الملاذ الذي يقصده كل من يبحث عن طعام أو مصدر دخل، كان البحر يمثل كل شيء للمجتمع، فهناك الذين يقومون بصيد الأسماك، وآخرون يعملون ببيعها، وأشخاص يعملون في مصانع الثلج أو شركات تصدير الأسماك، لم تكن هناك مشاكل تتعلق بالصيد قبل هذه الحرب".
ويُضيف: "أما بالنسبة للجوع، فهو شيء يعاني منه مجتمع تهامة حتى قبل الحرب، لكن الحرب جعلت الكثير من الناس فريسة سهلة للجوع، فقد أثّر استهداف الصيادين وقطاع صيد الأسماك بشكل كبير على سعر الأسماك في الأسواق، فقد وصل سعر الأسماك إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه من قبل؛ وذلك بسبب ندرة الأسماك في السوق، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وعزوف الصيادين عن مهنة الصيد بسبب مخاطرها، وذَهاب بعضهم للتجنيد الذي وجدوا فيه مصدرًا جديدًا للدخل".
في السياق ذاته، وثّقت منظمة مواطنة ما لا يقل عن 16 هجمة جوية شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات على الصيادين وقوارب الصيد وأسواق بيع الأسماك خلال الفترة من مارس/ آذار 2015 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2020، استهدفت قطاع صيد الأسماك في الحديدة؛ 50% منها تقريبًا استهدفت مواقع في مديرية اللحية.
• تسببت الألغام -التي زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) وانفجار العشرات منها بوجوه المواطنين المدنيين، حيث لا توجد خريطة توضح للسكان المحليين مكان زراعة هذه الألغام لكي يتجنبوها- في نزوح عشرات الأسر من مناطق مديرية ذو باب الساحلية (غربي تعز)
على الجانب الآخر استخدمت جماعة أنصار الله (الحوثيين) الأسلوب نفسه، وذلك بمنع المنظمات الإغاثية من تنفيذ مشاريع الإغاثة النقدية الطارئة، فقد وثّقت منظمة مواطنة حالات محددة أوقفت فيها جماعة أنصار الله تنفيذ مثل هذه المشاريع في محافظة صعدة، ومنعت المنظمات من تقديم الإغاثة الإنسانية من خلال المدفوعات النقدية. ويرى عاملون في المجال الإنساني أن توزيع المعونات النقدية الإنسانية يحد من قدرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على تجنيد المقاتلين، فقد استفادت الجماعة من توقف رواتب الموظفين الحكوميين في تجنيد المقاتلين، بما في ذلك الأطفال، من خلال تقديم مدفوعات نقدية بسيطة أو مواد أساسية مثل الطعام، لعائلات الأشخاص الذين تقوم الجماعة بتجنيدهم، والمساعدات النقدية التي تقدمها المنظمات الإنسانية لهذه العائلات، تثبط من عملية التجنيد هذه.
حصارٌ وابتزاز
ترى منظمة مواطنة لحقوق الإنسان ومؤسسة الامتثال للحقوق العالمية، أن الأطراف المتحاربة في اليمن أعاقت وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين بعدة طرق، بما في ذلك فرض القيود على الواردات من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية وعرقلة نقل المواد الأساسية داخل اليمن، والاستيلاء على المساعدات وتحويل مسارها، وتأخير أو منع توزيعها، والتدخل في قوائم المستفيدين، وإصدار التشريعات التي تقيد عمل المنظمات الإنسانية، ومنع تنقل فرق المساعدات وترهيب واعتقال العاملين في مجال الإغاثة والتعامل معهم بعنف، حيث كان لهذه الأساليب المتنوعة في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية تأثير خطير على حالة الأمن الغذائي والمائي للمدنيين.
منذ مايو/ أيار 2016، وضعت الأمم المتحدة آلية للتحقق والتفتيش (UNVIM) للسفن التجارية التي تتحرك عبر الموانئ اليمنية في البحر الأحمر، حيث يأتي ذلك امتثالًا لقرار مجلس الأمن 2216 بحظر دخول واستيراد الأسلحة إلى اليمن، ولتسهيل التدفق الحر للسلع والمساعدات التجارية، لكن ومع ذلك فإن عمليات التفتيش المستمرة التي يقوم بها التحالف بقيادة السعودية والإمارات على الشحنات، استمرت في عرقلة حركة البضائع، بما في ذلك المساعدات الإنسانية.
في الطرف الآخر بأقصى غرب اليمن، تفرض جماعة أنصار الله (الحوثيين) حصارًا على مدينة "تعز"، ثالث أكبر المدن اليمنية من حيث الكثافة السكانية، فمنذ أن سيطرت الجماعة على مداخل المدينة في 2015، يقوم مسلحو الجماعة بمصادرة ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية الضرورية التي تُلبي احتياجات بقاء المدنيين على قيد الحياة، كما أعاقت حركة المواطنين من وإلى المدينة، فقد ذكرت منظمة أطباء بلا حدود في عام 2017، أن الحوثيين منعوا دخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى وسط المدينة والمناطق المحيطة بها الخاضعة لسيطرة القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا.
وبحسب تقرير سابق لمنظمة مواطنة، فإن هناك أطرافًا متحاربة أخرى، بما في ذلك القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، تفرض قيودًا تعسفية على التنقل وتجبر المدنيين على تسليم مبالغ كبيرة من المال عند نقاط التفتيش التي يسيطرون عليها في مناطق أخرى من تعز.
ألغام وأرض مفخخة
في أواخر العام 2016، عندما اشتدت الاشتباكات بين القوات الحكومية وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، في الأجزاء الساحلية غرب جنوب محافظة تعز، تحديدًا في مديرية ذو باب والعُمري، سارع الحوثيون قبل انسحابهم إلى زرع الألغام بشكل عشوائي في أجزاء متفرقة من المديرية حتى يعيقوا تقدم القوات الحكومية باتجاه المناطق التي ما زالت تسيطر عليها الجماعة.
تسببت الألغام -التي زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) وانفجار العشرات منها بوجوه المواطنين المدنيين، حيث لا توجد خريطة توضح للسكان المحليين مكان زراعة هذه الألغام لكي يتجنبوها- في نزوح عشرات الأسر من مناطق مديرية ذو باب الساحلية غربي تعز.
صالح أحمد (35 سنة)، أفاد أن شقيقه الأصغر "محمد" فقد إحدى ساقيه إثر انفجار لغم أرضي به، بينما كان يرعى الأغنام في جبل المثلث بمنطقة العمري عام 2019، ويصف كيف كانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) يقومون بزرع الألغام في مناطق كانت ضرورية لحصول السكان على الغذاء والماء، ويقول: "إن الألغام الأرضية المضادة للأفراد والمركبات منتشرة في كل مكان، وتتركز في مناطق تحتوي على المياه والمراعي، كان أنصار الله مسيطرين على هذه المناطق لسنوات، وهم يعرفون أهميتها بالنسبة للسكان، لكنهم لا يكترثون بأرواحنا".
وثّقت منظمة مواطنة 269 انفجارًا لألغام أرضية في اليمن منذ 2014، أسفرت عن مقتل 214 مدنيًّا وإصابة 282 آخرين، وخلصت الدراسة والمقابلات التي أجرتها منظمة مواطنة إلى أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) هي من زرعت هذه الألغام. ومن بين هذه الحالات، وثّقت منظمة مواطنة ما لا يقل عن 83 انفجارًا لألغام أرضية زرعتها الجماعة في جميع أنحاء اليمن، والتي أثرت بشكل خاص على مدنيين كانوا يحاولون الوصول إلى مصادر الغذاء والمياه والمراعي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أرادت خمس أسر نازحة من أهالي منطقة العمري العودة لمنازلهم، وبسبب خوفهم من الألغام، فقد اضطرت هذه العائلات لاستئجار فريق مختص في إزالة الألغام لتطهير مزارعها والطرق المؤدية لها، وتعتبر عملية إزالة الألغام عملية مكلفة للغاية، فالفريق يتقاضى حوالي 350 دولارًا عن كل يوم عمل، ويمكن أن تستغرق إزالة اللغم الواحد ما بين عشر دقائق وقد تصل إلى ساعة كاملة.
وبعد أن تم تطهير المنطقة من الألغام الأرضية، تمكنت الأسر الخمس من العودة إلى منازلها ومزارعها، وتمكّنت أيضًا من إعادة تشغيل أحد مرافق المياه وضخ المياه إلى مزارعها مرة، في المقابل لا تزال بقية أجزاء المنطقة مليئة بالألغام بشكل كثيف، وهناك أسر نازحة أرهقها النزوح والتشتت، تتمنى العودة لمنازلها لكنها لا تجد أجرة فِرَق إزالة الألغام.