اليمن: قصص اضافية من مدينة "القناصين"
يمن فيوتشر - (اطباء بلا حدود-ترجمة خاصة): الإثنين, 23 أغسطس, 2021 - 10:45 مساءً
اليمن: قصص اضافية من مدينة

 تقول وفاء محمد عبد الله، "يلازمنا الخوف ونشعر أننا على شفير الموت وهذا أمر مروّع.لقد تعرضنا للقصف. واصيبت أختي بشظايا مقذوف في إحدى عينيها. لا يمكنني أن أنسى كيف كانت تنزف. ما إن يبدأ القصف حتى نركض للاختباء.. فيختبىء أطفالي تحت البطانيات وهم في حالة من الرعب".
تعيش وفاء البالغة من العمر ثلاثين عامًا في مدينة تعز التي يقطنها مليون شخص ويدور فيها نزاعٌ عدائي وقاس منذ أكثر من ست سنوات.
ومدينة تعز التي كانت تُعرف بالعاصمة الثقافية للبلد، أمست اليوم ساحة قتال للحرب الأهلية الدائرة. فقد شهدت شوارعها قتالًا بالأسلحة وتعرضت للقصف، ما خلّف وفيات وجروح حرب وصدمات نفسية وأدى إلى توقف تام للحياة الطبيعية. 
تقع مدينة تعز في المرتفعات الجنوبية الغربية لليمن على مقربة من ميناء مدينة المخاء في البحر الأحمر وتعتبر ثالث أكثر المدن اكتظاظًا في البلد. وباتت المدينة مرتعًا للعنف بعد أسابيع قليلة من اندلاع النزاع عام 2015.
ومنذ ذلك الحين، يكاد لا يمر يوم إلا ويقض القصف والرصاص والهجمات الصاروخية والضربات الجوية مضاجع السكان في المدينة. 
وتسلط علامات الرصاص وآثار القذائف على المنازل وحطام المباني المنهارة الضوء على الدمار الذي خلفته الحرب بعد أن دخلت عامها السابع. وبعد سنوات من القتال العنيف، تحول خط المواجهة الّذي يقسم المدينة إلى ندبة داخل المدينة..ندبة تمتد من الشرق الى الغرب وتفصل الحوبان عن المدينة بعد أن كان حيًا من أحيائها.  وزُرع خط المواجهة الّذي يتوسط المدينة بالألغام، وأمسى منطقة محرّمة يحرسه القناصة على الدوام. فتحول اسم المدينة الثقافية لليمن إلى مدينة القناصين. 
ويتذكر هشام الّذي يسكن مدينة تعز حادثًا وقع فيه ضحية رصاصة قناص. ويقول في هذا الصدد، "كنت مقابل المستشفى اليمني السويدي أرافق ابنتي التي تعاني من الصرع. تركتها مع والدتها وذهبت لأقترض المال من جيراني. وعند خروجي، أطلق قناص النار علي وأصاب كتفي الأيسر. غطى الدم جسمي فحاولت أن أوقف النزيف بيدي. وفي هذه الأثناء، دست على لغم أرضي فانفجر على الفور. خسرت ساقي من جراء الانفجار. ولم يتوفر أي دعم، ولا حتى أي طرف اصطناعي أستند عليه لأمشي أو أتحرك.
ينعزل وسط المدينة عن باقي البلد، إذ تخضع مدينة تعز لإدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بينما يقع الجزء الشمالي منها في المنطقة التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله في محافظة تعز. 
وبعد أن كانت الرحلة من تعز إلى الحوبان تستغرق عشرة دقائق قبل النزاع، باتت تستغرق من خمس إلى ست ساعات للالتفاف حول خط المواجهة. فيسافر السكان لأميال عبر الجبال ويعودون من الطريق نفسه ليصلوا إلى منطقة يرونها من على سطح منازلهم في الأيام العادية.
نتيجة لذلك، تقلصت حركة السكان بشكل كبير، إذ بات السفر من حي إلى آخر مكلفًا ومرهقًا ويستهلك الكثير من الوقت.
على غرار جميع المناطق اليمنية، أسفر النزاع في تعز عن تحديات اقتصادية أثقلت كاهل الشعب. فقد ارتفعت أسعار الطعام والاحتياجات الأساسية بشكل خيالي وتضاعف سعر بعضها بحوالي 500 مرة منذ بداية النزاع، في حين انخفضت القدرة الشرائية للسكان.
علاوة على ذلك، نادرًا ما يتلقى الموظفون الرسميون رواتبهم، لا سيما العاملين بمجال الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية، ما أدى إلى إقفال مرافق طبية متعددة.  
ويقول أحمد، الّذي يضطر إلى السفر لأربع ساعات حول خط المواجهة مع أنه يسكن في قرية لا تبعد عن مدينة تعز إلا ثماني كيلومترات، "أعمل كطبيب أطفال في مستشفى الثورة بتعز. ولا أتلقى راتبي بانتظام، ما اضطرني إلى أن أجد مصدر رزق آخر في مستشفى خاص في الليل. أمست أسعار الطعام وجميع السلع مرتفعة للغاية لدرجة أن الراتبين لا يكفيان لأعيش حياةً كريمة. كان الوضع جيدًا قبل الحرب وكنا نتنقل متى أردنا بكل سهولة من دون أي خوف وبتكاليف محمولة. لكن الطرق الأساسية مقفلة الآن".
لم يفلت نظام الرعاية الصحية من عواقب الحرب. فقد توقف أكثر من نصف المرافق الصحية العامة في اليمن عن العمل جزئيًا او كليًا. ووصلت بعض المرافق التي تعمل إلى شفير الانهيار، إذ أنها تعاني من شح في الأدوية والموظفين والتمويل. وفي المقابل، لا يمكن للسكان تحمل تكاليف النظام الصحي الخاص، لا سيما أنهم يكافحون من أجل شراء الطعام. 
في سياق آخر، دخلت حنان رشيد عبدو علي التي تبلغ 40 عامًا من العمر إلى جناح الرعاية ما بعد العمليات الجراحية بعد وضع طفلها الثالث بعملية قيصرية.
أجرت حنان العملية في قسم الأمومة بالمستشفى الجمهوري الّذي تدعمه أطباء بلا حدود في مدينة تعز. وكانت حنان أنجبت الطفلين الأولين بعمليتين قيصريتين ايضا، وكانت تعلم منذ أيام حملها الأولى أنّ خضوعها لعملية جراحية هو أمرٌ حتمي.
تعيش حنان مع زوجها في عدن التي تبعد سبع ساعات عن مدينة تعز. ومع ذلك، سافرت حنان من عدن إلى تعز لتضع مولودها في مرفق تدعمه أطباء بلا حدود. لم يكن لديها خيار آخر، فليس بوسع زوجها أن يتحمل التكلفة المرتفعة لولا قيصرية في مستشفى حكومي أو مستشفى خاص. 
وفي هذا الصدد، تقول حنان، "سمعنا أن أطباء بلا حدود تساعد السكان وتقدم لهم الخدمات مجانًا. فأتيت إلى مدينة تعز لأضع مولودي. دمرت الحرب البيوت وانهارت المستشفيات والمؤسسات التعليمية. كما انقطعت الكهرباء وارتفعت أسعار المواد الغذائية من دون أن يتلقى الناس رواتبهم. من لم تقتله الحرب، قتله الجوع".
وتضيف، "أغلقت المستشفيات أبوابها وأمسى من الصعب على السكان شراء الأدوية، حتى فقد معظم الأشخاص حياتهم نتيجة عجزهم عن الحصول على الدواء. لا يمكنك أن تقصد المستشفيات الخاصة بسبب تكاليفها المرتفعة. لقد لاقت بعض الأمهات حتفهن نتيجة عدم تلقيهن العلاج".
ويعتمد سكان تعز بشكل كبير على الدعم الّذي تقدمه الأطراف الإنسانية الفاعلة. وتدعم أطباء بلا حدود الخدمات الصحية منذ مطلع 2016، بعد أشهر قليلة من بدء النزاع.
وفي العام 2020، بعد تقييم متعمق للمرافق الطبية والمناقشة مع المرضى ومجموعات المجتمع والمحاورين الرئيسيين، وجدت أطباء بلا حدود، أن خدمات الرعاية الصحية الإنجابية المتخصصة والمجانية تنضوي تحت أهم الاحتياجات الأساسية  التي يجب تأمينها في مدينة تعز.
في هذا الصدد، تساعد وحدة الأمومة التي تدعمها أطباء بلا حدود في المستشفى الجمهوري بنحو 2350 ولادة في الشهر، وتستقبل الفرق حوالي 50 طفلًا حديث الولادة في وحدة الرعاية المتخصصة للأطفال.
كما يلتمس أكثر من 1500 امرأة خدمات الرعاية ما قبل الولادة وما بعدها من المستشفى كل شهر. 
ويقول منسق مشروع أطباء بلا حدود، إيميليو، "تشدد أطباء بلا حدود على التزامها بالاستجابة إلى احتياجات الرعاية الصحية للسكان في تعز. إننا نعمل على جانبي خط المواجهة ونلبي إحدى أهم الاحتياجات في المنطقة عبر توفير الرعاية عالية الجودة للأمهات والأطفال حديثي الولادة". 
ويردف قائلًا، "إننا نستقبل مرضى من أماكن نائية وبعيدة، إذ تتحمل النساء مشقة رحلات تستغرق ساعات للوصول إلى مدينة تعز والاستفادة من خدماتنا التي لا تتوفر في مواقع قريبة من منازلهم. ونظرًا لقيود السفر والطرق الصعبة، لا يتمكن الكثيرون من الوصول إلى تعز أو إلى مناطق أخرى"
ومع خط مواجهة يقطع قلب المدينة، انعدم الأمن في تعز وبات الوصول إليها من داخل البلد في غاية الصعوبة. ويصعّب كل ما سبق من مهمة الأطراف الإنسانية الفاعلة التي تقدم الدعم، لكن لا يجب نسيانها.  
ويضيف، "إن تقوية نظام الرعاية الصحية في محافظة تعز المكتظة بالسكان يشكّل حاجةً ملحة. في هذا الصدد، ندعو الأطراف الإنسانية الفاعلة إلى دعم مرافق الرعاية الصحية الأساسية لضمان حصول النساء على الرعاية الأساسية في مواقع قريبةٍ من منازلهن". 
ونظرًا لاكتظاظ مدينة تعز بالسكان، أفضى النزاع إلى أضرار كارثية على المدينة. وبما أن تعز مدينة كبيرة، شكلت مركزًا اقتصاديا في المنطقة يضم المرافق التعليمية والصحية.
ولهذا السبب، لم يكن لموقعها أثر سلبي على المدينة والمحافظة فحسب، بل على جميع المناطق المجاورة أيضًا. 
إن الضرر الملموس في المدينة بات هائلًا من دون أي أملٍ بمستقبل أفضل.
وأدى النزاع الذي طال أمده إلى كارثة ألمت بالصحة النفسية للسكان بشكل عام. 
وتقول إحدى الأمهات، "أتمنى أن يحظى أطفالي بحياة أفضل. أدعو الله أن يعيشوا أيامًا جميلة. لكنني لا اظن أن حياة اليمنيين يمكن أن تتحسن. لا نملك أي بصيص من الأمل".


التعليقات