يبدو أن روسيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية، إلى جانب العديد من الدول الأخرى، تدين بالكثير من انخراطها المتبادل وغيره من المشاركات الدولية إلى ما تقتضيه السياسة الداخلية والخارجية المتمثلة في تحقيق السيولة النقدية والاقتصاد والعسكرة.
تشير السيولة النقدية والاقتصاد إلى المشاريع المشتركة والتمويل والتطوير المشترك للتكنولوجيات الحديثة، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيض التكاليف وتوفير فرص العمل، وإنشاء أسواق جديدة للتصدير.
وتشير العسكرة إلى التآزر بين القواعد البحرية ومد النفوذ العسكري إلى الحياة المدنية من خلال الفرص الاقتصادية مثل التجارة والاستثمار والعقود العسكرية أو الأمنية المحلية والوصول إلى الموارد. يتداخل المجالان في كثير من الحالات.
في عام 2018، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلان الشراكة الاستراتيجية مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان في عام 2018 من أجل التعاون السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي بين البلدين.
يعمل صندوق الاستثمار الروسي المباشر مع شركة “مبادلة للبترول” التابعة لصندوق الثروة السيادي الإماراتي على عدد من المشاريع، بما في ذلك تطوير حقول النفط السيبيرية.
تخطط مؤسسة الدفاع الروسية روستيك ((Rostec مع وزارة الدفاع الإماراتية للاستثمار والاقتصاد في القوة الصناعية العسكرية لبعضهما البعض من خلال المشاركة في تطوير الجيل الخامس من الطائرة المقاتلة سو-57 Su-57)).
وهذا من شأنه أن يبدأ في تغيير بعض الأنماط الراسخة لمبيعات الأسلحة بين الموردين الغربيين ودول الخليج الأمر الذي سيدعم المصالح الجيوسياسية للمصنعين.
كما أنشأ صندوق الاستثمار الروسي المباشر مكتبًا تمثيليًا في المملكة العربية السعودية في عام 2019 لاستكشاف فرص تربو قيمتها على 1.3 مليار دولار أمريكي قام بوتين بتوقيعها خلال زيارته للمملكة في ذلك العام.
وقعت السعودية عقدًا مع شركة روس أوبورون إكسبورت ((Rosoboronexport لكي تنتج، محليًا، أنظمة قاذفات اللهب الثقيل TOS-1A التي يتم وضعها على الدبابة السوفييتية المقاتلة تي-72. كما قامت الشركة السعودية للصناعات العسكرية بترخيص صاروخ كورنيت 9M133، وهو صاروخ موجه مضاد للدبابات، وتصبو إلى ترخيص نوعيات حديثة من بنادق الكلاشنكوف AK، مثل AK-103. تمكنت شركة روساتوم (Rosatom) الحكومية الروسية للطاقة النووية بنجاح من اجتياز مرحلتي التأهيل للمناقصة السعودية لإنشاء محطتي طاقة نووية عاليتي القدرة في عام 2020.
ومن المقرر أن تقام هذه المحطات في المملكة، ومن المرجح أن تتم تغذيتها باليورانيوم المستخرج والمخصب داخل السعودية. كانت هناك خطط لبناء 16 مفاعلًا نوويًا بحلول عام 2032، علمًا بأن البناء قد يتباطأ بسبب الانتقال السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة.
يبدو أن المحادثات بين روسيا والمملكة جارية، على قدم وساق، بشأن نظام الدفاع الصاروخي S-400، والتي قد تهدف ببساطة إلى ضمان استلام سبع بطاريات من منظومة ثاد للدفاعات شاهقة الارتفاع (THAAD)، لتقوم الولايات المتحدة بتسليمها بين عامي 2023 و2026. إذا كانت هذه المفاوضات جادة، فقد يكون لها عواقب جسيمة على الأمن الإقليمي والعلاقات الأمريكية-السعودية.
وسوف يؤدي عدم إمكانية التشغيل المتبادل مع الأنظمة الأمريكية إلى التقليل من فاعليتها، كما أن نشر نظام دفاع جوي متكامل يتضمن نظام S-400من شأنه أن يضاعف من تكاليف الشراء والاعتماد على الكرملين. من الممكن أن تزيد الصفقة من احتمال حدوث خطأ بشري يدفع الولايات المتحدة للجوء لتطبيق قانون التصدي لأعداء أمريكا من خلال العقوبات، الأمر الذي من شأنه أن يقوض مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة. كما أن ذلك قد يؤثر على علاقات السعودية مع الحلفاء، وغالبيتهم من أعضاء الناتو الذين تسلموا طائرة مقاتلة أمريكية من طراز F-35، ولا يرغبون في تعريضها قدراتها الخفيّة للخطر من خلال جعلها على مقربة من عمليات المراقبة التي يقوم بها نظام S-400.
كما أن العسكرة جارية الآن أيضًا من خلال أصول مثل المنشأة البحرية الروسية في بورتسودان، والتي تم توقيع عقدها في عام 2020. ويعتمد الوجود الروسي في بورتسودان (المدعوم بالوصول للمجال الجوي السوداني) على تجربته في قاعدته البحرية في ميناء طرطوس السوري. تفيد التقارير الواردة أن روسيا، وهي أكبر مورد للأسلحة لأفريقيا، تخطط لاستخدام منشأة بورتسودان لتوسيع انخراطها في استخراج الموارد المحلية. إذا أكدت الحكومة السودانية المؤقتة ذلك، فمن الممكن أن تتولى روسيا مسؤولية تحديث الجيش السوداني، والمساعدة في الدفاع عن السودان ضد الهجمات الجوية أو البحرية.
الأهم من ذلك، أن الصفقة ستحقق طموح بوتين في إظهار قوته في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، وهو أمر حاول القيصر الروسي نيكولاس الثاني تحقيقه عندما أرسل السفينة الحربية جيلياك إلى الخليج، دون نوايا عدوانية، بل للتأكيد على أن مياه الخليج مفتوحة لسفن جميع البلدان.
تم النظر إلى هذه المبادرة وغيرها من المبادرات الروسية على أنها تحدٍ للسيطرة البحرية البريطانية على المحيط الهندي الأمر الذي أسفر عن الاتفاقية الأنجلو-روسية لعام 1907، والتي أضفت الطابع الرسمي على مناطق نفوذ كلٍ منها فيما يتعلق ببلاد فارس وأفغانستان والتبت.
تتماشى الحسابات الروسية مع التوجه المتنامي للمصالح الأجنبية البحرية في جيبوتي، حيث توجد قواعد لكل من الولايات المتحدة والصين وفرنسا وإيطاليا واليابان.
تعمل السعودية الآن على وضع اللمسات الأخيرة على صفقة لإنشاء قاعدة لها في جيبوتي بعد توقيعها لاتفاقية أمنية في عام 2016 تهدف إلى الحد من نفوذ الحوثيين وهجماتهم عبر مضيق باب المندب. في حالات معينة، أنشأت هذه الدول ذاتها مؤخرًا قواعد لها في الخليج. باشرت البعثة الأمنية البحرية الأوروبية أعمالها في عام 2020، انطلاقاً من معسكر السلام (Camp de la Paix) في أبوظبي، وتضم ضباطًا من بلجيكا والدنمارك وهولندا وفرنسا. من الممكن “لنقطة القوة الاستراتيجية” الصينية أن تتحول من منشأة اقتصادية إلى قاعدة بحرية بناءً على اهتمامات الصين المحلية وديناميكية الأمن الإقليمي، وذلك من خلال امتلاك وتشغيل ميناء جوادر في باكستان. تختلف الحسابات، لكن يُنظر بالفعل إلى جوادر على أنها تخدم المصالح الاجتماعية والاقتصادية الصينية المزدهرة في الداخل والخارج. كما أن الاستخدام المتزايد للشركات العسكرية “الخاصة”، مثل مجموعة فاجنر الروسية وريفليكس رسبونسز، يلفت الانتباه أيضًا إلى التفاعل بين الفرص الإقليمية، وتحقيق السيولة النقدية، والعسكرة والدبلوماسية.
بدافع الحاجة إلى إظهار قوتها أثناء الصراع في اليمن، وتنافسها مع قطر وتركيا من خلال اختراق منطقة القرن الأفريقي لتأمين مصالحها البحرية، لجأت الإمارات للاستثمار بشكل كبير في الموانئ والقواعد على امتداد الساحل الشمالي للقرن الأفريقي. بعد إجبارها على التنازل عن امتيازها في محطة حاويات دوراليه في جيبوتي، بموجب مرسوم رئاسي في عام 2018، قامت الإمارات ببناء ميناء وتوسيع مهبط للطائرات في مدينة عصب في إريتريا قبل تفكيكه بعد أن بدأ الإماراتيون في الانسحاب من الصراع اليمني. كانت الإمارات تخطط لبناء قاعدة عسكرية في بربرة في منطقة الحكم الذاتي صوماليا لاند (غير المعترف بها دوليًا)، ثم جاءت الموافقة بتحويلها إلى مطار مدني في عام 2019، وفقًا لرئيس المنطقة. وفي هذه الأثناء، تقوم شركة موانئ دبي العالمية بتوسيع ميناء بربرة وتطويره.
ومع كل إعادة الانتشار البحري هذه، ما تزال الإمارات تحتفظ بنفوذٍ عسكريٍ لها في المحيط الهندي وخليج عدن وباب المندب من خلال استيلائها على جزيرة سقطرى، وعلاقاتها مع السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، وقاعدة جوية في جزيرة ميون. كما تعمل الإمارات أيضًا على تعزيز نفوذها في صوماليا لاند من خلال مكتب تجاري إماراتي جديد، ما من شأنه أن يعزز التعاون في مبادرات مكافحة القرصنة والإرهاب. استثمرت أبو ظبي 336 مليون دولار لتوسيع ميناء بوساسو في عام 2018 في منطقة بونت لاند، التي تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي على الساحل الجنوبي لخليج عدن. وانخرطت الإمارات، على غرار روسيا، في تدريب قوات عسكرية. على سبيل المثال، منذ عام 2014 وحتى استيلاء قوات الأمن الصومالية على ملايين الدولارات واحتجازها مؤقتًا لطائرة إماراتية في 2018، دربت الإمارات مئات القوات الصومالية. تحتفظ تركيا بقاعدة لها، معسكر تُركسوم وجامعة دفاع في مقديشو بالصومال، منذ عام 2017. في حين أن حدة الأزمة القطرية قد هدأت في الوقت الراهن، إلا أن مبررات الاستقطاب الاقتصادية والاستراتيجية للتمحور حول شبه الجزيرة العربية من خلال استغلال العلاقات في القرن الأفريقي وإظهار القوة في البحر الأحمر لا تزال جاثمة. أطلقت السعودية تحالف البحر الأحمر في عام 2020، بمشاركة السودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن، والذي أعيد توجيهه حول القضايا الأمنية، مثل القرصنة والتهريب. لكنه لا يتناول معالجة وجهات النظر السياسية والأمنية التي تتبناها الدول غير المدرجة في المجموعة، ولا يعمل على التوفيق بينها.
في حين أن بعض صفقات الدفاع الصاروخية واتفاقات القواعد العسكرية الجديدة قد لا تتحقق، إلا أن هذه المصالح الاستراتيجية الدولية والإقليمية المتزايدة في الخليج والبحر الأحمر توضح التحدي الذي يواجه المصالح الغربية والأمر الواقع. إن تاريخ التنافس بين القوى العظمى في المحيط الهندي بالإضافة للخلاف حول مضيق هرمز وعسكرته يسلط الضوء على المخاطر المستقبلية في محيط مضيق باب المندب. إن إلقاء نظرة جديدة على إطار العمل المتكامل في البحر الأحمر والدبلوماسية المرتبطة به من شأنها أن تساعد في تجنب معضلة أمنية قد تنجم عن التداخل في مجالات المصالح الاقتصادية والعسكرة. وفي هذه الأثناء، تبدو الإمارات ودول القرن الأفريقي وبعض الكيانات الفرعية في الصومال في وضع جيد يمكنها من الاستفادة من المنافسة المحتدمة.