تقرير: رحلة معاناة تنتهي بولادة متعسرة
يمن فيوتشر - نجم ابو رأس الأحد, 28 ديسمبر, 2025 - 11:41 صباحاً
تقرير: رحلة معاناة تنتهي بولادة متعسرة

في منطقة نائية بعيدة عن المرافق الصحية، تجد "أم نائف" نفسها ضمن مئات النساء المحرومات من أبسط حقوقهن في رعاية الحمل والولادة. تروي معاناتها قائلة: "تعسرت ولادتي خلال فترة بسيطة"، مُرجعة السبب إلى عدم قدرتها على متابعة حملها "لأنه لا يوجد مرافق صحية بالمنطقة"، مما اضطرها للسفر لمسافات طويلة ووعرة للوصول إلى مستشفى خارج منطقتها. وتضيف: "بسبب حالتي المادية لم أستطع تَفَقُّد نفسي أثناء الحمل ولو لمرة واحدة. أثناء ولادتي ذهبت للمستشفى للمرة الأولى، ولكن طول الطريق ووعورتها تسبب لي بولادة متعسرة وحدوث مضاعفات لولا لطف الله بي".

"أم نائف" ليست سوى حالة واحدة تجسد معاناة واسعة النطاق. وتشرح القابلة "أمة اللطيف" أكثر المشاكل التي تواجه النساء: "الظروف المادية لبعض الأسر مع تَفاقُم الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد، وبُعد المسافة للمناطق البعيدة عن المستشفيات، وقلة الوعي لدى بعض رب الأسرة أو الأم نفسها". وتستدل بحالة طارئة واجهتها: "حالة ولدت بالطريق، اكملت بقية إجراء مراحل الولادة بعد خروج الجنين وبقاء المشيمة، فتم التعامل معها ضمن البروتوكول المعتاد".

وتحذر القابلة من تأثير "قلة الإمكانيات والأدوات في المستشفيات" على صحة الأم والجنين، مما قد يؤدي إلى مضاعفات أو فقد أحدهما لا سمح الله. وتؤكد على ضرورة "التدريب المتعلق بالأم والجنين" والتوعية المجتمعية، وكذلك "الدعم المادي والمعنوي للحالات نظرًا لما نلقاه بظل الظروف التي تعيشها البلاد من مستلزمات وأدوية".

 

وجهة أخيرة وحمل ثقيل

تُضاف إلى شهادات النساء والقابلات شهادة من داخل المستشفيات التي تستقبل الحالات الطارئة. يقول "حسين الوتيري" مدير مستشفى الحصون: "عدد حالات الولادة القادمة من المناطق الريفية التي نستقبلها شهريًا تصل إلى 112 حالة تقريبًا". ويشرح أبرز المشاكل الصحية التي تصل بها هؤلاء النساء: "فقر الدم وسوء التغذية وعدم الوعي الكافي والتثقيف الصحي ووجود مفاهيم خاطئة ومغلوطة عن الرعاية الأولية والإنجابية".

ويكشف "الوتيري" عن حجم المأساة التي تصل إلى أبواب المستشفى: "نواجه صعوبات مع الحالات الطارئة الواصلة من القرى مثل الصعوبات الطبية وحدوث مضاعفات تلحق بالمرأة الحامل بسبب تأخرها عن المستشفى، وقد يحدث نزيف حاد ونزيف ما بعد الولادة، وبعض الحالات تصاب بالتسمم الحملي، وحالات تصل إلينا وقد حدث لها تمزقات داخل الرحم. وهذه الأنواع من الصعوبات تفرض على طاقمنا الطبي التعامل مع المضاعفات أكبر من المشكلة الرئيسية".

ويضيف تحدياً آخر: "هناك صعوبات نواجهها في مشكلة نقل الدم للفصائل النادرة، مما يجعلنا نبحث عن فصيلة دم متطابقة لفصيلة المريضة وذلك لتعويض الدم بسبب الوصول المتأخر بالمريضة إلى المستشفى". ويؤكد مدير المستشفى أن "عدم وجود وعي وتثقيف للمجتمع هو العائق الأكبر الذي يجعل الأم الحاملة تدخل بمضاعفات ولادة"، مشيرًا إلى وجود دراسات من قبل مركز الصحة حول هذه القضية.

وتوضح "أمة اللطيف" الفرق الكبير بين الولادة تحت رعاية طبية وفي المنزل: "الولادة والرعاية في المدينة مقارنة بالولادة في المنزل أو مكان خارج المشافي أحسن وآمن للأمهات، فالمدينة تقدم الرعاية المتكاملة والآمنة". كما تُشير إلى مشكلة في التعاون المجتمعي: "أصبحنا نتكئ على منظمات ومؤسسات داعمة، فأصبح المجتمع المحلي نفسه لا يأبه بأي من ذلك إلا في حالات نادرة واستثنائية".

 

واقع مرير وإحصائيات صادمة

من جانبه، يشرح "زياد الراعي" مدير التثقيف والإعلام الصحي بمحافظة مأرب، تأثير الأزمة الحالية على القطاع الصحي قائلاً: "الوضع الحالي مع الحروب والصراعات وانقطاع الطرقات، انقطعت التمويلات بشكل كبير جدًا حيث إنه كان يصل إلى 70%، وهذا الأمر أغلق بعض المرافق الصحية والبعض شبه مغلق خاصة في المناطق الريفية". ويُقدّر عدد المرافق العاملة حاليًا بـ "مابين 20_25 مرفق صحي على المستوى المحلي"، معترفًا بأن تقديم الخدمات فيها "لا بأس وجيدة نوعًا ما".

ويُضيف أن هناك خططًا "لتوفير قابلات وتأهيل مستمر خاصة في المناطق الريفية"، حيث تخرجت مؤخرًا دفعتين من حوالي 80 طالبة، مع وجود دفعة حالية تدرس بدعم منظمة. ولتقليل المخاطر، يشير إلى ضرورة "توفير مستشفيات مرجعية من المستوى الثاني أو الثالث" لتخدم عدة قرى.

 

نقص الوعي: المشكلة الطاغية

يُسلط "الراعي" الضوء على مشكلة جوهرية يعاني منها مكتب الصحة، وهي "نقص وعي عند الأهالي وبذات عند الأم الحامل، فبعض الأمهات لا تقوم بمتابعة حملها ولا حتى بالفحص". ويؤكد على ضرورة "وجود وعي كافي في المجتمع لرعاية الحوامل وبذات في الأشهر الأولى". ويُعرِّف انسحاب المنظمات الداعمة، مثل مؤسسة بناء التي كانت تدعم خدمات الطوارئ التوليدية، كـ "عائق كبير وتحدٍ".

ويلخص التحديات بقوله: "أغلب الأمهات لا يوجد لديهن معلومات حول رعاية الأم الحامل... ربما قد يكون الوضع الاقتصادي وقلة الإمكانيات هو السبب، فبعض الأسر تفتقر حتى لأجرة المواصلات... وربما في قرى متباعدة جدًا ولا توجد بداخلها مرفق صحي والمواصلات فيها شبه معدومة".

 

إحصائيات تؤكد حجم المأساة

تُجسد الأرقام الرسمية حجم المأساة. فبحسب وزارة الصحة في مأرب للعام 2024_2025، بلغ عدد وفيات النساء في قسم الطوارئ 89 حالة. كما سُجلت 3 وفيات لأمهات بسبب مضاعفات الولادة، و8 وفيات لما بعد الولادة. وعلى صعيد الأطفال، بلغ عدد الولادات الميتة 111، وموت أطفال حديثي الولادة 88. أما حالات تعسر الولادات ومضاعفاتها فقد وصلت إلى 1176 حالة.

ويكشف "زياد الراعي" عن إحصائية أخرى مروعة: "هناك حالات وفيات مابين 2024_2025 سُجلت أكثر من 60 حالة وفيات، منها بسبب تعسر الولادة، ومنها بسبب عدم نقلها بشكل سريع للمرافق الصحية، والبعض بسبب تعرض الأم للإجهاض". ويختتم بالقول: "هناك مشاكل جدًا بهذا الجانب، ولكن تبقى مشكلة نقص الوعي لدى المواطنين هي الطاغية على كل المشاكل؛ لا يدركوا كيف يتم رعاية الأم الحاملة وكيف تقديم الخدمات وما هي الخدمات أيضًا".

على الرغم من الجهود المبذولة لتأهيل القابلات وتوفير بعض المرافق الصحية، يظل واقع رعاية الحوامل في المناطق النائية بمحافظة مأرب - والمناطق المشابهة - واقعاً صعباً ومحفوفاً بالمخاطر. تختلط في هذه المأساة عوامل بنيوية عميقة؛ تبدأ من تداعيات الصراع وانقطاع التمويلات الداعمة، مروراً بشح الإمكانيات المادية والفقر الذي يحرم الأم حتى من تكلفة المواصلات، ووصولاً إلى التحدي الجغرافي المتمثل في بُعد المسافات ووعورة الطرق. إلا أن جميع هذه العوامل تتفاقم تحت وطأة المشكلة الأكثر حضوراً والأشد تأثيراً، والتي اتفق عليها جميع المصادر: نقص الوعي المجتمعي حول أهمية متابعة الحمل والولادة تحت رعاية طبية.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي


التعليقات