تقرير: من طموح الهيمنة إلى واقع الانكسار.. كيف أوصلت حسابات إيران الخاطئة مشروعها إلى حافة الانهيار؟
يمن فيوتشر - سي ان بي سي: الاربعاء, 25 يونيو, 2025 - 07:03 مساءً
تقرير: من طموح الهيمنة إلى واقع الانكسار.. كيف أوصلت حسابات إيران الخاطئة مشروعها إلى حافة الانهيار؟

قبل أقل من عامين، كانت الحكومة الإيرانية تبدو منتصرة.

كان ذلك في نوفمبر 2023، بعد أسابيع فقط من الهجوم الدموي الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، حيث تنبأ جنرال إيراني بارز بأن النظام الإيراني وقواته الوكيلة في غزة ولبنان على وشك إلحاق الهزيمة بإسرائيل والولايات المتحدة وأعداء آخرين.
قال اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، في خطاب ألقاه بمدينة قزوين:
"نحن نقاتل أميركا، والصهيونية، وكل من يستهدف عظمة وكرامة الثورة الإسلامية في إيران... نحن على أعتاب فتح قمم عظيمة... نحن نتغلب تماماً على الأعداء."
لكن إيران اليوم في أضعف موقف لها منذ أوائل الثمانينيات.
فحلفاؤها من حزب الله في لبنان تعرضوا لضربات موجعة، وحماس تم سحقها في غزة، والمواقع النووية الإيرانية تعرضت لقصف كثيف، فيما أصبحت السماء الإيرانية تحت السيطرة الكاملة لسلاح الجو الإسرائيلي.
أما حسين سلامي، فقد قُتل في غارة جوية إسرائيلية هذا الشهر.
ويقول الخبراء والمسؤولون السابقون إن ما أوصل إيران إلى هذا الوضع هو سلسلة من الحسابات الخاطئة والأخطاء الاستراتيجية، نتيجة قرارات اتُخذت على مدى عقود، وكذلك في الشهور الأخيرة.
فالدبلوماسية المتصلبة لطهران، واعتمادها المفرط على الميليشيات الإقليمية، وضعف إجراءاتها الأمنية، جعلها عرضة لخصوم يملكون جيوشاً أقوى بكثير. وفي لحظة حاسمة، فشل قادة النظام الإيراني في فهم نوايا وقدرات خصومهم الرئيسيين في القدس وواشنطن، دون وجود أي شريك أجنبي مستعد للتدخل.
قال علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية:
"كانت إيران عنيدة جداً عندما كان ينبغي أن تكون أكثر مرونة... لم تفوّت فرصة لإضاعة الفرص."
ومن الأخطاء الحديثة، بحسب واعظ، أن إيران لم تتعلم من كيفية تعامل الدول الأخرى مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولا من التغيرات التي حدثت بعد أن دمرت إسرائيل ميليشيات حزب الله المدعومة من إيران في لبنان.
لكن ربما كان الخطأ الأكبر هو الاعتماد على حزب الله في لبنان ليكون "دفاعاً متقدماً" ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل — وهو نهج نجح لسنوات، وحقق نتائج عندما أرسلت إسرائيل قواتها إلى لبنان.
لكن كل شيء تغيّر بعد الهجوم المفاجئ الذي شنّته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين.
إيران كانت قد سلّحت ودربت ومولت حماس، وهجوم الحركة أشعل سلسلة من الأحداث أدت إلى إضعاف النظام في طهران وتراجع نفوذه الإقليمي بشكل كبير.
قال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول استخبارات أميركي سابق:
"أعتقد أن هناك خطاً مباشراً يربط بين 7 أكتوبر واليوم."
وبينما كانت إسرائيل تضرب عناصر حماس في غزة بعد 7 أكتوبر، كانت إيران وحزب الله يستعدان لهجوم بري إسرائيلي متوقع على لبنان. لكن إسرائيل اختارت نهجاً مختلفاً، وركزت على استهداف قادة حزب الله وزعيمه، عبر غارات جوية وأجهزة نداء مفخخة يستخدمها عناصر الحزب. أما التوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان فكان محدوداً للغاية.
وقال أليكس بليتساس، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية وعضو مركز "أتلانتيك كاونسل":
"الدومينو الذي سقط بعد 7 أكتوبر ترك شبكة وكلاء إيران في حالة خراب، وقلّل من قوة الردع لديها، وقيّد قدراتها على تنفيذ هجمات مضادة."
وأضاف أن إيران فشلت في التكيف مع المتغيرات، ورفضت العروض الدبلوماسية القادمة من واشنطن، رغم ضعف موقفها المتزايد.
أما سيث جونز، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال إن إيران بعد حربها مع العراق في الثمانينيات استثمرت بكثافة في تسليح وتدريب ميليشيات في المنطقة من خلال الحرس الثوري، وكان حزب الله محور "محور المقاومة".
لكن هذا النهج — رغم فعاليته لعقود — أهمل القوات المسلحة النظامية الإيرانية، التي أصبحت متخلفة بشكل كبير.
قال جونز:
"ما يعنيه هذا هو أن قواتك التقليدية لم تعد تحظى بالاهتمام الكافي... وخلال الحملة الجوية الإسرائيلية، كانت إيران تواجه عدواً يمتلك طائرات شبح من الجيل الخامس من طراز F-35... ولا يوجد لدى إيران ما يواجه ذلك."
كما فشلت إيران على الصعيد الدبلوماسي.
ففي المحادثات حول برنامجها النووي، تمسّك قادتها بمواقف متصلبة، معتقدين خطأً أنهم يستطيعون كسب الوقت وانتزاع تنازلات من ترامب، وكذلك من خلفه جو بايدن.
وعلى مدى أربع سنوات، ماطلت إيران وأخّرت المحادثات مع إدارة بايدن، رغم أنها أبدت استعداداً لإحياء وتعديل الاتفاق النووي لعام 2015، الذي كان ترامب قد انسحب منه عام 2018.
وعندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض، قدم مبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، عرضاً يسمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم لعدة سنوات، على أن تساعدها دول أخرى في تطوير برنامج نووي مدني.
الحكومة الإسرائيلية والصقور الجمهوريون رأوا أن العرض كان كريماً جداً، لكن إيران أساءت تقدير موقف ترامب، وظنت أنها تستطيع إطالة أمد المفاوضات، بحسب خبراء ومسؤولين غربيين.
وفي النهاية، كتب كريم سجادبور من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي على وسائل التواصل الاجتماعي:
"المليارات من الدولارات، وعقود من الجهد التي خصصتها إيران لبرنامجها النووي، لم توفر لها لا الطاقة النووية ولا الردع."

الاعتماد على روسيا
بالإضافة إلى شبكة الوكلاء الإقليمية الممتدة من لبنان إلى اليمن، اعتمدت إيران طويلاً على نظام بشار الأسد في سوريا كحليف وحيد حقيقي.
لكن المتمردين السنّة أطاحوا بالأسد في ديسمبر، ولم يعد ضباط الحرس الثوري مرحباً بهم في دمشق.
وكانت إيران قد صوّرت تعاونها المتزايد مع روسيا كشراكة استراتيجية، حيث زوّدت موسكو بآلاف الطائرات المسيّرة من طراز شاهد لحربها في أوكرانيا، وقدمت لها الدعم الفني لبناء طائرات مماثلة على الأراضي الروسية.
في المقابل، حصلت إيران على بعض أنظمة الدفاع الجوي الروسية، لكن الطائرات المقاتلة وغيرها من المعدات التي وُعِدت بها لم تصل قط.
وخلال الأسبوعين الماضيين، دمّر سلاح الجو الإسرائيلي رادارات إيران وأنظمة الدفاع الجوي الروسية، مما أدى إلى فقدان طهران السيطرة على مجالها الجوي.
وعندما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في موسكو يوم الاثنين، لم يأتِ على ذكر أي مساعدات عسكرية لإيران.
ورغم الخطاب المتشدد لطهران عن "قهر الأعداء"، ورغم أجهزتها الأمنية والاستخباراتية الواسعة، نفذت إسرائيل مراراً عمليات تخريب واغتيالات طالت ضباطاً عسكريين كباراً، وعلماء نوويين، وزعماء حزب الله في لبنان، وقادة حماس في غزة.
وقد أذلت هذه العمليات النظام الإيراني وأظهرت أن أجهزته الأمنية غير قادرة على حماية كبار قادته أو رموزه الأساسية.
قال علي واعظ:
"كل استثمارات إيران في الدفاع المتقدم، وبرنامج الصواريخ، والقدرات النووية، تبخرت خلال 12 شهراً من الحرب الإقليمية، و12 يوماً من الحرب على أراضيها نفسها... ووفقاً لهذه النتيجة، لا شك أن إيران أخطأت الحساب في كل خطوة."


التعليقات