تحليل: حلم "تغيير النظام" الإيراني .. تجارب الشرق الفاشلة نذير شؤم
يمن فيوتشر - DW الاربعاء, 25 يونيو, 2025 - 10:57 صباحاً
تحليل: حلم

تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة عن أن تغيير النظام في إيران "قد يكون حتميا نتيجة" للهجمات الإسرائيلية على إيران، والتي بدأت قبل أكثر من أسبوع. ففي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، قال نتنياهو إن "النظام الإيراني ضعيف جدا".

وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على إسقاط قاذفات أمريكية قنابل خارقة للتحصينات على مواقع نووية تحت الأرض، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إمكانية الإطاحة بالحكومة الإيرانية.

وقال ترامب في منشور له على منصته الخاصة "تروث سوشيال" إنه "ليس من الصواب سياسيًا استخدام مصطلح ‘تغيير النظام'، لكن إن لم يكن النظام الإيراني الحالي قادرا على جعل إيران عظيمة مرة أخرى، فلم لا يكون هناك تغيير للنظام؟"

ويشير خبراء إلى أنه كلما طال أمد الحرب مع إيران، ازدادت رغبة إسرائيل والولايات المتحدة في التخلص ليس فقط من البرنامج النووي الإيراني، بل من النظام في الجمهورية الإسلامية أيضا.

 

عواقب وخيمة لمحاولة تغيير النظام

يرى إيكارت فورتس، رئيس معهد "غيغا" الألماني للدراسات العالمية والإقليمية ومقره هامبورغ، أنه "من المشكوك فيه جدا إمكانية إحداث تغيير في النظام (الإيراني) انطلاقًا من الخارج بكبسة زر".

وفي مقابلة مع DW، أضاف: "إذا بلغ الأمر هذا المستوى، فمسألة أن الأمور ستسير في الاتجاه الصحيح، هي قضية .

وتثير قضية إحداث "تغيير في نظام" سياسي انطلاقا من الخارج الكثير من الجدل. وبموجب القانون الدولي، يُعد الأمر انتهاكا واضحا لسيادة الدول التي ترغب أطراف خارجية في تغيير نظامها السياسي.

وتشير الوقائع السابقة إلى أن مثل هذه الخطوات لم تؤدِ إلى أي تغيير ديمقراطي، بل كثيرا ما أسفرت عن فراغ في السلطة وأعمال عنف.

وفي كثير من الأحيان، تجد الحكومات التي تنشأ من رحم مثل هذه التغيرات نفسها عاجزة عن مواجهة التحديات الكبرى في حل مشاكل البلاد، مما يؤدي إلى المزيد من الأزمات والصراعات.

لقد شهد التاريخ الحديث للشرق الأوسط عدة محاولات لإحداث تغيير في النظام من الخارج، ولا تزال عواقب هذه التدخلات قائمة حتى اليوم. وهنا بعض الأمثلة:

 

أفغانستان

يُعد النموذج السياسي، الذي نشأ في أفغانستان عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 المثال الأبرز على ذلك. فقبل 24 عاما، فُعّلت المادة الخامسة من اتفاقية تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) للمرة الأولى والوحيدة في تاريخ الحلف. وقرّر التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الإطاحة بنظام طالبان ومحاربة تنظيم القاعدة.

في البداية، كانت العملية ناجحة للغاية؛ فبحلول نهاية عام 2001، طُردت طالبان من كابول. لكن دول التحالف الغربي تباينت آراؤها بشأن كيفية التعاون في مجالات المساعدات العسكرية والسياسية والتنموية.

وبسبب ذلك، ظلّ الوضع الأمني محفوفًا بالمخاطر لأكثر من عشرين عامًا. وظلت الهجمات المتكررة تهز جوانب البلاد، وظلت حركة طالبان تشن هجمات مضادة مرارا وتكرارا. وخلال الفترة بين عامي 2001 و2021، قُتل حوالي 3600 جندي غربي ونحو 50 ألف مدني أفغاني. وبلغت تكاليف القتال المباشر نحو 800 مليار دولار، فضلا عن 85 مليار دولار لتدريب الجيش الأفغاني.

وعقب الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان في صيف 2021، عادت حركة طالبان إلى السلطة.

ومنذ ذلك الحين، خسرت أفغانستان تقريبا ما تحقق خلال عشرين عاما، وتتكرر انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والإعدامات العلنية. وأصبحت البلاد أكثر فقرا وعزلة، حيث يعتمد 23 مليون شخص على المساعدات الإنسانية.

 

العراق

في السابق، سلّحت الولايات المتحدة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي حكم العراق لأكثر من عقدين. لكن في عام 2003، قررت واشنطن الإطاحة به عبر "تحالف الراغبين" بقيادتها، دون تفويض من مجلس الأمن الدولي.

وبررت واشنطن قرارها بزعم أن صدام كان يدعم تنظيم القاعدة ويمتلك أسلحة دمار شامل – وهي ادعاءات ثبت لاحقا زيفها.

وقال إيكارت فورتس: "أُطيح بصدام حسين ليس لأنه امتلك أسلحة دمار شامل، بل لأنه لم يمتلكها، وفي ذلك الوقت، انتبهت إيران إلى الأمر".

وعقب سقوط نظام صدام، شكّلت الولايات المتحدة حكومة انتقالية واجهت انتقادات حادة بسبب سوء إدارتها وافتقارها للخبرة السياسية.

وانزلق العراق بين عامي 2006 و2007 نحو حافة حرب أهلية بين السنة والشيعة، وسط هجمات شبه يومية. وتزامن ذلك مع قتال جنود سابقين في الجيش العراقي المنحل ضد القوات الأمريكية.

وبعد مرور عشرين عاما على الغزو الأمريكي، لا يزال العراق في طور التغيير.

 

ليبيا

لا تزال ليبيا تعاني من عواقب تغيير نظام معمر القذافي في عام 2011، عقب موجات الربيع العربي.

في البداية، اندلعت مظاهرات ضد القذافي، الذي حاول قمعها بالقوة. وتدخل الناتو عسكريا بفرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين. صمد نظام القذافي لبضعة أشهر، لكن في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، انتهى النظام بمقتل القذافي.

ورغم مرور السنوات، لم تُشكل حكومة موحدة تسيطر على كامل البلاد. ولا تزال ليبيا تعاني من الاقتتال بين الميليشيات، وتفككت الدولة تقريبا، مع وجود حكومتين متناحرتين منذ مارس/ آذار 2022، إلى جانب تدهور سجل حقوق الإنسان.

 

فرصة ضئيلة لتغيير النظام الإيراني

من جانبه، يسلط إيكارت فورتس الضوء على نقطة مهمة، وهي أن فرضية تغيير النظام الإيراني تتطلب وجود قوات على الأرض. وقال: "لا أرى وجود حركة تمرد قوية داخل إيران قادرة على إسقاط النظام الحالي".

وأشار رئيس معهد "غيغا" الألماني للدراسات العالمية والإقليمية إلى أن "التغيير الناجح الوحيد في نظام سياسي كان في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه تطلّب غزوا بريا ومرحلة انتقالية حظيت بدعم شعبي".

وأضاف: "من المفيد وجود عدو خارجي مشترك – مثل الكتلة السوفيتية بعد عام 1945 – لتجنب الانقسامات. لكن تغيير النظام لم يحدث قط عن طريق القصف الجوي وحده، لذا لا أعتقد أن إيران ستكون الاستثناء".


التعليقات