تحليل: هل يدفن ترامب مشروع الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط؟
يمن فيوتشر - The American Conservative- ترجمة خاصة الإثنين, 26 مايو, 2025 - 05:33 مساءً
تحليل: هل يدفن ترامب مشروع الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط؟

فيما يمكن اعتباره خطاب نصر على فشل السياسات الخارجية للمحافظين الجدد، أعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) نهاية سياسة خارجية دامت لأكثر من ثلاثين عامًا في الشرق الأوسط. فالأيديولوجيا التي جرّت الولايات المتحدة إلى حروب عبثية من ليبيا إلى اليمن، باتت اليوم في حكم الميتة.
في مؤتمر استثماري عُقد في الرياض، ألقى ترامب خطابًا لم يحظَ بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الرئيسية. قال: "في النهاية، خرّب من يُطلق عليهم بناة الأمم عددًا من الدول يفوق ما عمّروه. أما دعاة التدخل، فكانوا يتدخلون في مجتمعات معقّدة لم يكونوا حتى يفهمونها."
وللمرة الأولى منذ حرب الخليج الأولى في تسعينيات القرن الماضي، لم تعد الولايات المتحدة تخوض حربًا في الشرق الأوسط. فقد نسّق ترامب وقفًا هشًّا لإطلاق النار في اليمن، حيث خاض عدد من الرؤساء الأميركيين حربًا بالوكالة ضد إيران. كما بدأ بسحب القوات الأميركية من سوريا، وأصبح أول رئيس أميركي منذ 25 عامًا يلتقي قائدًا سوريًا، وأعلن إلى جانب خطابه إنهاء العقوبات المفروضة على ذلك البلد. وهو الآن يتفاوض مع إيران للتوصل إلى نوع من الاتفاق النووي البديل عن ذاك الذي ألغاه من طرف واحد خلال ولايته الأولى. ولم يكن التقدّم دائمًا خطيًا أو مباشرًا، لكنه كان موجودًا.
ويكفي إلقاء نظرة على العقود الماضية لرؤية الفارق. فقد دعمت الولايات المتحدة بشكل علني (صدام حسين) في حربه ضد إيران، ما أدى إلى سقوط آلاف القتلى من الجانبين. ثم انقلبت وشنّت حربًا على العراق عام 1991 بعد غزو صدام للكويت. وكانت السعودية حينها مهددة، فأنقذها التدخل الأميركي بسبب احتياطاتها النفطية التي كانت الولايات المتحدة تعتمد عليها كليًا آنذاك. وفي موجة الحماسة النيوليبرالية بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، غزت أميركا أفغانستان والعراق، وأطلقت مشروع "بناء الدولة" في كلا البلدين، بهدف استبدال الحكومات الوطنية بأنظمة تدور في فلك واشنطن، واستبدال التقاليد الإسلامية المحلية بأفكار غربية حول المرأة والمجتمع.

وقد عززت سياسات "بناء الدولة" تلك من سردية التحذير التي لطالما روجت لها القاعدة وتنظيم داعش، والتي تقول إن الغرب يسعى إلى إضعاف الإسلام وتحويل الشرق الأوسط إلى جزء من إمبراطورية عالمية جديدة. وتداولت الشائعات آنذاك أن القوات الأميركية في العراق وُزعت عليها خرائط للحدود السورية تمهيدًا لخطة لاجتياح سوريا ولبنان بعد "فتح" العراق. ومع اتساع رقعة الحرب، دخلت إيران على خط المواجهة، وانتشرت القوات الأميركية في سوريا، وهددت تركيا بالتدخل العسكري، فيما زادت التدخلات الروسية من تعقيد المشهد. وعلى أنقاض القاعدة، ظهر تنظيم داعش. وشنّت الولايات المتحدة حربًا جديدة في ليبيا، أسقطت خلالها نظامًا سيئًا لكنه مستقر، فعمّت الفوضى التي ما زالت مستمرة حتى اليوم. وتدفقت موجات ضخمة من اللاجئين إلى أوروبا. وغرقت اليمن في الفوضى والحرب الأهلية. وكادت الحرب في أفغانستان أن تمتد إلى باكستان.
ورغم استحالة معرفة الأعداد الدقيقة، يقدّر مشروع "تكاليف الحرب" (Costs of War) أن أكثر من 940,000 شخص لقوا حتفهم بشكل مباشر بسبب العنف الناتج عن السياسات الخارجية الأميركية في حروب ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول في أفغانستان، و باكستان، و العراق، و سوريا، واليمن. كما تُوفي ما بين 3.6 و3.8 مليون شخص بشكل غير مباشر بسبب آثار مثل سوء التغذية، والأمراض، وانهيار الأنظمة الصحية المرتبطة بتلك الحروب. ويُقدَّر إجمالي عدد الضحايا المباشرين وغير المباشرين بما يتراوح بين 4.5 و4.7 مليون قتيل. كما يسلط المشروع الضوء على حجم النزوح الهائل، إذ يُقدَّر عدد من هجّرتهم تلك الصراعات منذ عام 2001 بحوالي 38 مليون شخص. وقُتل نحو 7,000 من الجنود الأميركيين. وتُقدّر تكلفة تلك الحروب على الخزينة الأميركية بما يزيد عن 8 تريليونات دولار. واليوم، تحكم طالبان مجددًا في أفغانستان، بينما تهيمن قوى مدعومة من إيران على العراق. وقد فشلت مشاريع بناء الدول فشلًا ذريعًا. وفشلت معها السياسات التدخلية الأوسع التي تبناها المحافظون الجدد.
وفي الواقع، فإن أفضل تلخيص للسياسات الأميركية الممتدة لعقود في الشرق الأوسط جاء على لسان ترامب نفسه. فالكلمات سهلة، لكن الأفعال أصعب بكثير.
فما الخطوة التالية؟
صرّح ترامب عن "رغبته الشديدة" في أن تحذو السعودية حذو جيرانها، الإمارات والبحرين، في الاعتراف بإسرائيل. كما قال إن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران بات في المتناول، مضيفًا: "أنا لم أؤمن أبدًا بفكرة وجود أعداء دائمين." وكلا الأمرين ليسا سهلين.
لكن في إشارة للتحول الأهم في السياسة الخارجية الأميركية الجديدة، لقاء ترامب القائد السوري الجديد (أحمد الشرع)، وهو جهادي سابق في تنظيم القاعدة (فالمصالحة تُعقد مع الأعداء لا الأصدقاء)، وقد قاد تحالفًا من الفصائل المتمردة أطاح بالرئيس بشار الأسد. والتُقطت صورة جمعت ترامب بالشرع وولي العهد السعودي، وهي صورة وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها "أذهلت المنطقة والعالم".
وقال ترامب، في سياق دعمه المتزايد لنهج الواقعية السياسية: "في السنوات الأخيرة، أصيب عدد كبير جدًا من الرؤساء الأميركيين بوهم أن من واجبنا التحديق في أرواح قادة العالم واستخدام السياسة الأميركية لتوزيع العدالة عليهم بسبب خطاياهم."
وسوريا اليوم تقف عند مفترق طرق. فرفع العقوبات سيمنح البلاد أول فرصة لالتقاط أنفاسها اقتصاديًا منذ 14 عامًا. وقد وجّه أحمد الشرع دعوة لشركات الطاقة الأميركية لاستثمار موارد النفط السورية. لكن القرار النهائي ما زال بيد دمشق. فعلى سوريا أن تحسم موقفها، هل ستتخلى عن دعم الجماعات الإرهابية الإيرانية، وتتوقف عن توفير الملاذ الآمن للمقاتلين المرتبطين بها؟
واصطفّ قادة الخليج خلف الحكومة الجديدة في دمشق، وحثّوا ترامب على أن يحذو حذوهم، معتبرين أن هذا النظام الجديد يشكل جدار صد أمام النفوذ الإيراني. ومن المتوقع أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على سوريا لقطع علاقاتها مع روسيا وتفكيك القواعد والمناطق العسكرية الروسية هناك.
ورغم أن الشرع أكد التزامه باتفاق فك الاشتباك لعام 1974 مع إسرائيل، إلا أن ترامب سيسعى دون شك إلى كسب دعمه لاتفاقات أبراهام. كما سيطلب من سوريا تحمّل مسؤولية مراكز احتجاز مقاتلي داعش، شمالي شرق البلاد.
وهناك الكثير من القضايا المطروحة، والعديد من الخطوات الصعبة أمام الجانبين، لكن البداية تظل بداية.
ومع إيضاح ترامب أن أهداف دعم حقوق الإنسان وبناء الدولة ونشر الديمقراطية قد تم استبدالها بتركيز براغماتي على الازدهار والاستقرار الإقليمي، فإن سوريا تملك الآن فرصة للانخراط في مرحلة جديدة.
وقال ترامب: "أنا مستعد لإنهاء الصراعات الماضية، وبناء شراكات جديدة من أجل عالم أفضل وأكثر استقرارًا، حتى لو كانت بيننا خلافات عميقة."

لقراءة المادة من موقعها الأصلي، يرجى زيارة الرابط التالي: 

 


التعليقات