دراسة: صنع السلام في اليمن .. بين الوساطة المحلية والوساطة الدولية
يمن فيوتشر - مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية _ بلقيس العبدلي الثلاثاء, 29 أبريل, 2025 - 10:02 صباحاً
دراسة: صنع السلام في اليمن .. بين الوساطة المحلية والوساطة الدولية

 تعد الوساطة القبلية في اليمن من أهم أدوات حل النزاعات بالطرق السلمية ، فهي نتاج نظام سياسي سلم جزء من أدوار الدولة للقبيلة ، فظلت لسنوات تحل نزاعاتها الاجتماعية والسياسية بنفسها ، ومع اندلاع الحرب اليمنية الحالية لعبت الوساطة القبلية أدواراً بارزة تجاوزت جهود الوساطة الدولية في كثير من الأحيان .

 

الوساطة القبلية والتركيبة الاجتماعية 

" تتألف اليمن من خمس اتحادات قبلية ، وتتشابه الهياكل القبلية في جنوب اليمن وشماله الى حد ٍ كبير ، ويستخدم زعماء القبائل أساليب للوساطة ينظمها العرف القبلي ، و تاريخياً بعد ثورة 26 سبتمبر عُقدت ثلاثة مؤتمرات للمصالحة قادتها القوى القبلية 1، و تم إصدار قرار بتشكيل جيش شعبي من القبائل ليقاتل مع الجيش الوطني ، ثم تم إنشاء المجلس الأعلى للقبائل وتم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والقبائل بشأن ترتيبات سمحت لمشايخ القبائل بتحصيل الضرائب نيابة عن الحكومة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم والاحتفاظ بنسبه لأنفسهم. و مُنح مشايخ القبائل الحق بالفصل في المنازعات الداخلية ، أما المناطق الجنوبية فتتسم عمومًا بطابع " قبلي " أقل من المناطق الشمالية، إلا أن هناك محافظات مثل شبوة وحضرموت والمهرة وأبين ولحج لا تزال تتسم بهياكل قبلية قوية، بينما شهدت مناطق أخرى تراجعًا في النفوذ القبلي على مر السنين، كمحافظة عدن والمناطق المحيطة بها .

بعد تحقيق الوحدة اليمنية حلت الوساطة القبلية محل السلطة القضائية في حل الكثير من النزاعات "بل و في العاصمة صنعاء ، كان من الطبيعي جدًا رؤية تجمعات قبلية بجوار مركز للشرطة حيث يُذبح ثور كمبادرة سلام لتسوية نزاع ما" 2 .

 وعموماً يمكن القول أن التركيبة القبلية للمجتمع اليمني ، عززت دور الوساطة القبلية ودعمت سريان أعرافها . وتستمد الأعراف في اليمن شرعيتها من التوافق الجماعي للسكان المحليين ، وتشير تقديرات نشرت في العام 2012 الى "أن 80% من اليمنيين يقومون بتسوية نزاعاتهم باللجوء للقوانين العرفية" 3.

 

الوساطة المحلية والقبول الاجتماعي

تَعني الوساطة التقليدية " كُلَّ أوجه التدخُّل في حل النّزاع عن طريق طرف ثالث، يحاول التوصّل إلى تسوية مقبولة بسبب موقعه الاجتماعي . وعادةً ما يلجأ الوسيط إلى قيم وأعراف راسخة مُجتمعياً تُساعده في التوصّل إلى التّسوية"4 ، وبالاعتماد على هذا التعريف تعد الوساطة القبلية وساطة تقليدية لأنها تقوم على أعراف المجتمع ويقوم بها وسطاء يعتمدون على مكانتهم الاجتماعية وينتمون لنفس المجتمع محل النزاع ، ويتداول القائمون على عمليات صنع السلام في اليمن مصطلح " الوساطة المحلية " للإشارة الى أي وساطة تتم وفقاً للأعراف والقيم المحلية ، ويقوم بها أشخاص يعتمدون على مكانتهم الاجتماعية لدى أطراف الحرب وإن لم يكونوا زعماء قبليين بالضرورة .

وبحسب دراسات في تجارب محلية لدول تتسم بالتعدد المذهبي يمكن أن تصبح الوساطة المحلية وساطة مشتركة، ويطلق على الوساطة المحلية بالمشتركة أو المتوازنة ثقافيا "عندما يأتي أعضاء الوساطة المشتركة من مشارب ثقافية أو دينية مختلفة "5 وعادةً ما تستخدم الوساطة المشتركة في النزاعات التي تتسم بأبعاد مذهبية أو طائفية، يصعب فيها إيجاد وسيط واحد يحظى بثقة جميع الأطراف ، فيتم حل هذه الإشكالية من خلال فرق وساطة مشتركة.

 

الوساطة الدولية والقانون الدولي 

كان للوساطة الدولية دوراً تاريخياً في تسوية النزاعات، ويعد مؤتمر لاهاي 1907 النواة الأولى لإقرار تسوية النزاعات بالطرق السلمية، "حيث أقرت معاهدة لاهالي تنظيم الوساطة كأحد آليات التسوية في موادها من 2الى 8" 6 ، ويعتبر إنشاء عصبة الأمم في العام 1919 نقطة تحول في القانون الدولي ، حيث أرست حل النزاعات بالطرق السلمية بالرجوع الى طريقتين أما عرض المنازعات على التحكيم أو القضاء الدولي ، وأخذت بموجب المادة 92 من عهد عصبة الأمم الوساطة الدولية الطابع الإلزامي في حال رفضت الأطراف المتنازعة التحكيم ، كما تم اعتبار مجلس العصبة وسيط في النزاعات الدولية ،ثم جاءت هيئة الأمم المتحدة لتؤكد على الوساطة كأحد طرق حل النزاعات بالطرق السلمية .

صُممت الوساطة الدولية لتحل نزاعات دولية، ويُصنف النزاع بأنه دولي إذا كان بين أشخاص القانون الدولي " دول أو منظمات دولية "، وعندما ينشأ بناءً على موضوع يتعلق بالقانون الدولي أو المعاهدات الدولية 7، وتعد أبرز الأسس القانونية للوساطة الدولية العرف الدولي، الاتفاقيات الدولية، مبادئ مجلس الأمن ، نظام محكمة العدل الدولية ، ويقوم بالوساطة الدولية وسيط أهم ما يتصف به الحياد .

 

الوساطة المحلية والوساطة الدولية 

تختلف الوساطة المحلية عن الوساطة الدولية في أوجه متعددة ، فالوساطة الدولية تعتمد على تدخل طرف ثالث من خارج مجتمع النزاع ، وتقوم بها منظمات دولية أو دول إقليمية مما يفاقم مخاوف "التدخل " في الشئون الداخلية للدول ، بالأخص وأنها تفرض وإن لم تُفرض تسوياتها.

وحيت تعد مراحل صياغة الاتفاق ثم التوقيع عليه في الوساطة الدولية من المراحل الأساسية ، تعد مراحل غير أساسية في الوساطة المحلية، بل ونجحت جهود عديدة للوساطة المحلية في اليمن ذات اتفاقات شفهية، بضمانة "القوانين العرفية " وبينما تبحث الوساطة الدولية في إيجاد حلول لأسباب النزاع الجذرية تعمل الوساطة المحلية على إعادة الوضع كما كان عليه قبل النزاع أو احتواء التصعيد ، كما لا يقبل الوسطاء المحليون أي تهديد بل ويهددون بالانسحاب إذا حصل ذلك بعكس الوسطاء الدوليون ، وما يبرمه الوسطاء المحليون من اتفاقات تحظى بشرعية محلية ، بينما ما يبرمه الوسطاء الدوليون يحظى بشرعية إقليمية ودولية ، و لا يحتاج الوسطاء المحليون المسنودون اجتماعياً الى اطر مؤسسية للعمل بعكس الوسطاء الدوليون الذين يحتاجونها ، وهو ما يجعل الوساطة الدولية محدودة بزمن بعكس الوساطة المحلية ، وتتسم الوساطة الدولية بتعقيدات فنية وفي حال تعثرها تلجأ لأساليب ناعمة،، بخلاف الوساطة المحلية التي تكون أقل تعقيداً وفي حال تعثرها تلجأ للاعبين اجتماعيين جدد ، وبينما تعد الوساطة الدولية حساسة أكثر لمعايير حقوق الإنسان، تعد الوساطة المحلية حساسة أكثر للقيم الدينية والمعتقدات الاجتماعية مما يخلق قواسم مشتركة بين الأطراف محل التسوية، و يشترط في الوسيط الدولي الحياد ، بينما يشترط في الوسيط المحلي القبول لا الحياد ، ويعد مجال عمل الوساطة المحلية حل النزاعات ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي في دولة تعد من أكثر الدول هشاشة في العالم8، بينما يعد مجال عمل الوساطة الدولية حل النزاعات الدولية مما يجعلها تتجاوز مجال عملها في النزاع اليمني لأنه يعد ، "نزاع مسلح غير دولي " وفقاً لهيومن رايتس وواتش 9.

 

التكامل بين الوساطة المحلية و الوساطة الدولية 

من المهم تحديد مساحة عمل كلاً من "الوساطة المحلية والوساطة الدولية " ، لصنع سلام يستجيب لخصوصية الحرب في اليمن ، و يأخذ بنهج تكاملي ، يعالج القصور الذي تتسم به أحدهما لتكملها الأخرى ، فالنزاعات المعقدة والمتداخلة على مستوى المحافظات اليمنية لا يمكن معالجتها من خلال نموذج واحد يصاغ على المستوى الوطني ، أو على المدى القصير بل يتطلب آليات مستدامة تختلف إجراءاتها من محافظة لأخرى ، و فرق وساطة مشتركة من اتجاهات سياسية واجتماعية مختلفة ، ومن خلال مسارات متعددة ومراحل متتالية طويلة المدى، وهذا الدور يمكن أن تلعبه الوساطة المحلية ، بينما يمكن للوساطة الدولية ان تركز على صياغة اتفاق على المستوى الوطني يتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم والنظام الانتخابي، والعدالة الانتقالية ، ببنما توكل مهمة صياغة التفاصيل التنفيذية للاتفاق للوساطة المحلية، لاستثمار تجاربها الناجحة وشرعيتها المحلية، والبناء على الدور الإيجابي للهياكل القبلية ، وقدرتها على خلق مصالح مشتركة بين الأطراف المتنازعة وضمانها لتنفيذ الاتفاقيات على الأرض.

 

•الهوامش :

1- ريم المجاهد، القبائل والدولة في اليمن ، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية https://saaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/16370

2- المرجع السابق 

3- مروان هائل عبد المولى، الوساطة القبلية في اليمن، الحوار المتمدن،23يوليو2014، https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=425294 

 4- اوين فرازر والأخضر غطاس، التطبيقات العملية لتحويل الخلافات، منتدى قرطبة الآن، https://www.files.ethz.ch/isn/171393/CFG_Montreux_ar_v0105.pdf

 5- اوين فرازر والأخضر غطاس، التطبيقات العملية لتحويل الخلافات، منتدى قرطبة الآن، https://www.files.ethz.ch/isn/171393/CFG_Montreux_ar_v0105.pd

 6- خديجة بن مغروزي وسلمى العميري ، الوساطة في حل النزاعات الدولية ،29 يونيو2022، يوسف عبدالهادي الأكيابي، الوسائل البديلة في تسوية النزاعات ،دراسة في أحكام الوساطة ، https://www.lloc.gov.bh/QTopics/Q08T03.pdf

 7- المرجع السابق 

 8- اليمن أكثر دولة هشة في العالم، ديبريفر،26أكتوبر 2021، https://debriefer.net/news-27489.html  

9- النزاع في اليمن والقانون الدولي ، 7 ابريل 2015 ،https://www.hrw.org/ar/news/2015/04/07/267889 

 

 


التعليقات