القوات الأمريكية تستأنف القصف وتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية يشيران إلى تحول في النزاع اليمني.
استأنفت القوات العسكرية الأمريكية ضرباتها ضد أهداف تابعة للحوثيين في اليمن في 15 مارس/ آذار، وذلك ضمن حملة ضغط جديدة تستهدف الجماعة وداعمها الرئيسي، إيران. وأسفرت حملة القصف، التي أودت حتى الآن بحياة 53 شخصًا وأصابت أكثر من 100 آخرين وفقًا للتقارير، عن تصعيد جاء بعد تهديد الحوثيين باستئناف الهجمات ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ردًا على قيام إسرائيل بقطع المساعدات عن غزة. وحتى الآن، استهدفت الغارات الجوية الأمريكية محافظات صنعاء، و صعدة، و الجوف، و مأرب، و ذمار، و الحديدة، و البيضاء وتعز، وأفاد مسؤولون أمريكيون بأن الضربات قد تستمر لعدة أسابيع. في المقابل، أعلن الحوثيون عن تنفيذ عدة هجمات ضد السفن الحربية الأمريكية. وبعد فترة وجيزة من التصعيد الأمريكي في اليمن، استأنفت إسرائيل قصفها المكثف على غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص وكسر الهدنة التي تم الاتفاق عليها في يناير/ كانون الثاني والتي كانت قد أدت إلى تهدئة نسبية في البحر الأحمر.
كما جاءت الضربات الأمريكية في أعقاب قرارٍ رسمي من واشنطن، صدر في وقتٍ سابق من الشهر، بإعادة تصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية أجنبية" (FTO). ويستند هذا القرار إلى أنشطة الحوثيين التي "تهدد أمن المدنيين الأمريكيين والعاملين الأمريكيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية"، وفقًا لنص القرار، وهو تنفيذ لأحد الأوامر التنفيذية الأولى التي أصدرها الرئيس (دونالد ترامب) بعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني. وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ستة تراخيص عامة تحدد الأنشطة المسموح بها المتعلقة بالحوثيين، بما في ذلك المعاملات الزراعية والطبية المحددة والجهود الدبلوماسية، لكن من المتوقع أن تكون العقوبات الواسعة المرتبطة بهذا التصنيف ذات تأثيرات بعيدة المدى.
و لا تزال التداعيات المحتملة للتصعيد العسكري في اليمن وإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية غير واضحة، سواء على المستوى الإنساني أو الاقتصادي أو الأمن الإقليمي أو الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق السلام في اليمن. و يقدم خبراء وموظفو مركز صنعاء تحليلاتهم وردود أفعالهم على الضربات الأمريكية والتصنيف الإرهابي، إلى جانب تقييم التأثيرات المحتملة لهذه التطورات على مستقبل الصراع:
ترامب يضع قواعد اشتباك جديدة في اليمن
من المتوقع أن تؤدي الغارات الجوية الأمريكية الجديدة في اليمن، إلى جانب إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، إلى إعادة تشكيل الديناميكيات المحلية والإقليمية. ورغم استمرار الحوثيين في خطابهم التصعيدي ردًا على التصعيد الأخير، فإن الضغوط المتزايدة قد تجبرهم على الحد من عدوانهم المتصاعد على جبهات القتال داخل اليمن، مثل مأرب. وفي المقابل، قد يختار الحوثيون خيار التصعيد، لكنهم سيواجهون هذه المرة الولايات المتحدة بشكلٍ مباشر، وليس فقط التحالف الذي تقوده السعودية.
ورغم أن الضربات الأمريكية جاءت جزئيًا كردٍّ عقابي على تعطيل الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر، إلا إنها تحمل أيضًا رسالة موجهة إلى إيران، الحليف الاستراتيجي للحوثيين. فقد صرّح الرئيس (دونالد ترامب) بأن الولايات المتحدة ستحمّل إيران المسؤولية عن "كل رصاصة يطلقها الحوثيون"، متوعدًا بعواقب وخيمة. وستعكس طريقة رد الحوثيين -سواء عبر التهدئة أو التصعيد- ليس فقط مصالح صنعاء، بل أيضًا حسابات طهران الاستراتيجية. فقد تعرّضت إيران لخسائر فادحة في أصولها الاستراتيجية بالمنطقة، ولم يعد لديها أي ساحة مواجهة بديلة لمحور المقاومة سوى اليمن، مما قد يجعله عاملًا حاسمًا في حماية إيران في حال نجح الصقور في إسرائيل وواشنطن في إقناع ترامب بتوجيه ضربة لطهران وبرنامجها النووي.
في نهاية المطاف، يسعى ترامب إلى وضع قواعد اشتباك جديدة في اليمن من خلال رفع كلفة التصعيد على الحوثيين. ويُلاحظ أن رد الفعل الأولي للحوثيين هذه المرة جاء أكثر خوفًا وقلقًا. ومع ذلك، لا يزال مدى استعداد الولايات المتحدة للمضي قُدمًا في مواجهة الحوثيين غير واضح، لكنه بالتأكيد يُبشر بالخير بالنسبة لخصوم الجماعة. فكثير منهم يرون أن الكابح السعودي، الذي لطالما حدَّ من المواجهة مع الحوثيين، قد تم استبداله الآن بدواسة تسريع أمريكية تحت قيادة ترامب.
مع ذلك، فإن استدامة هذا الزخم تعتمد على عدة عوامل رئيسية. العامل الأول يتمثل في قدرة الولايات المتحدة على تحييد التهديد الحوثي الذي يستهدف البحر الأحمر. فمنذ الحرب العالمية الثانية، لعبت واشنطن دور الضامن العالمي لأمن الملاحة البحرية، إذ تقوم القوة العسكرية الأمريكية ونموذجها الاقتصادي على ضمان التدفق الحر للتجارة والشحن عبر البحار والمحيطات.
العامل الثاني: وضوح الرسائل الأمريكية لشركائها الإقليميين بشأن التعاون الأمني ضد التهديدات المشتركة. فلا تزال ذكرى الهجوم على مصفاة بقيق السعودية حاضرة في الأذهان، حيث أدار ترامب ظهره آنذاك للمملكة، مما ألحق ضررًا بالغًا بصورة الولايات المتحدة كحليفٍ موثوق. وقد لعب ذلك دورًا حاسمًا في إضعاف التزام السعودية بالحرب في اليمن.
العامل الثالث يتعلق بمدى التزام الولايات المتحدة بإضعاف وتفكيك آخر موقع دفاعي متقدم لإيران في المنطقة. إذ تأتي الضغوط الأمريكية المتجددة في وقتٍ حساس ومكلّف لإيران، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا. فمن خلال مزيج من الضربات العسكرية والاغتيالات والضغوط الاقتصادية، سيتم إضعاف قُدرة الحوثيين على تعزيز قوتهم والتعافي من خسائرهم والحفاظ على قبضتهم الصارمة على السلطة، مما سيجعل حكمهم أكثر هشاشة واضطرابًا.
أما العامل الأخير، فيتعلق بقدرة إدارة ترامب على التعامل مع النزعة الصقورية لإسرائيل، عبر معالجة التهديدات التي تواجهها، مع امتصاص الضغوط القادمة من تل أبيب وحلفائها في واشنطن، والذين يدفعون بقوة نحو توجيه ضربةٍ مباشرة للبرنامج النووي الإيراني. كما أن رغبة ترامب في التمايز عن حقبة بايدن، من خلال استغلال الاتهامات المستمرة للديمقراطيين بالضعف في مواجهة إيران وحلفائها، تزيد من مخاطر التصعيد، وذلك قبل أن يتم تحقيق أي مكاسب سياسية وأمنية ملموسة من السياسة الأمريكية الجديدة في اليمن.