[ محمد محمود- Gitty Images ]
عندما أعادت الولايات المتحدة إدراج حركة الحوثيين في اليمن ضمن قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية في 4 مارس/ آذار، لم يكُن القرار مجرد تراجع عن سياسة إدارة بايدن، بل أعاد إشعال الجدل حول استراتيجية واشنطن في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ عقد، وتداعياتها الإنسانية. فقد شن الحوثيون هجمات على السفن في البحر الأحمر وأطلقوا صواريخ باتجاه كل من إسرائيل والسعودية. لكن منتقدي التصنيف الإرهابي -الذي يفرض عقوبات على أي تعاملات تجارية مع الجماعة- يحذرون من أنه قد يزيد من تفاقم الوضع الإنساني الحرج، حيث يعتمد ملايين المدنيين على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
وقال وزير الخارجية (ماركو روبيو) في بيان إعلان التصنيف: "لن تتسامح الولايات المتحدة مع أي دولة تتعامل مع منظمات إرهابية مثل الحوثيين تحت ذريعة ممارسة الأعمال التجارية المشروعة دولياً."
حيث تزوّد إيران الحوثيين بالطائرات المُسيّرة والصواريخ والتدريب، مما مكّن الجماعة من استهداف المدن السعودية وإسرائيل والممرات البحرية الدولية. ومع تراجع نفوذ كل من حزب الله وحماس، وخسارة نظام (بشار الأسد) للسيطرة على سوريا، برزت الميليشيا اليمنية كلاعب رئيسي ضمن "محور المقاومة" الإيراني. وقد شنت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل غاراتٍ جوية على الحوثيين، بما في ذلك ضربة أميركية في أكتوبر/ تشرين الأول نفذتها قاذفات B-2 الشبحية استهدفت مستودعات أسلحة تحت الأرض.
لكن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية قد لا يكون له تأثير مباشر عليهم، وفقًا لـ (نادر الهاشمي)، أستاذ مشارك في سياسات الشرق الأوسط والإسلام بجامعة جورجتاون. حيث يقول الهاشمي: "العقوبات المصاحبة لهذا التصنيف لا تضعف هذه الجماعات فعلياً. أعتقد أنها في الغالب استعراض سياسي، وفرصة -في هذه الحالة- لإدارة ترامب للتمييز عن بايدن وتقديم نفسها كمدافع قوي ضد أعداء أمريكا."
وقد اتفق خبراء آخرون على أن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يرتبط أكثر بالمناورات السياسية الداخلية منه بتحقيق تغييرٍ فعلي على الأرض. بل يرى بعضهم أن الخطوة قد تزيد من حدة التهديد الذي يواجه حركة الملاحة البحرية.
و يقول نادر الهاشمي: "إذا استمر الحوثيون في شن الهجمات على السفن بعد تصنيفهم كإرهابيين، فإن ذلك سيسهم في تصعيد التوترات في الشرق الأوسط." ويضيف: "في هذا السياق، قد تترتب تكاليف اقتصادية إضافية، حيث قد تضطر السفن العابرة للبحر الأحمر إلى تغيير مساراتها لتجنب الهجمات، أو قد ترتفع أسعار التأمين بسبب ازدياد المخاطر. وفي النهاية، سيدفع المستهلكون ثمن هذه الزيادة في التكاليف في حال قامت الشركات بتحميلها على أسعار الشحن عبر الشرق الأوسط."
وتحذر (أبريل لونغلي آلي)، كبيرة الخبراء في شؤون الخليج واليمن بمعهد الولايات المتحدة للسلام، من أن الحوثيين غالباً ما يردّون عسكرياً عند تعرضهم للضغوط. وتقول: "لقد هددوا منذ فترة بالرد، سواء داخل اليمن أو خارجه."
• من هم الحوثيون؟
ترتكز الأيديولوجية الدينية للحوثيين على المذهب الزيدي الشيعي، وهو ما يتيح لهم إعادة تأطير العنف باعتباره مقاومة. وقد قدّم مؤسس الجماعة (حسين الحوثي)، الحركة على أنها إحياءٌ للهوية الزيدية في مواجهة ما اعتبره تهميشاً من قبل الحكومات اليمنية ذات الأغلبية السنية، إلى جانب تصاعد نفوذ التيارات السلفية-الوهابية.
و يصف (بدر موسى السيف)، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ بجامعة الكويت، والزميل في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فكر الجماعة بأنه "خليط غير متجانس"، قائلاً: "إنه فكر مسياني، انتقائي، يقوم على الولاء المطلق لذرية النبي."
و في ظل قيادة (عبد الملك الحوثي)، شقيق المؤسس، تحولت هذه الأيديولوجية إلى أداة تعبئة عسكرية، حيث تصور الجماعة صراعها على أنه معركة مقدسة ضد "المحتلين" الأجانب، وعلى رأسهم السعودية، التي سبق أن دخلت في مواجهة مع اليمن عام 1934.
ويؤكد السيف أن "هذه الأيديولوجيات المتطرفة هي التي تحفّز على الفعل والعنف." مضيفاً: "صانعو السياسات يعالجون الأعراض، وليس جذور المشكلة. مجرد فرض إجراءات لحماية السفن أو التصدي لعمليات القرصنة لا يعالج القضية الأساسية. و الحوثيون يسيطرون فعلياً على الأرض في اليمن، وهم يعملون على إغلاق المجال أمام شعبهم، ويمنعون الناس من التعبير عن أنفسهم. لذلك، يجب أن نصغي إلى صوت المدنيين اليمنيين."
لليمن تاريخ طويل من الانقسامات السياسية، حيث كان طوال معظم القرن العشرين مقسماً إلى دولتين: اليمن الشمالي واليمن الجنوبي. أما الحرب الحالية، فترجع جذورها إلى الخلافات التي برزت خلال الربيع العربي، والتي تأججت بفعل تدخلاتٍ خارجية، خاصة من السعودية والإمارات، اللتين شاركتا عسكرياً في الصراع. وقد أعاقت هذه التنافسات جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية، حيث قام الحوثيون منذ عام 2021 باحتجاز عشرات من موظفي الأمم المتحدة. ومؤخراً، أوقفت الأمم المتحدة عملياتها في محافظة صعدة التي يسيطر عليها الحوثيون، بعد احتجاز ثمانية موظفين إضافيين قسراً.
وفي فبراير/ شباط، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عن وفاة أحد موظفيه الإنسانيين أثناء احتجازه في مناطق الحوثيين بشمال اليمن.
و تقول (فاطمة أبو الأسرار)، كبيرة المحللين السياسيين في المركز اليمني للدراسات في واشنطن:
"لقد تم اختطاف وتعذيب العديد من الموظفين اليمنيين دون أي سبب سوى ارتباطهم بالولايات المتحدة، وهناك شيء بالغ الخطورة في ذلك." وتضيف: "الحوثيون ليسوا مجرد جماعة مسلحة، بل حركة تشكل تهديداً للأديان الأخرى، وللدول المجاورة، وللولايات المتحدة في المقام الأول."
• الوضع الإنساني في اليمن:
يحتاج حوالي 19.5 مليون شخص في اليمن إلى مساعداتٍ إنسانية وخدمات حماية، بزيادة 1.3 مليون شخص عن العام الماضي. واليمن هو أحد أفقر البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أنه من بين أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ففي عام 2024، قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) مساعدات لليمن بقيمة 620 مليون دولار، لكن إدارة ترامب قامت لاحقًا بإغلاق الوكالة. ورغم إصدار وزير الخارجية ماركو روبيو إعفاءً خاصًا للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، تؤكد المنظمات الإغاثية العاملة في اليمن أن عملياتها لا تزال معلقة.
ويحذر ناشطون من أن إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية قد يحدّ من تدفق المساعدات الإنسانية من مصادر أخرى، في وقت يحتاج فيه 80% من السكان إليها بشكل حاسم. و يقول نادر الهاشمي:
"الأبرياء هم من سيدفعون الثمن. أي منظمة إنسانية تسعى لإبرام عقود تصدير أو إجراء تحويلات مصرفية لتسهيل إيصال المساعدات ستواجه عقبات بسبب هذا التصنيف الإرهابي."
و من جهتها، ذكرت السفارة الإماراتية، التي دعمت الحرب ضد الحوثيين، أن "إعادة الحوثيين إلى قائمة الإرهاب لن تعيق تدفق المساعدات الحيوية." واستندت في ذلك إلى وثيقة تعود إلى عام 2021 خلال التصنيف السابق للحوثيين، والتي أشارت إلى آليات قانونية للسماح بالمساعدات، مثل التراخيص والاستثناءات المبنية على حسن النية.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن الواقع أكثر تعقيدًا.
و تقول أبريل لونغلي آلي بأن "هناك تدابير تم وضعها للحد من التأثيرات الكارثية على المجال الإنساني، لكن المسألة تعتمد بشكل كبير على كيفية تفسير القطاع الخاص والنظام المصرفي الدولي لهذه الاستثناءات." وتشير إلى أن القطاع الخاص في اليمن هش للغاية، ما يجعل الاستجابة أكثر تعقيدًا.
و تُتيح التراخيص العامة إجراء بعض المعاملات التي كانت ستحظر لولا ذلك، وهي تعمل كآلية توازن بين الأهداف الأميركية في مكافحة الإرهاب والحاجة الملحة لمنع المجاعة وحماية سبل عيش الملايين من اليمنيين.
كما تحذّر آلي من أن الخطر الحقيقي على الاقتصاد اليمني يتمثل في المبالغة في الامتثال، حيث قد تتجنب بعض الجهات التعامل مع اليمن بالكامل خشية مخالفة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية. وتوضح أن "هذا سيكون له تأثير متسلسل في جميع أنحاء البلاد، لذا يجب أن نراقب كيفية تطور الأمور."
أما بدر موسى السيف، فيدعو إلى نهج أكثر شمولية، قائلاً: "يجب ألا نحصر أنفسنا في هذا الخيار فقط، بل علينا تطوير أدوات متكاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد دون أن يدفع اليمنيون العاديون الثمن."
لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي :