عاجل

اليمن: جماعة الحوثي تعلن الإفراج عن طاقم السفينة #جالاكسي_ليدر المحتجزة منذ 19 من نوفمبر 2023. #يمن_فيوتشر

اليمن: حين يصبح العقم وصمة اجتماعية بحاجة لـ'تبرير الموقف'!
يمن فيوتشر - صلاح الواسعي: الثلاثاء, 31 ديسمبر, 2024 - 05:51 مساءً
اليمن: حين يصبح العقم وصمة اجتماعية بحاجة لـ'تبرير الموقف'!

وجدت "تهاني حميد"، 36 عامًا، نفسها محاطة بتساؤلات تتكرر بشكل يومي: "متى ستنجبين؟ وما السبب في تأخرك بالحمل؟"، وتقول: "عمتي (أم زوجي) تعتبرني امرأة غير صالحة للحياة وتطلب من زوجي أن يتزوج بأخرى".
تتابع تهاني (اسم مستعار): "حتى النساء يعتبرنني امرأة غير الأخريات، ولا ينفكن يدعون لي بأن يرزقني الله الأولاد. كثيرًا ما واجهت الضغط من عمتي، حتى فكرت مرات كثيرة في البحث عن زوجة أخرى لزوجي".
تواصل حديثها بنبرة استحياء: "الآخرون لا ينفكون يقدمون لي النصائح والدروس والعلاجات والأعشاب. هذا جعلني أشعر وكأنني مطاردة من المجتمع. دائمًا أجد نفسي في حالة دفاع وأحتاج إلى تبرير موقفي".
كثيرًا ما يعاني المصابون بالعقم في المجتمع اليمني من ضغط نفسي جرّاء تأخرهم في الإنجاب، من أسرهم أو ممن حولهم من أفراد المجتمع، إلى الحد الذي أصبح فيه العقم، إضافة إلى كونه مرضًا يتعلق بالصحة الإنجابية، موضوعًا ذا أبعاد نفسية على الشخص المصاب به. ولا تقتصر المعاناة على النساء فقط، بل يشترك الذكور والإناث على حد سواء في هذه المعاناة ويتلقون نصيبًا من الضغط المجتمعي تجاههم.
علي محمد، 37 عامًا، مواطن يعيش في الريف التعزي، يقول: "تركت عملي في مدينة عدن وعدت للعيش في القرية والعمل في الحقول والمزارع وخدمة أبي، على عكس إخوتي الذين أنجبوا أطفالًا. فهم لديهم طموحات للمستقبل يعيشون من أجله، حيث يعملون في مدن كبرى مثل صنعاء وعدن. أما أنا، فقد أقنعني والدي أن أعمل هنا في الحقول والمزارع إلى أن يشاء الله".
يعاني علي (اسم مستعار) من التوبيخ المتكرر من أهله، خصوصًا من والدته، لكونه مصابًا بالعقم. وكثيرًا ما يوصف بأنه ناقص الرجولة ولا ينفع لشيء إلا للعمل المتواصل في الحقل. ويقول: "في أحيان كثيرة، تقدمني أمي للمجتمع كواحد من ذوي الاحتياجات الخاصة. إذ كثيرًا ما أجدها تتحدث عني للآخرين بكوني شخصًا مسكينًا، وتلهج لي بالدعاء وتنظر نحوي بعيون الشفقة".

نظرة قاسية

وفي مجتمع مثل اليمن، الذي يعتبر الخصوبة والإنجاب أمرًا ضروريًا ومهمًا في الحياة، فإن الإنجاب ليس مجرد قرار أو رغبة مدروسة من الأشخاص، بل أمر أصيل يتعلق بإثبات وجودهم.
ويفسر هذه النظرة، المختص في علم الاجتماع، الدكتور عصام الأحمدي: "في كثير من مجتمعات العالم الثالث، ومنها المجتمع اليمني، تُعتبر النظرة السلبية للأشخاص المصابين بالعقم نتيجة لتركيز المجتمع على الإنجاب كقيمة أساسية لاستمرار النسب والعائلة، وخصوصًا في الأرياف، حيث يُنظر إلى الأطفال كمصدر للفخر والقوة والسند. فالأعراف والتقاليد تضع ضغطًا كبيرًا على المرأة تحديدًا، ما يجعل العقم يبدو وكأنه فشل اجتماعي أو وصمة لصيقة بالمرأة في كثير من الأحيان".
يلعب المستوى الثقافي دورًا مهمًا في تخفيف حدة الضغط النفسي والمجتمعي الناتج عن العقم، تبعًا للمستوى الثقافي للفرد. وبحسب الأحمدي فإن "تدني المستوى الثقافي وغياب التوعية الصحية يؤديان إلى انتشار مفاهيم خاطئة تربط العقم بالحسد أو السحر، مما يزيد الوصمة. ناهيكم عن أن الضغط الاجتماعي والأسري يُعمّق المشكلة، حيث يتم استبعاد الأزواج غير القادرين على الإنجاب من بعض المناسبات أو المعاملات أو الامتيازات. فالأسرة تعتبرهم بدون مستقبل ولا يحق لهم التفكير فيه".

عقم اجتماعي
يؤثر العقم اجتماعيًا على الرجل والمرأة بطرق مختلفة، بسبب الأدوار الاجتماعية التقليدية في اليمن. وفي ذلك يقول الأحمدي: "بالنسبة للرجل، قد يواجه نقصًا في احترام المجتمع لمكانته، حيث يُنظر إلى الإنجاب كرمز للفحولة والقوة والرجولة. وبالتالي، قد يتعرض المصاب بالعقم لضغوط من الأسرة للزواج بامرأة أخرى، مما يخلق توترًا في علاقاته الزوجية والأسرية".

دعم ومساندة
مدير مركز أوكسجين للدعم النفسي بعدن، محمد الإيطالي، يرى أن الرجال يعانون أكثر من النساء. حيث تزداد الضغوط النفسية على الرجال لأن المجتمع ما زال ينظر للعقم كمسألة ناقصة، خاصة إذا كان العقم من جهة الرجل.
ويضيف، "أي مرض يمكن أن يواجه الإنسان، سواء كان رجلًا أو امرأة، لابد أن يؤثر عليه جسديًا ونفسيًا. فإذا مرض نفسيًا، يتأثر جسديًا، وإذا تأثر جسديًا، يتأثر نفسيًا. يجب على المصاب أن يتقبل وضعه أولًا ولا ييأس لأن العلم متطور كل يوم في مسألة الإنجاب، ويبحث عن الحلول الطبية".
وشدد الإيطالي على أهمية دور الأسرة في تقديم الدعم المصاب بالعقم، ومساندته اجتماعيًا ونفسيًا وفي البحث عن الحلول. مشيرًا إلى أهمية قيام وزارة الصحة والمنظمات بالتوعية بمشاكل العقم وكيفية تجاوزها.
ويرى الأخصائي الاجتماعي الأحمدي أن تغيير النظرة السلبية وتعزيز تقبل المجتمع للأشخاص المصابين بالعقم يتطلب جهودًا متعددة الجوانب، يتداخل فيها الجهد الشعبي والرسمي، ابتداءً من التوعية المجتمعية التي تصحح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالعقم، مثل ربطه بالحسد أو السحر. كما يجب أن تلعب المؤسسات الدينية، ممثلة بالخطباء والمرشدين، دورًا في توضيح أن العقم ابتلاء من الله وليس علامة على نقص أو فشل، حد وصفه.

•تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع "تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي" الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.


التعليقات