في ظل الحرب والأوضاع المعيشية في اليمن، وتحديدًا في محافظة تعز المصنفة دوليًا بالمدينة المنكوبة، هناك العديد من القصص أبطالها نساء قاومنّ الكثير من التحديات، إضافة إلى العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع على المرأة.
تفاصيل كثيرة في قصة واحدة بطلتها امرأة لم تستسلم أمام الصعوبات والتحديات التي واجهتها، مثلها مثل الكثير من اليمنيات.
تجربة مؤذية
برديس صالح، شابة عشرينية تعيش في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن. تقف بإصرار وثبات أمام مرارة الحياة، ووضع الحرب، والأفكار المجتمعية التي تعيق كل امرأة من حقها العيش، والحياة، والوصول إلى ما تسعى إليه، كما تصف نفسها لـ "هودج".
بدأت حكايتها برغبتها في التخلص من أعباء علاقة زوجية لم تكن جيدة بما يكفي للاستمرار، كما تقول؛ ما جعل مُطالبتها بالطلاق أمرًا لا بد منه، وهو، وإن كان يعتبر حقًا لها للحصول على حياة أفضل، لا يزال يحظى بنظرة سلبية من قبل المجتمع في اليمن.
تقارير الأمم المتحدة وصفت اليمن بأنّه "بلد غير صالح لعيش النساء؛ بسبب العنف الذي يتعرضنّ له".
تقول برديس: "مررت بتجربة زوجية مليئة بالظلم والتعنيف؛ شتم، وإهانات، وتهديد.. ما دفعني لمطالبة زوجي بالطلاق، إلا أنّه رفض، وأخذ مني ابنتي، وحرمني من رؤية ابني في مرضه ووفاته؛ فلم أعرف خبر وفاته إلا بعد مرور ثلاثة أيام، عن طريق صديقة لي هناك في المنطقة".
قرار
أقدم زوج برديس على حبسها في البيت سنتين متتاليتين، ومنعها من زيارة أسرتها ووالدها المريض، ومن الخروج لمعالجة ابنها، كما تقول.
تتابع برديس قائلة: "بعدما ضاقت بيّ الدنيا، ووصلت لمرحلة يأسٍ من إمكانية صلاح الحال بيننا، أقنعته بأني سأذهب لزيارة أبي، وسأعود خلال يومين"، وتوضح: "أخذت أطفالي، وزرت أهلي، ورفضت الرجوع إليه، وكان أول أسباب ذلك، رغبتي في معالجة ابني الذي كان أبوه يرفض معالجته، ويصفه بأنّه معاق ليس له علاج".
"بقيت 6 سنوات معلقة على ذمته، لا أنا زوجة تحصل على حقوقها، ولا هو موافق على تطليقي"
وتضيف: "شَخَّص الأطباء مرض ابني بأنّه ضمور في خلايا الدماغ وصلت آثاره إلى النخاع الشوكي. أصريت، بعد معرفة المرض، على عدم العودة إلى بيت زوجي، وقررت البقاء عند أسرتي من أجل معالجة ابني، والبحث عن عمل لاستقر بأمان مع أطفالي".
تقول: "لكنه للأسف لم يتركني؛ فأخذ مني الأطفال، ومنعني من التواصل معهم أو رؤيتهم، حتى توفى ابني دون أن أره أو أودعه، وابنتي منعني منها، ومن الاتصال بها إلى يومنا هذا".
دعوى خلع
سنوات من التعنيف والضغوط النفسية جعلتها تتخذ قرارًا قد يبدو صعبًا في بلد مثل اليمن، كما تقول، وتضيف: "بقيت 6 سنوات معلقة على ذمته، لا أنا زوجة تحصل على حقوقها، ولا هو موافق على تطليقي؛ فلم أجد أمامي غير رفع دعوى خلع".
الإجراءات التي سارت فيها دعوى الخلع لم تكن سهلة، حسب برديس، "أسقط عني حضانة بنتي، ورفض إعطائي أي حقوق، كما أنّ القاضي ألزمني بالتنازل عن كل شيء مقابل خلعه واستعادة حريتي".
تواصل برديس حديثها بالقول: "الأسوأ من ذلك، أنّه، بعد زواجه من امرأة أخرى، قطع أي تواصل بيني وبين ابنتي. كان كلما عرف بتواصلي معها، يضربها.. يحبسها.. ويهددها؛ ففضلت أن أقطع تواصلي بها خوفًا عليها؛ ولأجل ألا أعرضها لأي أذى".
نظرات
حصلت برديس على حريتها عبر القضاء، ثم غادرت المدينة التي كانت تُقيم فيها بعد أن خلعت زوجها، وانتقلت إلى محافظة أخرى؛ لتبدأ حياة جديدة أولوياتها فيها العمل ومواصلة الدراسة الجامعية، كما تقول.
وتضيف: "عانيت من كلام الناس ونظراتهم؛ كوني امرأة مطلقة، وأسكن لوحدي، لكنّي مؤمنة بما أفعل، ولا أرى أنّ هناك شيء يدعو للخجل أو العيب، طالما أنّي أعمل وأعول نفسي بنفسي، لكنّ تلك النظرة سببت ليّ الكثير من الضغوط النفسية".
"كانت نظرات الناس قاسية وقاصرة، لكني قابلت ذلك بالصبر والإصرار؛ لأجد نفسي بعد ذلك امرأة قوية"
في العام 2015م، فرضت الظروف على برديس سنوات أخرى صعبة؛ بفعل الحرب، والنزوح، والظروف المعيشة، كما تقول، لكنّ كل ذلك شكل دافعًا لها لتجاوز هذه التحديات، والتطلع لحياة جديدة تتلاءم مع أحلامها وطموحاتها؛ ولأنها، حد قولها، اختارت الحياة التي تريدها، ورفضت الظلم الذي كانت تعيشه.
وتؤكد منظمات حقوقية وإنسانية أنّ معدل العنف ضد المرأة في اليمن، منذ بداية النزاع في 2015م، ارتفع إلى 63% بأشكال وصور مختلفة.
وبحسب تفسير الخبراء، فأنّ زيادة العنف في اليمن ضد المرأة يرجع إلى أسباب عديدة، أبرزها الجهل، والعادات والتقاليد، وانعدام الوعي، وغياب مظاهر الدولة والقوانين التشريعية التي تحمي المرأة من أي عنف، إلى جانب الظروف المعيشية، وانعدام الوظائف وفرص العمل.
"تقارير الأمم المتحدة وصفت اليمن بأنّه "بلد غير صالح لعيش النساء؛ بسبب العنف الذي يتعرضنّ له".
امرأة قوية
لم يَرق لبرديس الاكتفاء بعيش دور الضحية، بل قررت أن تواجه نفسها والمجتمع من خلال تجربة مختلفة، كما تقول.
تنقلت برديس بين أعمال كثيرة بغية إعالة نفسها والعيش بكرامة، تقول: "عملت في كافتيريا إحدى الجامعات، ثم بائعة في سوبرماركت".
وتضيف: "كانت نظرات الناس قاسية وقاصرة، لكني قابلت ذلك بالصبر والإصرار؛ لأجد نفسي بعد ذلك امرأة قوية".
استفادت برديس من عائد عملها في الالتحاق بدورات في الصناعات اليدوية، "نجحتُ في ذلك، ووظفتُ العائد في مواصلة دراستي الجامعية".
لم تتوقف برديس هنا، بل اتجهت نحو تنمية مهارتها في تصنيع أول منتجاتها المتمثل في "مستحضر طبيعي للعناية بالشعر".
وتختم برديس حديثها قائلة: "أنا إنسان! كرمني الله، ومن حقي عيش حياة كريمة، وتحقيق طموحي بعيدًا عن أي عنف، أو انتهاك لحقوقي، أو عادات وتقاليد تجعلني حبيسة الجدران، خلف ستائر العتمة والعزلة".
الرابط ادناه لقراءة المادة من منصة هودج :