كمية تفاؤل كبيرة دبت في أوساط النساء بعد مسودة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي منحت المرأة تمثيل منصف إلى حد كبير في مسار العملية السياسية، وتمكين كفيل بوضعها في مصاف اللاعبين الفاعلين الرئيسيين في الدرجة الأولى من سلطة الدولة وتمثيلها الدبلوماسي، وإبراز دورها الفاعل في أي قضية تتعلق باتخاذ القرارات السيادية والمصيرية في سابقة إيجابية نحو بناء دولة مدنية حديثة تراعي الحقوق والحريات وتكفل الشراكة لكل أبناء النسيج المجتمعي، وتحفظ حقوق النوع الاجتماعي اقتصادياً وسياسياً ومدنياً، وذلك لتأمين مستقبل واعد للأجيال القادمة، فجاء الاجماع على منح المرأة نسبة تمثيل (30٪) على الأقل في مختلف الهيئات وسلطات الدولة والمجالس المنتخبة والمعينة، وتمكينها سياسياً في مختلف مواقع صنع القرار والهيئات الحكومية وإلزام منع المشرعين من سن القوانين التي تنتقص أو تقيد من حقوق المرأة وحرياتها.
وحين بدأت مشاورات السلام في 2015م أعقاب اندلاع الحرب اليمنية كانت هناك دعوة لإشراك المرأة في مسار السلام، ولكن.. ماذا حدث بعدها؟
تهميش مستمر
شهدت الأزمة اليمنية منذ اندلاعها في 2015م جولات تفاوضية ومشاورات أممية بين أطراف النزاع في عدة دول على المستوى الإقليمي والدولي وتعاقب للإشراف عليها اثنان من المبعوثين الأمميين لليمن فكانت جولة منها في جنيف السويسرية وشارك فيها وفد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بوفد تفاوضي لم يضم أي امرأة بينما شاركت سيدة واحدة من طرف أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، حلفاؤه آنذاك.
ثم أعقبتها مشاورات الكويت في العام 2016م والتي كان مجموع النساء فيها من الوفدين ثلاث نساء فقط من مجمل 28 مشارك، وهكذا استمر التهميش في مشاورات ستوكهولم بالعام 2018م حيث شاركت امرأة واحدة مع وفد حكومة اليمن المعترف بها دولياً، بينما خلت قائمة وفد أنصار الله من أي تمثيل للنساء. وهن على هذه الشاكلة أصبحن حاشية فقط ولم يكن لهن دور حقيقي وجوهري في مسار عملية السلام، وفي هذا الإقصاء تجاوز لما تم التوافق عليه في مسودة الحوار الوطني الذي شاركت فيه كل الأطراف المذكورة سلفاً.
إقصاء متعمد أم إدارة مرحلة؟
الناظر لواقع الأزمة اليمنية وتشعباتها يقف مذهولاً من كمية الزخم المصاحب لها وخصوصاً في الجزء المتعلق بتنحية المرأة من المشاركة في مشاورات السلام بجميع جولاتها.
هناك تساؤل مهم حول ماهية هذا الإقصاء، هل هو متجذر في عقليات النخب السياسية ورؤيتهم بأن المرأة لا تصلح أن تكون مفاوضاً أو مشاركاً فاعلاً في عملية بناء الثقة واللبنات الأولى في طريق صناعة السلام أم أن عدم إشراكها يعد عارضاً طارئاً فقط وإدارة مرحلة، وسيتم إشراكها بعدئذ في المراحل اللاحقة.
تقول الناشطة المدنية يسرى البطاطي إن “المرحلة الآنية من مسار الأزمة اليمنية تستدعي قيادات حقيقية تحمل من الخبرة والاطلاع ما يكفل لها اتخاذ قرارات مصيرية تسهم في إيجاد حلول جذرية للأزمة وإنهاء الحرب والاقتتال، بينما النساء اليمنيات مازال أمامهن طريق طويل حتى يصلن لهذه المرحلة من قوة اتخاذ القرارات بعيداً عن العاطفة”.
وأضافت البطاطي إن “المرأة سيتم إشراكها تدريجياً في مناصب تسهم في صقل وبناء شخصيتها القيادية التي تمكنها من الوصول إلى جادة التمكين للمشاركة في مشاورات السلام”.
في المقابل رأت أمجاد مبارك الناشطة في قضايا الأمن والسلم أنه “يجب إشراك النساء في مشاورات السلام بدون شروط مسبقة كضرورة مرحلية، ولا يمكن الإطلاق بأن المرأة اليمنية لا تملك الكفاءة التي تجعلها تتخذ قرارات الحرب والسلام والتعايش وتعتبرها أكثر الفئات تضرراً من مجريات الحرب والنزاع الدائر”.
ما الذي آل بالوضع لهذه المرحلة؟
“عندما نغور في الأعماق لنبحث عن أسباب إقصاء المرأة من جهود السلام؛ فإننا نجد أن مجتمعاتنا بالأساس تسود فيها فلسفة التسلط الذكوري وتغييب تام للعدالة الاجتماعية حيث تقتصر القضايا المشتركة على هرم النفوذ وعلو المراتب للنخب السياسية”، هذا ما قالته “شيماء معروف” طالبة العلوم السياسية بجامعة حضرموت.
كما أن المرأة مغيبة في البنية التنظيمية لقوام الأحزاب السياسية فعدم وصولها للمشاركة في مشاورات السلام هو امتداد لعدم إشراكها في تشكيل السياسات العامة والخطط الاستراتيجية للمكونات الفاعلة في مسار الأزمة اليمنية.
ولا يمكن إغفال العوامل المتعلقة بالمرأة نفسها ففي كثير من الأحيان المرأة لم تكن مقدامة وساعية لانتزاع حقوقها بل ظلت قابعة في زاوية من مربع الواقع السياسي ومسار السلام والحرب، ولم تبذل جهداً في سبيل الحصول على تمثيل منصف، وكذا غياب المنهجية في جل التعيينات من قبل أطراف النزاع للمشاركين في المفاوضات، واكتفاؤهم بقوة الأسماء وابتعادهم عن التفاصيل الدقيقة في شخصيات المفاوضين.
لذا فإن هذه الأسباب كفيلة بعدم إشراك النساء في مرحلة صناعة السلام من خلال الجولات التفاوضية السابقة.
شركاء صناعة السلام
“إن إضافة مكونات فاعلة جديدة في مشاورات السلام اليمنية قد يسهم بشكل أو بآخر في ضمان تمهيد أرضية مشتركة لإيجاد حلول للأزمة فبعد اتفاق ستوكهولم الذي أعطى مرحلة بناء الثقة بعداً إيجابياً من خلال تبادل الأسرى بين أطراف النزاع بالإمكان تجديد دماء المفاوضين بإضافة مكون النساء لطاولة الحوار والتفاوض، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الأمم المتحدة والضامنين الدوليين لمسار السلام في الضغط على أطراف النزاع بضرورة إشراك المرأة في مشاورات السلام”، هذا ما أكدته عضو مؤتمر الحوار الوطني ورئيس منتدى آفاق التغيير بلقيس العبدلي، وأضافت أنه “لا يمكن الجزم بوجود وصفة سحرية تعالج المشكلة ولكن بالإمكان تظافر مجموعة من الجهود لكيانات مختلفة وضرورة تفعيل القرارات الأممية بهذا الشأن وتحديداً القرار رقم 1325 لعام 2000م الذي يقر بوجود صلة بين خبرات النساء في النزاعات والحفاظ على السلام والأمن ومشاركتهن في حل النزاع، ويطالب بتعميم مراعاة النوع الاجتماعي في عمليات السلام وكذا تفعيل المؤتمرات والتحالفات النسوية التي تدفع بهذا الشأن، وأكدت على تفعيل دور الإعلام للضغط الشعبي بضرورة إدماج النساء، وكل ذلك يجعلنا نبدأ مرحلة جديدة يتم فيها بناء ثقة حقيقية بين أطراف النزاع من أجل سلام مستدام”.