أصبح البحر الأحمر -أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا وحيوية من الناحية الاستراتيجية في العالم- خطيرًا للغاية لدرجة أن البحرية الألمانية تبتعد عنه. و قرار وزير الدفاع (بوريس بيستوريوس) بإعادة توجيه الفرقاطة بادن فورتمبيرغ، وسفينة الدعم فرانكفورت أم ماين، حول رأس الرجاء الصالح عند عودتهما من الانتشار في المحيطين الهندي والهادئ له دلالة كبيرة. حيث يُعتبر البحر الأحمر الآن محفوفًا بالمخاطر للغاية، مما يسلط الضوء على مدى عدم فعالية وسائل الحماية البحرية الحالية التي توفرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة.
و لعدة أشهر، نشرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قوات لتأمين ممرات الشحن في البحر الأحمر. و مع ذلك، يواصل الحوثيون، المجهزون والمدعومون من إيران، مضايقة ومهاجمة السفن تحت ستار "التضامن" مع القوات الفلسطينية في غزة. وتكشف التقارير أن هجمات الحوثيين تمتد إلى المحيط الهندي وحتى البحر الأبيض المتوسط، وهو انتشار يدل على زيادة امكانياتهم و قدراتهم على التكيف.
وحذر قائد بعثة الاتحاد الأوروبي أسبيدس من تصاعد الخطر لكنه يفتقر إلى السفن والموارد اللازمة للرد بشكل مناسب. و تواصل البحرية الأمريكية إرسال سفن حربية عبر البحر الأحمر، لكن مهمتها المتمثلة في حماية السفن التجارية - عملية حارس الازدهار - تعتبر فاشلة من قبل العديد من خبراء البحرية الذين أجرينا مقابلات معهم وتضاءلت بشكل كبير من حيث النطاق والحجم. ونتيجة لهذا فإن العديد من السفن التجارية التي ترفع العلم الأميركي ــ والتي تلتزم البحرية الأميركية بحمايتها بموجب القانون ــ تختار تحويل مساراتها حول أفريقيا.
ولأن التأثير كان مدمراً، تجري خطوط الشحن الرئيسية تغيير مساراتها لتجنب البحر الأحمر بالكامل، مما يؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد وتصاعد تكاليف النقل على مستوى العالم. وينبغي أن يكون القرار الألماني بتجاوز البحر الأحمر - وإطالة الرحلة بآلاف الأميال - بمثابة دعوة للاستيقاظ للأقلية من أصحاب السفن الذين ما زالوا يعبرون البحر الأحمر.
ويسلط هذا الوضع على حقيقية قاسية حول عقود من نقص الإنفاق على الدفاع البحري بين أعضاء حلف شمال الأطلسي، وخاصة في أوروبا. و في مواجهة التحديات البحرية من منطقة المحيط الهادئ و الهندي إلى الشرق الأوسط، تجد الدول الأوروبية -ناهيك عن حليفتها في أمريكا الشمالية كندا، التي دفعت قواتها البحرية إلى التقلص لحجم صغير مثير للقلق- نفسها مرهقة، وتكافح من أجل نشر السفن الحربية حيثما تكون. و الفشل في الاستثمار في قوات بحرية قوية ترك الأساطيل الغربية غير كافية لمواجهة التهديدات البسيطة مثل الحوثيين بشكل فعال.
ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتحول الطرق البحرية التقليدية إلى مناطق حرب، فإن إعادة التوجيه هذه تمثل نقطة تحول. وما لم يبدأ حلفاء الناتو في معالجة هذه الفجوات من خلال الاستثمار في الأصول البحرية والاستراتيجيات البحرية الحديثة، فإن مستقبل ممرات الشحن العالمية الآمنة يظل موضع تساؤل.
والسؤال الأكثر وضوحًا: إذا لم يتمكن حلف شمال الأطلسي من إرسال سفن حربية لمواجهة الحوثيين، فكيف قد يتمكن من البقاء في حرب ضد خصم أكبر مثل الصين؟