اليمن: دور الشبكات النسائية في التمكين الاقتصادي والاجتماعي في حضرموت
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية- د. مريم القباطي: الجمعة, 20 سبتمبر, 2024 - 08:27 مساءً
اليمن: دور الشبكات النسائية في التمكين الاقتصادي والاجتماعي في حضرموت

يسلط هذا الموجز السياساتي الضوء على طبيعة الدعم الأساسي الذي قدمته الشبكات النسائية بمحافظة حضرموت لليمنيات، وكيف ساعدتهن على تخطي الحواجز المهنية في ظروف اجتماعية تتسم غالبًا بأعراف تقليدية مُقيدة لأدوارهن في الحيز العام. في مختلف المجالات المهنية، أرجعت نساء حضرموت الكثير من نجاحهن إلى الشبكات النسائية وما قدمته لهن من مساعدة وأتاحت لهن من فرص؛ حيث تعمل هذه الشبكات، الرسمية منها وغير الرسمية، كأنظمة دعم أساسية تقدم خدمات التوجيه والإرشاد العاطفي للنساء، فضلا عن دعم النمو المهني، وتيسير إمكانية حصولهن على المعلومات، وغير ذلك من خدمات التعليم والتدريب، وإتاحة الفرص التعاونية، فهي السبيل لتجاوزهن كل العقبات التي تحول دون مشاركتهن الاقتصادية.

ساهمت منظمات بارزة في سد الفجوات بين الموارد المحلية وموارد المجتمع الأوسع نطاقًا، وربط النساء في حضرموت بشخصيات مؤثرة وإتاحة فرص ما كانت لتتوافر لولا وجود مثل هذه المنظمات. فقد وجهت جهودها ليس فقط لإبراز دور المرأة وقيادتها في البيئات التي يهيمن عليها الذكور تقليديًا، ولكنها عملت أيضًا على تعزيز مرونة المجتمع وقوته. وقد أظهرت الشبكات النسائية القدرة على المبادرة ببذل جهود تتحدى الأعراف التقليدية المتعلقة بالنوع الاجتماعي وتعزز التغيير الاجتماعي، فضلاً عن الدور الذي تؤديه في الحد من العنف ضد النساء والأطفال، وتهيئة بيئة أكثر أمانًا ومساواة.

في ضوء الأنباء عن زيادة وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن منذ اندلاع الحرب، يشدد هذا الموجز السياساتي على أن دعم الشبكات النسائية أصبح الآن أكثر ضرورة وحتمية من أي وقت مضى، ويدعو إلى وضع أطر قانونية أقوى لحماية النساء وتوفير دعم تنظيمي أكبر للشبكات النسائية. تشكل هذه الاستثمارات أهمية بالغة لتمكين النساء من الاستفادة الكاملة من موارد هذه الشبكات، وضمان الاعتراف بمساهمات المرأة وتقديرها في مسار التنمية المستمرة في حضرموت.

أبرز التوصيات:

تمكين الشبكات القائمة التي تركز على تنمية مهارات القيادة لدى النساء ودعم المهارات التي تقدم المعرفة والموارد الخاصة بصناعة معينة. ينبغي أن تضم هذه الشبكات برامج الإرشاد التي تربط الطالبات والخريجات بالمهنيات ذوات الخبرة وتعمل على تعزيز التعاون وتنمية المهارات.
تزويد المجموعات المهنية النسائية الشعبية بالأدوات والاستراتيجيات اللازمة لإنشاء شبكات مهنية منظمة، مع زيادة برامج التوعية للنساء في حضرموت.
تشجيع الشبكات النسائية على تشكيل تحالفات أوسع نطاقًا مع العديد من أصحاب المصلحة، ومن ذلك المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والقطاع الخاص. يمكن لهذه التحالفات أن تعمل على زيادة فعالية جهود مناصرة المرأة وتشكيل جبهة أكثر قوة في التفاوض من أجل الحصول على حقوق المرأة وإشراكها في مختلف جوانب الحياة العامة.
تطوير برامج تدعم على وجه التحديد إنشاء وتوسيع الشبكات التي تضم شخصيات مجتمعية مؤثرة، مثل شيوخ القبائل والسلطات المحلية. يمكن لهذه الشبكات أن تسهل دمج مبادرات المرأة في الأنشطة المجتمعية السائدة وعمليات صنع القرار.
دعم برامج التنمية الاقتصادية التي تستهدف النساء، وتوفر إمكانية الوصول إلى التمويل الأصغر والتدريب على ريادة الأعمال وإتاحة فرص في السوق اليمني، وضمان إمكانية الوصول إلى تلك البرامج من خلال تعزيز الشبكات الاقتصادية النسائية وربطها بالموارد المالية.
إنشاء منصات رقمية آمنة للمهنيات بهدف تبادل الأفكار وطلب الإرشاد والتوجيه، والتعاون مع خبراء الأمن السيبراني، وتدريب الشبكات النسائية على التصدي للتهديدات السيبرانية التي تستهدف النساء، وإطلاق حملات لتثقيف النساء حول السلامة السيبرانية ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنصات الرقمية.
تعزيز الحماية القانونية للمجموعات النسائية المهنية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وضمان قدرتها على العمل دون خشية التعرض للاستهداف أو المضايقة بغير حق، وتسريع الإجراءات القانونية للمنظمات التي تواجه إجراءات مجحفة من جانب الهيئات الحكومية، وتقديم الدعم اللازم لوضع قوانين مكافحة التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وسرعة إنفاذ هذه القوانين.
مقدمة
كان للحرب المستمرة منذ عقد من الزمان في اليمن تأثيراً متناقضاً على النساء، حيث أدت إلى تقييد أدوارهن وفي الوقت نفسه توسيع نطاقها.[1] وعلى الرغم من النقص الشديد في البيانات، تشير العديد من التقارير المستندة إلى بيانات نوعية إلى تزايد اضطلاع اليمنيات بأدوار غير تقليدية كمعيلات للأسرة ومقدمات للدعم المالي. هذا التحول دفعهن إلى الالتحاق بسوق العمل، ولكنه في ذات الوقت لا يتيح لهن سوى وظائف منخفضة الأجر تتطلب مجهوداً بدنياً شاقاً.[2]

في حضرموت، كانت أدوار النساء تتركز عادةً حول تولي المسؤوليات المنزلية. وفي المناطق الريفية، غالبًا ما تمارس النساء الأنشطة المدرة للدخل في القطاعات غير النظامية، مثل العمل الزراعي، وإنتاج الحرف اليدوية، والتجارة على نطاق صغير في الأسواق المحلية.[3] في المكلا وغيرها من المناطق الحضرية في حضرموت، كان التحاق النساء بالعمالة النظامية أكثر شيوعًا، وخاصة في مجال التعليم، أو الرعاية الصحية، أو الوظائف الإدارية في القطاع العام. مع ذلك، غيّر اندلاع النزاع عام 2014 المشهد الاجتماعي والاقتصادي، ما أجبر النساء على العمل بالقطاع الخاص بشكل متزايد للمساهمة في دخل الأسرة؛ وهو تحوّل نتج في المقام الأول عن الحرب القائمة والصعوبات الاقتصادية المترتبة عليها التي أضحت تواجهها الأسر اليمنية.

ظهرت مؤخراً دراسات تستشهد بنماذج من نساء في حضرموت شرعن في ممارسة أعمال تجارية وعَمِلن في مطاعم ومقاهي تخدم الزبونات من النساء فقط، وهو مشهد غير مألوف قبل الحرب.[4] هذه التحولات ليست فقط شاهد على مشاركة المرأة الاقتصادية وتوفيرها للدخل اللازم لأسرتها، بل يبدو أنها تنبئ بتغيّر في وعي المجتمع وإعادة تشكيل تصوراته المحلية تجاه دور المرأة في العمل والحياة العامة. ففي مدينة سيئون، على سبيل المثال، التي أصبحت ملاذاً للنازحين داخلياً، وردت تقارير عن زيادة النشاط الريادي بين النساء، ومن بين ذلك حالات لنساء توليّن أعمال أزواجهن بعد أن أصبحن أرامل.[5]

على الرغم من الأدلة التي تشير إلى توسّع دور المرأة، لا تزال هناك بعض الأعراف المُحافظة التي تقيد حريتها وقدرتها على الحركة وتعيق مشاركتها في الاقتصاد والحياة العامة. أدت الحرب إلى ارتفاع معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي، [6] وكان لتدهور آليات الحماية القانونية والاجتماعية بسبب عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن تأثير سلبي ألحق الضرر بقدرة المرأة على الوصول إلى المجال العام.[7] نتيجة لذلك، تتجه المزيد من النساء إلى الشبكات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالدفاع عن المرأة والمطالبة بحقوقهن من أجل طلب الدعم والنمو المهني.[8] الجدير بالذكر أن هذه الشبكات قد حققت نجاحات وإنجازات ملحوظة على أرض الواقع.

من أبرز هذه النماذج مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام. في عام 2016، أطلقت مجموعة مكونة من ثمان نساء حملة مناصرة لإعادة فتح مطار الريان وطريق الضبة الشرقي في المكلا، اللذين أُغلقا بسبب النزاع.[9] كجزء من الحملة، مارست النساء الضغط على السلطات المحلية والقيادات الأمنية وشخصيات المجتمع والشباب والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وأدت جهودهن إلى إعادة فتح الطريق، وشجعت السكان المحليين على تنظيم حملات مناصرة أخرى لدعم التغيير. تُعَد مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام مثالاً مهماً يوضح الكيفية التي يمكن بها للشبكات المنظمة أن تتيح لليمنيات فرصة لإبراز القيادة القوية ومنصات للمشاركة المجتمعية.

في هذا السياق، يستكشف هذا الموجز السياساتي كيف يمكن للشبكات غير الرسمية (الروابط الأسرية، والأوساط الاجتماعية، أو الروابط المجتمعية) والشبكات الرسمية (الجمعيات أو الشبكات المهنية)، أن تدعم أو تعزز المشاركة الاقتصادية للمرأة في حضرموت. يركز الموجز بصورة خاصة على تأثير الشبكات الرسمية المهنية على التحاق المرأة الحضرمية بالعمالة النظامية، والنمو الوظيفي، وتنمية مهارات القيادة. فضلا عن ذلك، يعرض العديد من قصص النجاح، مع تسليط الضوء أيضًا على التحديات الهيكلية التي تواجهها المنظمات المروجة لهذه الشبكات.

الإطار النظري
يستند التحليل في المقام الأول إلى إطار التمكين الذي اقترحته الخبيرة في الاقتصاد الاجتماعي وأستاذة النوع الاجتماعي والتنمية “نائلة كبير”، [10] بالإضافة إلى نظريات رأس المال الاجتماعي التي وضعها رائدان في مجال علم الاجتماع، وهما بيير بورديو وروبرت بوتنام.[11] تؤكد نائلة كبير أن التمكين يستلزم قدرة الأفراد على اتخاذ الخيارات والسيطرة على حياتهم، [12] وتحدد بوجه خاص ثلاثة أبعاد مترابطة: الموارد، والاستقلالية، والإنجازات.

تُعدّ الموارد (فرص الحصول على التعليم، والأصول المالية، والشبكات الاجتماعية) بمثابة شروط مسبقة للتمكين، حيث تقدم الأدوات اللازمة لاتخاذ الخيارات، وتشمل الاستقلالية (الخطوات التي يتخذها الأفراد لبلوغ هذه الخيارات) كل الجوانب بدءًا من صنع القرار إلى المشاركة الفعالة في الحركات الاجتماعية؛ بينما تعكس الإنجازات (نتائج تلك الخطوات أو القرارات) النجاح في استغلال الموارد وممارسة الاستقلالية لإحداث التغيير.

تُظهِر هذه العناصر مجتمعة التمكين كعملية ديناميكية تبدأ بالقوة الكامنة وصولاً إلى التغيير الفعلي. يتم فهم نظرية نائلة كبيرة للتمكين بشكل أعمق عند دمجها مع نظريات رأس المال الاجتماعي ودورها في تعزيز التمكين، حيث يشير بيير بورديو[13] إلى الدور الحيوي الذي تلعبه الشبكات والعلاقات الاجتماعية في الوصول إلى الموارد، في حين يوسع روبرت بوتنام[14] نطاق هذا الدور ليشمل أهمية الثقة والأعراف والمشاركة المجتمعية في تعزيز الإجراءات التعاونية.

تجد مثل هذه النظريات صدى في سياق دولة مثل اليمن، حيث يكون للتضامن المجتمعي والانتماءات القبلية أهمية مركزية بالنسبة لرأس المال الاجتماعي للمواطنين، الذي يتوفر من خلاله الدعم والموارد الأساسية خلال أوقات النزاع.[15] تعتمد الأسر اليمنية بشكل كبير على شبكاتها الاجتماعية للحصول على الدعم المادي والمالي والعاطفي[16]؛ وفي المناطق الريفية على وجه الخصوص، تثبت دومًا الانتماءات القبلية ومبادرات التضامن المجتمعي وجهود الوساطة المحلية دورها الحاسم وأهميتها البالغة، خاصة في أوقات الأزمات.

يتم الحفاظ على الشبكات الاجتماعية في اليمن من خلال ممارسات مثل تقاسم الموارد، وإقراض المحتاجين وسداد الديون، وفض الخلافات. لقد قامت النساء على وجه الخصوص بأدوار فعالة في مبادرات مختلفة، ومن ذلك المساعدات الإنسانية على مستوى المجتمع، والتوعية بأهمية النظافة، وقيادة مبادرات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتسهيل الوصول إلى الخدمات. مع ذلك، فإن الهيمنة الذكورية السائدة في اليمن تُقيّد في الغالب قدرة النساء على الوصول إلى رأس المال، وأظهر تقرير صدر عام 2023، أنه رغم أن الشبكات الاجتماعية تعتبر شبكة أمان ضرورية للنساء، فإن التفاوت بين الجنسين فيما يتعلق بإمكانية التنقل والظهور العام يمكن أن يحدّ من قدرتهن على استخدام رأس المال الاجتماعي بشكل فعال لتحسين ظروفهن الاقتصادية.[17]

في هذا السياق، فإن تطبيق إطار نائلة كبير على نظريات رأس المال الاجتماعي يُبرز تعقيد عملية التمكين ليس فيما يتعلق بامتلاك الموارد فحسب، بل وأيضاً القدرة على تعبئة هذه الموارد لتحقيق الانجازات الشخصية والمهنية المرجوة. بناء عليه، يمكن القول أن التشبيك والتواصل في هذا السياق هو عملية لتوفير الموارد الأساسية والخدمات التدريبية وإنشاء الروابط الاجتماعية التي من شأنها تمكين النساء من إحداث تغيير ملموس على مستوى أعمالهن ومجتمعاتهن، وبالتالي تعزيز رأس مالهن الاجتماعي.[18]

المنهجية
في إطار إعداد هذه الدراسة، أُجريت 15 مقابلة شبه منظمة مع قيادات نسائية من حضرموت، يمثلن مجموعة واسعة من القطاعات المهنية – رائدات أعمال، وأخصائيات قانونيات، ومعلمات، وباحثات، ومديرات مؤسسات، وناشطات في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة.

تنوعت فئات المشاركات من حيث العمر والخلفية التعليمية وسنوات الخبرة المهنية، مما ساعد على تقديم منظور شامل لدور التشبيك والتواصل في النمو المهني للمرأة، علماً بأنه تم تطبيق أسلوب أخذ العينات الهادفة لضمان معرفة المشاركات واستعدادهن لمشاركة تجاربهن. أجريت المقابلات في الفترة ما بين مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2024، واستمرت كل منها من ساعة إلى ساعتين. وتم استخدام برمجيات تحليل البيانات النوعية لإدخال بيانات المقابلات وترميزها وتحليلها. بالإضافة إلى المقابلات، أُجريت مراجعة أدبية للدراسات الحالية حول حالة رأس المال الاجتماعي والمشاركة الاقتصادية للمرأة في اليمن.

شهادات: تمكين المرأة من خلال التشبيك والتواصل
“خضت نضالاً مع نفسي وبذلت المستحيل لإقناع أسرتي، وتحديت مجتمعي واتجهت نحو عالم مجهول بالنسبة لي. ولا أبالغ في القول إن الوضع لم يكن مألوفًا في مجتمع مثل مجتمعي [حضرموت]، حيث يكون العالم الوحيد للمرأة منزلها، دون أن يكون لديها أي دراية أو خبرة بما يحدث خارجه. وقد أدت هذه الشبكات إلى فتح آفاق واسعة للتعلم والممارسة لي ولغيري من النساء، وكذلك تغيير القناعات ونشر الوعي، بل وتغيير واقعنا بالفعل”.

– ضياء صالح عيد العويني[19]

بغض النظر عن مجالاتهن المهنية، نَسَبت النساء اللواتي أجريت معهن المقابلات الكثير من نجاحهن المهني إلى دعم الشبكات النسائية والفرص التي قدمتها لهن. برزت المجموعات الرسمية وغير الرسمية كأداة فعالة في توفير شبكة أمان أو تمكين النساء من تعزيز فرصهن المهنية، فعلى المستوى غير الرسمي، تعتمد النساء في اليمن على الشبكات الأسرية والمجتمعية للحصول على الدعم العاطفي والتوجيه العملي، ولهذه الشبكات جذور عميقة في الأعراف المحلية والتفاعلات اليومية – سواء التفاعلات بشكل شخصي أو من خلال منصات رقمية مثل واتساب وفيس بوك.

استشهدت العديد من النساء بالدور الحاسم الذي تؤديه الشبكات الأسرية ودعم الأسرة للنساء، وأكدت إحدى المشاركات في المقابلات أن “الشبكة الأسرية هي الخطوة الأولى في تقديم الدعم للنساء”، مشيرة إلى أن بعض النساء، على الرغم من كل الصعوبات ونقص الفرص، كسرن الحواجز ونجحن “بفضل وجود أحد الأقارب الذي يدفعهن إلى المضي قدمًا في مسيرتهن”.[20]

من ناحية أخرى، تعمل الشبكات المهنية النسائية الرسمية على سد الفجوة بين الموارد المحلية وموارد المجتمع الأوسع نطاقًا.[21] فهي تساعد في ربط الأفراد بشخصيات مؤثرة، وفتح فرص ومجالات كانت لتظل مغلقة لولا وجود هذه الشبكات[22] ؛ ومن أبرز المجموعات النسائية المعتمدة لتوفير فرص التشبيك والتواصل للنساء في حضرموت مؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية، [23] وهي منظمة غير ربحية مقرها حضرموت تدعم حقوق المرأة في التعليم وحقوقها الاجتماعية والقانونية والاقتصادية، وتسعى بقوة إلى الحد من العنف ضد النساء والأطفال في اليمن.

هناك أيضاً اتحاد نساء اليمن، وهي شبكة رسمية واسعة النطاق في جميع أنحاء اليمن[24] تركز على تقديم المساعدة القانونية والبرامج التعليمية وتنظم حملات مناصرة المرأة لتعزيز المساواة بين الجنسين والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. يوجد أيضًا فريق نساء حضرموت من أجل السلام، [25] والذي يركز على مشاركة المرأة في جهود السلام وإشراك كل الأطراف المعنية المهتمة بمناصرة حقوق المرأة على مستوى مختلف القطاعات بغرض معالجة المسائل المجتمعية والاجتماعية ذات الصلة.

سهّلت هذه المنظمات، من بين منظمات أخرى، التطوّر الوظيفي والمهني للعديد من النساء الحضرميات، حيث قدمت التدريب والإرشاد والدعم المالي وفرص التشبيك والتواصل التي تساعدهن على الحصول على عمل أو التقدم بشكل أكبر في حياتهن المهنية. لدى سرد تجربتها، ذكرت أزال عبد الله العريقي، مديرة مؤسسة بسمة لتنمية الطفل والمرأة وناشطة في مجال الحقوق القانونية للمرأة والطفل، [26] العديد من الشبكات المحلية (هيئة السلم المجتمعي[27] ومؤسسة الأمل[28]) ومجموعات غير رسمية تركز على تعزيز التشبيك والتواصل عبر منصات إعلامية (مثل “صاحبة السمو”[29] و “السياسية وحقي في المشاركة”[30]) التي كان لها دور حيوي في دعم حياتها المهنية. كما ساعد رأس المال الاجتماعي الذي تشكل من خلال هذه الشبكات (السيدة/ أزال) على تأمين الموارد المالية اللازمة لمؤسستها.

بالرغم من أن العديد من شبكات مؤسسة بسمة مخصصة للنساء فقط، وحقيقة أن الثقافة المحافظة السائدة في المجتمع الحضرمي تمنع إلى حد كبير اختلاط الجنسين، فقد أُشير إلى مشاركة مناصرين من الذكور كميزة إضافية في المؤسسة. في حالة أزال العريقي، اعتُبر الدعم الذكوري عاملاً أساسيًا في محيط يقل فيه عدد القاضيات والمحاميات، حيث يفضل الكثيرون، حتى اليوم، المحامين الذكور على الإناث، معتقدين أن الرجال يمتلكون قدرات أكبر في جوانب التقاضي والدفاع.

أوضحت المحامية/ ضياء صالح عيد العويني مدى استفادتها بشكل كبير من الشبكات النسائية، فهي عضو في اتحاد نساء اليمن منذ 13 عامًا، ومؤسسة مبادرون للتنمية المجتمعية (من تأسيسها) منذ تسع سنوات، وفريق حضرموت للتفكير الاستراتيجي منذ عام واحد. انضمت العويني إلى هذه الشبكات بهدف “تنمية الذات وخدمة المجتمع”، [31] ووصفت كيف شعرت في البداية بالضياع كمتخرجة حديثة من كلية القانون تطمح للعمل في المجال القانوني متسائلة: “ماذا سأفعل بهذه الشهادة في مجتمع يحظر على النساء حتى دخول المحاكم للتقاضي، ناهيك عن العمل في بيئة يهيمن عليها الذكور؟” و “هل ستسمح عائلتي بذلك؟ هل سيقبل مجتمعي وقبيلتي هذا التحدي؟ هل سيؤثر هذا على مستقبل أطفالي؟ هل سنكون منبوذين؟ هل سأنجح؟”[32]

ساعدت هذه الشبكات ضياء العويني على اختراق هذا العالم وتخطي تلك الحواجز بطرق لم تكن تتوقعها، رغم أنها (الشبكات) لا تزال في حاجة ماسة إلى مزيد من الدعم. بالحديث عن تجربتها الشخصية في الانضمام إلى اتحاد نساء اليمن والصعوبات التي واجهتها بداية في التواصل مع المنظمة، أشارت العويني إلى أن مثل هذه المنظمات لا يمكن الوصول إليها بسهولة ولا تحظى بدعم جيد، ولا يتم الترويج لها أو هيكلتها بما يكفي لضمان استفادة النساء منها بصورة فعلية، وأكدت أن تعزيز نطاق وصول هذه المنظمات وقدرتها وتأثيرها لدعم التمكين الاقتصادي للمرأة أمر لا يمكن إغفاله البتة، بل يجب إيلاؤه أهمية بالغة، بالنظر إلى أن هذه الشبكات النسائية توفر منصة انطلاق للنساء لبدء حياتهن المهنية، بما في ذلك رائدات الأعمال.

اعتمدت منى باقطيان، رائدة أعمال حضرمية شابة ومديرة مركز الأمل لريادة الأعمال، على شبكة نسائية لمساعدتها في بدء تأسيس شركتها الخاصة، وهي تعزو الكثير من نجاحها في عالم ريادة الأعمال إلى الدعم الذي تلقته من مؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية. قالت منى: “كان لورش العمل التي نظمتها المؤسسة حول المشاريع الصغيرة والإدارة ومهارات القيادة أهمية بالغة في إطلاقي شركتي”، [33] ومن خلال المؤتمرات وورش العمل والأنشطة التطوعية التي قدمتها هذه المجموعات النسائية، تمكنت باقطيان من تكوين صداقات قيمة وشبكة تواصل مهنية. بالإضافة إلى ذلك، مكنتها فرص التشبيك والتواصل الأوسع، ومنها فرص التشبيك في أوساط تتضمن الاختلاط بين الجنسين وخارج اليمن، من الوصول إلى معلومات حول فرص العمل والتدريب المتاحة، والحصول على دعم من أقرانها في مجالها، والترويج لأعمالها وأنشطتها التجارية.

تزداد استخدامات منصات التواصل الاجتماعي في اليمن لأغراض التشبيك والتواصل؛ وفي هذا الصدد، تحدثت هدى أمين جوبان، أخصائية صحية، عن مدى استفادتها من شبكتها غير الرسمية من الأصدقاء ومن منصات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن هذه الشبكات شملت دائرة مقربة من الأشخاص تابعين لمنظمتها ودائرة من أفراد خارجيين ينتمون إلى الأوساط العلمية والبحثية أو أفراد منخرطين في أعمال تطوعية أو مهتمين بمشاركة اهتماماتهم الشخصية، وتشكلت العديد منها عبر تطبيق فيسبوك أو واتساب.[34] ساعدتها هذه المنصات على التواصل مع الباحثين والمُرشدين، ودعمت فعالياتها وورش العمل التي تُنظمها، ودفعتها في نهاية المطاف إلى إنشاء مركز أبحاث، وهو مركز بايوزون للبحوث والدراسات وحماية البيئة.

يُنظر إلى هذه الشبكات الاجتماعية أيضاً باعتبارها وسيلة لتعزيز ثقة المرأة، من خلال تشجيعها على تولي مناصب قيادية، حيث قالت إحدى المعلمات: “إن التشبيك والتواصل داخل القطاع التعليمي أتاح لي فرصًا لتولي مهام قيادية لم تخطر ببالي من قبل”[35] وساهم ذلك في إبراز دورها وقادها في النهاية إلى أن تصبح نائب مدير مدرسة.

بالنسبة لأخريات، سنجد أن فرص التشبيك والتواصل قادتهن إلى مسارات مهنية ربما لم تكن في تصورهن من قبل. تقول إحداهن “لم أفكر في دخول مجال الإعلام، حيث تخصصت في الدراسات الإسلامية، لذلك [بعد التخرج] توجهت للعمل في تخصصي [التعليم] في إحدى المدارس، ومن خلال فرص التشبيك والتواصل المتاحة عبر مؤسسة الأمل، اكتشفت موهبتي وشغفي في مجال التصميم والمونتاج، وتواصلت معي العديد من العاملات في مجال الإعلام لتحرير موادهن الإعلامية، ثم بدأت في مجال التعليق الصوتي [وهلم جرا]”.[36]

كما أبرزت المشاركات في المقابلات أهمية الإرشاد والتوجيه وكيف سهلت مثل هذه الشبكات تكوين علاقات مهمة بين النساء. قدمت أبها باعويضان، رئيسة مؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية، خدمات توجيهية واسعة النطاق متعلقة بقطاع الأعمال ودربت أكثر من 350 متطوعة على مهارات القيادة والإدارة، حيث تمكنت العديد منهن من تولي مهام قيادية وإدارية بعد ذلك. في معرض حديثها عن إحدى المتطوعات الشابات التي احتضنتها وقدمت لها فرص تدريبية متعددة منذ أن كانت طالبة في المدرسة الثانوية، روت باعويضان كيف تقدمت الشابة لشغل منصب إداري لدى غرفة تجارة وصناعة حضرموت قائلة: “على الرغم من خبرتها المحدودة خارج مجموعتنا التطوعية، فقد شجعتُها على التقدم للوظيفة بثقة، وفي أثناء المقابلة الوظيفية، اتضح ارتباطها بمتطوعات مؤسسة الأمل النسوية […] وقد ساعدتها التزكية التي منحتها لها من خلال شبكاتنا، على الحصول على الوظيفة بمجرد تخرجها، حيث عملت فيها لثلاث سنوات قبل الترقي إلى منصب أعلى، وهذا يعد شاهدًا على القيمة التي توليها غرفة التجارة لشبكتنا”.[37]

من المعروف أيضًا أن الشبكات النسائية تؤدي دورًا أساسيًا في تعزيز القيادة المجتمعية، حيث ذكرت أبها باعويضان أن التشبيك والتواصل عزز دورها كقائدة مجتمعية وهيأ بيئة مجتمعية داعمة لرائدات الأعمال الأخريات.[38] في نفس السياق، ذكرت مشاركة أخرى أن الاستفادة من الشبكات النسائية مكَّنها من تنظيم حملات مناصرة تدعو إلى إجراء تغييرات أوسع نطاقًا في مجال التعليم، وهذا أفاد مجتمعها وأحدث تحولاً في نهج التعليم المدرسي، مما يوضح قدرة هذه الشبكات على تمكين النساء من ممارسة التأثير على مستوى المجتمع بأكمله.[39]

تحديات تقف أمام الشبكات والمنظمات النسائية
رغم أن إيجابيات ومزايا الشبكات النسائية كثيرة وتتجاوز حتى ما ذكرناه آنفاً، إلا أن العديد من هذه الشبكات والمنظمات تواجه عقبات هيكلية. بوجه عام، يوجد الكثير من الشبكات والمجموعات التي تركز على حقوق المرأة وتمكينها، لكن بالكاد نلحظ وجود شبكات نسائية تركز على دعم المرأة في مجالات متخصصة، مثل القانون والطب والأوساط الأكاديمية، وهو ما يعكس قلة عدد النساء العاملات في هذه المهن في مختلف أنحاء حضرموت.

إن عزو غياب النساء في هذه المجالات إلى الطبيعة المحافظة والهيمنة الذكورية في المجتمع الحضرمي فقط، لا يُبرز أوجه التعقيدات الدقيقة التي تواجه المرأة في مثل هذه البيئة، فقد أشارت العديد من المشاركات اللاتي أجريت معهن مقابلات، ممن يُدركن و يَتقبلن الطبيعة المحافظة للمجتمع في حضرموت، إلى مدى أهمية تعليم الفتيات في الوقت الحاضر حيث أصبح أولوية بالنسبة للعديد من الأسر الحضرمية. يعود هذا جزئياً إلى إرث حقبة النظام الاشتراكي في حضرموت، بالإضافة إلى التأثير الذي أحدثته العديد من الأسر المهاجرة إلى أفريقيا وأجزاء أخرى من العالم من أجل التجارة ممن تعايشت مع ثقافات تلك البلدان. مع ذلك، لا تزال الفرص المتاحة للنساء لدخول هذه المجالات قليلة ونادرة خارج العاصمة المكلا.

تواجه العديد من الشبكات النسائية قيودا في الميزانية تحد من قدرتها على إجراء البحوث والدراسات وتنفيذ الأنشطة المرغوبة بفعالية. على الرغم من قيمة الدعم المتاح لهذه الشبكات عبر الإنترنت، إلا أنه يقتصر في الغالب على دعم الظهور الإعلامي بدلاً من المساعدة المالية أو اللوجستية الضرورية واللازمة لتعزيز جهودها في التطوير المهني. علاوة على ذلك، يعيق انقطاع التيار الكهربائي وضعف الاتصال بالإنترنت فرص النساء في التشبيك والتواصل عبر المنصات الإلكترونية.

لقد تم استهداف بعض المنظمات التي ترأسها نساء في حضرموت من قبل المسؤولين المحليين، وواجهت عقبات قانونية وإدارية فرضتها هيئات حكومية تعمل بشكل ممنهج على تقويض قدرتها على دعم النساء بشكل فعّال. توضح تجارب قياديتان نسويتان- كلا منهما رئيسة منظمة تُعني بتنمية المرأة ورفاهيتها الاجتماعية – مدى شيوع التدخل السافر غير المبرر، ومن ذلك سحب الدعم المؤسسي لهكذا منظمات وتحديات أخرى متعلقة بحقوق الملكية. على سبيل المثال، واجهت مؤسسة مشاكل مع السلطات المحلية تطعن في حقوق ملكية مقر المؤسسة، وذلك على الرغم من تقديم كافة الوثائق بمنتهى الوضوح والشفافية وإثبات استثمارها شخصياً في المقرّ.[40] في الوقت نفسه، واجهت منظمة أخرى عقبات بيروقراطية شديدة التعقيد أعاقت أنشطتها وبرامج التدريب التي تقدمها، وأثرت على أكثر من 400 امرأة مستفيدة.[41] تعكس هذه الحالات نمطًا أوسع نطاقًا من هذه الممارسات حيث يسعى المسؤولون المحليون إلى تهميش المبادرات التي تقودها النساء وقمعها بقوة، ومن ثم تقويض الجهود المبذولة نحو تحقيق المزيد من المساواة بين الجنسين.

إن غياب تدابير صارمة للحماية القانونية وآليات المناصرة الفعّالة يزيد من تعقيد هذه التحديات. أشارت بعض المشاركات إلى تأثر النظام القانوني والسياسي في حضرموت إلى حد كبير بالأعراف الذكورية، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متحيزة وعدم إنفاذ قوانين الحماية بشكل كافٍ، وأشارت إحدى المشاركات، في معرض حديثها عن التحيز الذي واجهته والمعارك القانونية المستمرة التي تواجهها منظمتها، إلى أن “نتائج الدعاوى القضائية بدت متأثرة بعلاقات سياسية أعلى، مما يدل على التحيز المنهجي ضد المنظمات التي تقودها النساء”.[42]

من هذا المنطلق، يُعدّ تفعيل استراتيجيات قادرة على حماية المنظمات النسائية وشبكاتها ضرورة حتمية يجب العمل على تطبيقها على وجه السرعة، مع الأخذ في الاعتبار أن العديد من هذه التحديات منشأها العنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي تزايدت وتيرته منذ اندلاع الحرب. يُذكر أن العديد من النساء اللاتي أجريت معهن المقابلات في إطار إعداد هذه الورقة البحثية تعرضن لهذا النوع من العنف.

شكال العنف القائم على النوع الاجتماعي
العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تسهله التكنولوجيا: أفادت بعض النساء ممن أجريت معهن المقابلات في إطار إعداد هذا البحث، خاصة ممن يشغلن مناصب قيادية، بتعرضهن لمضايقات متكررة عبر الإنترنت، ومن ذلك التعليقات السلبية والهجوم الشخصي والتصيد والتربص. شاركت سولاف الحنشي، المدير التنفيذي لصندوق دعم الشباب، تجارب عصيبة بسبب المضايقات عبر الإنترنت، مشيرة إلى تنامي وتيرتها مع تعزّز مشاركتها في المبادرات المجتمعية. تصاعد الأمر من تعليقات انتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى هجمات شخصية تشكك في نزاهتها والتزامها بقيم المجتمع.[43]

بالمثل، أوضحت منى باقطيان كيف أدى توسّع نطاق أعمالها عبر الإنترنت إلى تعريضها لأشكال مختلفة من المضايقات، مما أثر على حياتها الشخصية والمهنية. كما قالت إحدى المختصات في إدارة صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي ومتطوعة مع إحدى المنظمات النسائية: “عندما بدأت في الترويج لعملي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم أكن أتوقع وابل التعليقات غير اللائقة والمتحيزة بشكل صريح ضد المرأة. أجبرتني هذه التجربة على إعادة النظر في طريقة ومكان الترويج لعملي عبر الإنترنت”.[44] وقد ساهم ظهورها كشخصية عامة في استهدافها بصورة متكررة وأصحبت عرضة للمضايقات عبر الإنترنت، والتي تتضمن تعليقات تصل إلى حد الإساءة الشخصية.

التهديد والترهيب: أفادت بعض النساء اللاتي تمت مقابلتهن بتلقي تهديدات مباشرة لأمنهن وسلامتهن، والتي غالبًا ما كانت تهدف إلى ترهيبهن وتثبيطهن عن مواصلة أنشطتهن العامة أو المهنية. أوضحت إحدى المعلمات، التي تقود مجموعة لتوفير الدعم النفسي للفتيات والنساء، كيف أن دورها كان سببًا لتعريضها لتهديدات مباشرة، خاصة عند معالجة قضايا حساسة تتحدى الأعراف المحلية، قائلة “العمل الذي نقوم به في مجموعة الدعم يتحدى أحيانًا الأعراف المجتمعية المتأصلة، مما أدى إلى تهديدات مباشرة ضدي وضد فريقي”.[45]

أوضحت سولاف الحنشي كيف استهدفت التهديدات مبادراتها الرامية إلى تمكين الشباب، وخاصة النساء، وجعلتها محط الأنظار، في محاولة لترهيبها من أجل إجبارها على التخلي عن مسيرتها أو تقليص جهودها.[46] رائدة الأعمال منى أحمد باقطيان أشارت إلى أنها واجهت تهديدات تجاوزت الهجمات الشخصية لتشمل تكتيكات تهدف إلى تعطيل أنشطتها التجارية.[47]

التحرش الجنسي عبر الإنترنت: كشفت المقابلات عن تجارب مؤسفة للتحرش الجنسي عبر الإنترنت، ومن ذلك التحرشات الجنسية، وإرسال محتوى غير لائق، وانتهاكات الخصوصية. روت إحدى المشاركات تجاربها مع تلقي رسائل وصور غير لائقة، مشيرة إلى أنه “بصفتي شخصية إعلامية في نظر الجمهور، واجهت للأسف نصيبي من التحرش الجنسي عبر الإنترنت. امتد ذلك من الرسائل الصريحة غير المرغوب فيها إلى التعليقات غير اللائقة على المنشورات العامة، ووصل الأمر إلى حد اضطررت فيه إلى إعادة التفكير في استراتيجيات التفاعل عبر الإنترنت وتشديد إعدادات الخصوصية لحماية نفسي”.[48] إحدى القياديات التي تعمل في القطاع التعليمي تم نشر صورها الشخصية وأرقام الاتصال بها دون موافقتها، وكان لذلك تداعيات سلبية كبيرة على المستوى الشخصي والمهني.[49]

التشهير والهجمات المغرضة: تزداد وتيرة حملات التشهير، وخاصة ضد اللاتي يشغلن مناصب بارزة تتطلب الحفاظ على صورة عامة قوية. واجهت أروى عبد الله عمر، نائبة عميد في مؤسسة تعليم عال بحضرموت، محاولات تشهير هدفت إلى تشويه سمعتها كقيادية ومساهماتها الأكاديمية بمجرد أن بدأت في إدخال تغييرات في البرامج الأكاديمية لتشمل وجهات نظر أكثر تنوعًا.[50]

من جهتها، أشارت مسؤولة في إحدى مراكز الاعلام إلى تضرر سمعتها التجارية على يد منافسين نشروا تعليقات تشهيرية عبر الإنترنت، وعرضت تجربتها مع انتشات شائعات حولها تشكك بنزاهة ممارساتها الادارية والمالية، مما أثر على علاقاتها المهنية وتقدمها الوظيفي.[51]

التمييز: يقوض التمييز القائم على النوع الاجتماعي قدرة المرأة على الانخراط الكامل في عملها وشبكاتها الاجتماعية. وتتمثل العقبة التي ذكرتها معظم النساء اللاتي أجريت معهن المقابلات في انعدام الفرص وعدم توفر الوقت أمام المرأة لبناء الشبكات الاجتماعية، حيث أشرن إلى أن الفرص غالباً ما تنشأ في ظروف لا تستطيع فيها المرأة المشاركة. على سبيل المثال، تتشكل شبكات العلاقات والاتصالات المهمة غالبًا في تجمعات القات، ما يعد حاجزاً أمام القيادات النسائية في حضرموت، حيث من المعيب على المرأة – وفق الأعراف الثقافية – المشاركة في جلسات القات.

هكذا قيود لا تُقصي النساء من فرص التشبيك والتواصل المهمة فحسب، بل تحد أيضاً من ظهورهن في التجمّعات المؤثرة حيث تُتخذ القرارات الرئيسية.

خاتمة
أبرزت شهادات النساء اللاتي أجريت معهن مقابلات في إطار إعداد هذا الموجز السياساتي، أهمية دور المجموعات والشبكات المهنية النسائية في تعزيز مشاركة المرأة الحضرمية في الحياة العامة، ووصولها إلى الموارد اللازمة لتحقيق التقدم الوظيفي وتولي مناصب قيادية.

تزداد حظوظ النساء في الوصول إلى أشكال أوسع من الدعم والفرص والمعلومات من خلال المشاركة في هذا النوع من الشبكات التي تضم عضوات من مناطق مختلفة وذات خلفيات اجتماعية واقتصادية وفئات عمرية وخبرات مهنية متنوعة؛ وقد لا تكون هذه الفرص متاحة من دون دعم هذه الشبكات ودورها البارز في المجتمع. علاوة على ذلك، تسعى هذه الشبكات إلى سدّ الفجوات في المشاركة العامة للنساء، وتعزيز مرونتهن الاقتصادية وتمكين النساء من “المضي قدمًا والاستمرار” بدلاً من “الاستماتة لتحقيق أهداف وقتية”، وذلك من خلال الاستفادة من شبكاتهن الاجتماعية الأوسع نطاقًا لكسب القوة وممارسة التأثير خارج مجتمعهن المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل الشبكات النسائية كمنصات ومنابر للعمل الجماعي والمشترك. تعتمد النساء في حضرموت على التضامن والتآزر في مطالباتهن للتغيير الاجتماعي وتحدي الممارسات والسياسات التمييزية، كما يستهدفن، من خلال حملات المناصرة الجماعية، تغيير الظروف الهيكلية التي تحد من أدوار المرأة في المجتمع، ويسعين إلى إجراء الإصلاحات التي تضمن تمثيلًا وحقوقًا أفضل للمرأة عبر مختلف القطاعات.

أظهر هذا الموجز السياساتي جليًا الإيجابيات والمزايا المتعددة التي تتمتع بها الشبكات النسائية، إلاّ أن التحديات التي تواجه هذه الشبكات تتطلب اهتمامًا بالغًا وتدخلا عاجلاً، فالكثير من هذه المنظمات والشبكات النسائية لا يمكن الوصول إليها بسهولة، ولا تحظى بدعم جيد، ولا يتم الترويج لها أو تنظيمها على نحو واف يضمن استفادة النساء منها بالشكل الأمثل، ولا ينبغي إغفال أهمية تعزيز نطاق وصول المؤسسات القائمة وقدرتها وتأثيرها في دعم التمكين الاقتصادي للمرأة.

علاوة على ذلك، فإن الزيادة في العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الحرب قد أعاقت تلك المنصات، ناهيك عن الأعراف الذكورية المتجذرة والقيود الثقافية المحافظة، والتي تحد بشكل كبير من مشاركة المرأة بشكل كامل في المجموعات والشبكات المهنية المختلفة، فضلاً عن مشاركتها الاقتصادية الأوسع نطاقا، وقد أثبتت الممارسات والاستراتيجيات التي طبقتها النساء لتحقيق المرونة الاقتصادية والتغلب على مختلف التحديات الحاجة الملحة إلى إنفاذ تدابير قانونية أقوى، وإنشاء هياكل داعمة، وإحداث تغيير مجتمعي لإنجاح مبادرات تمكين المرأة بشكل كامل في المجالات المهنية وفي الحياة العامة في حضرموت.

في هذا السياق، تؤدي المجموعات والشبكات المهنية النسائية دوراً مزدوجاً ــ فهي بمثابة درع ضد التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وبمثابة سُلَّم لتمكين وتنمية مجتمعية أكبر.

بناء عليه، لا يزال من الضروري انخراط جميع المعنيين ــ من قادة المجتمع، وصناع السياسات، والشركاء الدوليين ــ وأخذهم زمام المبادرة لتعزيز ودعم هذه الشبكات والاستفادة منها في تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها الاقتصادية.

التوصيات
إلى المجموعات/ الشبكات النسائية المهنية ومنظمات المجتمع المدني:

تمكين الشبكات القائمة التي تُنمي مهارات القيادة لدى النساء وتركز على تعزيز المعرفة والفرص والموارد الخاصة بقطاع مُعيّن، ومن ذلك الدعم اللوجستي والمالي والمعرفي.
إطلاق برامج تربط بين طالبات المدارس الثانوية وطالبات الجامعات والخريجات والمهنيات والقيادات النسائية المتمرسات، وتعزيز أوجه التعاون وبرامج التوجيه.
استخدام الشبكات في الحملات التي تُذكي الوعي بأهمية أدوار المرأة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في اليمن، وتدعو إلى تغيير السياسات وتكافؤ فرص العمل للنساء في حضرموت.
إطلاق برامج تستهدف إشراك الرجال والفتيان كحلفاء في المبادرات الرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتغيير التصورات السلبية عن المرأة العاملة.
إنشاء منصات رقمية آمنة للمهنيات اليمنيات لتبادل الأفكار وطلب المشورة وتعزيز التوجيه وضمان إمكانية الوصول إليها حتى في المناطق النائية.
التعاون مع خبراء دوليين في مجال الأمن السيبراني والمشاركة في مشاريع بحثية وتطويرية مشتركة للتعامل مع التهديدات السيبرانية التي تستهدف النساء في المساحات العامة.
إطلاق حملات لتثقيف النساء العاملات بشأن السلامة السيبرانية وتأثيرات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وإشراك الرجال والفتيان في دعم حماية المرأة من المضايقات والاستهداف عبر الإنترنت، وتعزيز الحوارات المجتمعية الشاملة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.
استضافة ورش عمل حول الحقوق القانونية وحل النزاعات، وتزويد المجموعات/ الشبكات النسائية المهنية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بالمهارات اللازمة للتعامل مع التدخلات الحكومية والدفاع عن مشاركة المرأة في الحياة العامة.
الاحتفاظ بسجلات شاملة للمراسلات مع الحكومة وأصحاب المصلحة لضمان الشفافية وتقديم الأدلة في حال نشوب خلافات أو رفع دعاوى قانونية.
التعاون مع السلطات المحلية لمواءمة أنشطة الشبكات النسائية مع المبادرات الإقليمية المتعلقة بالنوع الاجتماعي.
إلى الشركاء الإنمائيين:

تزويد المجموعات النسائية المهنية الشعبية بالأدوات والاستراتيجيات اللازمة لإنشاء شبكات مهنية منظمة بشكل جيد، مع زيادة برامج التوعية للنساء في حضرموت.
دعم الشبكات النسائية المهنية في إنشاء منصات رقمية آمنة يمكن الوصول إليها حتى في المناطق النائية.
توفير المساعدة اللوجستية والمالية للمنظمات التي تهتم بحقوق المرأة ومشاركتها الاقتصادية، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتنمية مهارات القيادة.
تعزيز الاستقلال المالي للمرأة من خلال البرامج التي تزيد من ثقافتها المالية، وتُعزّز مهاراتها في مجال الأعمال، وتشجع ريادة الأعمال، وتتيح فرص الوصول إلى التمويل الأصغر.[52]
تأمين التمويل اللازم للحصول على تقنيات الأمن السيبراني الحديثة ودعم الحلول التقنية المحلية التي تحمي النساء على الإنترنت.
تخصيص التمويل لبناء شبكات نسائية عبر الإنترنت للمهنيات لتبادل الخبرات والحصول على الدعم عند التعامل مع التهديدات السيبرانية.
دعم تطوير الشبكات المحلية التي توفر الموارد والدعم للنساء، ويشمل ذلك التوجيه والإرشاد والمنصات التعاونية.
تطوير برامج تدريبية قوية للمجموعات والشبكات النسائية المهنية حول الثقافة التكنولوجية والرقمية وإدارة الخصوصية، وتشكيل شراكات دولية لتبادل المعرفة حول الأمن الرقمي.
رصد أوضاع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في اليمن والإبلاغ عن الانتهاكات والتحديات التي تواجهها إلى الهيئات والوكالات الدولية ونشر الاستنتاجات التي تم التوصل إليها لغرض التوعية واتخاذ إجراءات عاجلة.
إلى السلطات المحلية:

إطلاق حملات واسعة النطاق لتغيير الصور النمطية المتحيزة ضد النساء والمواقف المجتمعية، وتعزيز قبول المرأة في المناصب العامة والمهنية، والقضاء على التصورات السلبية والخاطئة (مثل أن عمل المرأة يقلل فرص العمل للذكور).
التعاون مع المجموعات/ الشبكات النسائية المهنية ومنظمات المجتمع المدني لإنشاء برامج تُشرك الرجال والفتيان كحلفاء في المبادرات الرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين، وتغيير التصورات السلبية تجاه المرأة العاملة.
التعاون مع قادة المجتمع والشخصيات الدينية الداعمة والمؤثرة لتعزيز حقوق المرأة ومشاركتها الاقتصادية، والاستفادة من نفوذهم لتغيير الأعراف الثقافية.
تقديم المساعدة اللوجستية والمالية للمنظمات التي تهتم بحقوق المرأة، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلاً عن تنمية المهارات المهنية والقيادية.
تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة وحرية تنقلها، من خلال البرامج التي تعزز ريادة الأعمال وتتيح فرص الوصول إلى التمويل الأصغر.[53]
حماية أنشطة المجتمع المدني من التدخلات السياسية والشخصية غير المبررة، وإنشاء هيئة رقابية مستقلة.
إلى المُشرّعين:

تعزيز الحماية القانونية للمجموعات/ الشبكات النسائية المهنية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وضمان قدرتها على العمل دون خشية التعرض للتدخلات غير المبررة، وتسريع الإجراءات القانونية للمنظمات التي تواجه ممارسات غير عادلة من الهيئات الحكومية.
وضع وإنفاذ قوانين مكافحة التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وإنشاء وحدات متخصصة للشرطة والسلك القضائي للتعامل مع قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي بدقة وحساسية.
رصد مدى التزام المسؤولين المحليين بالمعايير القانونية وإنفاذ العقوبات على المخالفات التي تنطوي على الفساد أو إساءة استخدام السلطة، وخاصة تلك التي تؤثر على المجموعات النسائية والحقوق المدنية وتنمية المجتمع.
تقديم الدعم المادي والتضامن للمنظمات غير الحكومية التي تواجه تحديات، ويشمل ذلك المساعدة القانونية، وفرص التواصل مع الوكالات الدولية، والمساعدات المالية لتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة أي إجراءات مجحفة من السلطة المحلية.
سن تشريعات متكاملة لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي وإنشاء وحدات دعم متخصصة للتعامل مع القضايا ذات الصلة في الوقت المناسب وبدقة.
تنفيذ آليات المساءلة داخل المنظمات لضمان التعامل مع حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل صحيح وتحقيق العدالة لضحايا هذا النوع من العنف.

لقرأة المقال من موقعه الاصلي:

https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/23425


التعليقات