تعد هيام تركي، مديرة مكتب الثقافة في مديرية الشمايتين محافظة تعز، نموذجاً مميزاً للنساء في السلطة والتي تمكنت من تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، من خلال بناء السلام وتعزيز الهوية الثقافية في منطقتها.
تروي هيام أن شغفها بالثقافة والفنون ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات بيئية وأسرية، حيث نشأت في بيت يعزز الفنون والثقافة، إذ كان والدها محبًا للفنون والشعر والموسيقى، وكان حلمه بناء دار سينما، لكن المشروع لم يكتمل بسبب أولويات الاستقرار الأسري.
بدأت هيام مسيرتها الثقافية من خلال المشاركات المدرسية والفعاليات الصيفية، ثم توسعت إلى المعارض الجامعية والعمل في مركز الأسر المنتجة، وأتاح لها عملها في التعليم لاحقا فرصة تنفيذ الأنشطة الثقافية للأطفال.
بعد بضع سنوات من العمل في حقل التعليم انتقلت إلى العمل الإداري في فرع جامعة تعز بمدينة التربة، حيث تولت عدة مسؤوليات، قبل أن يتم تعيينها في مكتب الثقافة بمديرية الشمايتين.
إدارة العمل الثقافي
تسلمت هيام إدارة مكتب الثقافة في مديرية الشمايتين عام 2011، لتجد نفسها بين حدثين أحدهما سار والآخر غير ذلك.
فتح تعيينها فرصة للمشاركة النسائية اتساقا مع القرار الأممي 1325، ووضعها قرار التعيين أمام جملة من التحديات التي داهمتها دفعة واحدة. إلا أن النقص في الموارد والمرافق، وغياب للأدوات، والوضع الأمني غير المستقر في بلد يرزح تحت الحرب كانوا عائقا أمامها لكنها لم تتوقف.
وقالت هيام في تصريح لمنصة هودج إنها " ترددت في قبول المنصب، لكن إيماني بأهمية الدور الثقافي وبدعم زملائي تشجعت على خوض التجربة".
يسعى مكتب الثقافة بمديرية الشمايتين إلى تعزيز دوره المؤسسي من خلال تحسين مستوى الخدمات الثقافية، ورفع الوعي المجتمعي، والكشف عن المواهب وتشجيعها، وتنمية الفنون المسرحية والموسيقية والتشكيلية، وحماية وتوثيق التراث الثقافي.
وينظم المكتب فعاليات ثقافية وفنية موسمية في المناسبات الوطنية، واليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس وغير موسمية كلما توفرت مناسبة كعمل فني قابل للإنتاج أو إنجاز دراسة أو أصدور كتاب ذوي علاقة بالهوية الثقافية والفنون.
مبادرات لتعزيز السلام
مُنذ تولت هيام إدارة المكتب في العام 2011، نفذت العديد من الأنشطة والمبادرات التي ساهمت في تعزيز السلام والتعايش المجتمعي من بوابة الفنون والثقافة.
وأشارت هيام في حديثها للمنصة إلى أن "الثقافة تلعب دوراً حاسماً في بناء السلام وتقدم المؤسسات الثقافية خدمات تسهم في تخفيف النزاعات والصراعات".
وأضافت: " نظمنا مهرجان "أرض العطاء " و " أنستنا يا عيد " والمنتدى الأول للشباب بالإضافة إلى دورات تدريبية في الرسم والزخرفة ومعارض للفنون التشكيلية وعددا من الفعاليات المسرحية القصيرة".
وأوضحت أن " هذه الفعاليات لم تكن مجرد أنشطة ترفيهية، بل ساهمت في تعزيز التماسك الاجتماعي والسلام في المنطقة، وترسيخ ثقافة التعايش".
وتعترض مسيرة هيام العديد من التحديات حيث تعاني من قلة الدعم المالي وشحة الإمكانيات وضعف الاهتمام بالأنشطة الثقافية، وتأهيل ودعم المواهب من قبل رأس المال الوطني.
دورها كوسيطة في بناء السلام
إلى جانب عملها الإداري، لعبت هيام دورًا فاعلًا كوسيطة مجتمعية لحل قضايا النزاع، حيث شاركت في عدد من مشاريع مثل مشروع المرأة والسلام ومشروع التماسك الاجتماعي، كما ساهمت في حل نزاعات مجتمعية كحل النزاع المتعلق بمشروع مياه سمدان الكائن في منطقة الرجاعية التابعة للمديرية إلى جانب إسهامها في جهود تحسين الخدمات العامة.
وذكرت هيام: "كان نزاع نشب بين قريتين محاذيتين لعزلتي الرجاعية والشمايا الشرقية وتمثلت قضية النزاع في حرمان إحدى القريتين من مشروع مياه سمدان".
كما أوضحت أنه تم تنفيذ جلسات حوار مجتمعي لخفض التوتر وحل النزاع بين العزلتين من قبل مجموعة الوسطاء المحليين لتتمكن المجموعة من حل النزاع بعدها.
أتاحت هيام الفرص لتنمية الفنون والفعاليات الثقافية من موقعها كمديرة لمكتب الثقافة في المديرية، وساهمت في تسهيل وتنظيم عدد من الأنشطة الأخرى بحكم كونها ناشطة مدنية وشخصية اجتماعية شابة. حيث عملت على إعادة تفعيل مركز الأسر المنتجة في المديرية بتمويل من منظمة كير، إضافة إلى تدريب النساء والشباب حول القرارات الأممية وآليات بناء السلام.
ويمثل مركز الأسر المنتجة الذي توقف عن العمل نتيجة الحرب، أهمية حقيقية لجهة تمكين نساء الأسر الفقيرة من الإنتاج والتسويق والبيع وتحسين حياة أسرهن.
تصف هيام دور المجتمع المحلي بأنه " داعم للجهود والمبادرات الثقافية، حيث نفذت العديد من المبادرات الشبابية بشكل طوعي عددا من الفعاليات الثقافية والفنية رفقة المكتب، كما دعمت المؤسسات الخاصة مثل المعاهد والجامعات فعاليات المكتب، بينما كانت مساهمات التجار محدودة للغاية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة".
تحفيز وإلهام
عمل هيام في مجال الثقافة وبناء السلام أحدث تغييرًا كبيرًا في حياتها الشخصية، تقول " منصبي كمديرة مكتب الثقافة أتاح لي فرصًا لتطوير مهاراتي وخبراتي، وتوسيع علاقاتي الاجتماعية والمهنية".
ويصف الناشط المجتمعي في مديرية الشمايتين،بشير ملهي، هيام تركي بـ " النموذج المشرف والملهم للمرأة اليمنية في المديرية من خلال دورها الفاعل في العديد من الأنشطة والفعاليات التي تساهم في بناء السلام وتعزيز الوعي المجتمعي".
يشير ملهي إلى أنه من رواد الأنشطة التي ينفذها مكتب الثقافة في المديرية كالفعاليات الثقافية والفنية وتشجيع المواهب المحلية موضحا "تبذل هيام جهودًا كبيرة في سبيل تحقيق الوعي المجتمعي من خلال المحاضرات والورش التوعوية التي تديرها ومن خلال الفعاليات والأنشطة التي ينظمها المكتب أو تيسرها هيام من خلال علاقاتها الاجتماعية".
نشرت هذه المادة في منصة هودج